رسائل الأدباء : رسالتان من بشر فارس إلى أحمد حسن الزيات

سيدي صاحب (الرسالة):

بعث إليّ شيخي وصديقي الأستاذ (لويس ماسينيون) بالجزء الأخير من المجلة النفيسة التي يخرجها في باريس (مجلة الدراسات الإسلامية) 1937. -

وموضوع هذا الجزء رسالة مسهبة في العشائر الخاصة بالجنازات في مصر لهذا العهد. وأما صاحب الرسالة فشاب مصري يدعى م. (؟) جلال، وهو ممن يأخذ العلم في باريس عن الأستاذ لويس ماسينيون ثم الأستاذ موس (مدرس علم الاجتماع في الكوليج دي فرانس) والرسالة تعرض (الطقوس) الخاصة بأحوال المرض والاحتضار فضلاً عن أحوال الموت والجنازة. ثم تبين الإضافات التي بين تلك (الطقوس) والشؤون الاجتماعية والدينية والأخلاقية

ثم تبسط ألوان الشعور وضروب العقائد التي ترجع إليها تلك الشؤون. وللرسالة ذيلان: مضمون الأول طائفة من المراثي القومية التي تغنيها النائحات (العدادات)، ومضمون الثاني مجموعة من الصور الشمسية تبرز للعين مثل مائدة الغسل، والصلاة في المسجد، وموكب المشيعين (والعدادة) والدفن وإطعام الفقراء، إلى غير ذلك مما له علاقة بشؤون الموتى

وقد فرحت بقراءة هذه الرسالة فرحاً شديداً، ذلك بأنها مؤلفة على طريقة استقام عمودها، وهي طريقة البحث عن أحوال الشعب وتصوراته؛ وهذا النوع من التأليف العلمي له مكانة رفيعة في جامعات الفرنجة على حين ليس له في جامعتنا قليل من الحظ، حتى أن ما يتصل بشؤون الشعب المصري من أعمال ووجدانيات ومعتقدات إنما ينتهي إلينا على أقلام نفر من الباحثين الغربيين

فلا يحسن بنا اليوم أن نغفل رسالة الأستاذ م. جلال، إذا انصرف إلى إثبات ناحية من خصائص الشعب المصري ربما لا يتاح لها أن تبقى على حالها. ثم إنه يحق لنا أن نذكر للأستاذ ماسينيون عنايته بنشر الرسالة ورعايته لهمة المؤلف...

وأسلم سيدي الأستاذ لمن يخلص لك الود

بشر فارس

بتاريخ: 11 - 04 - 1938


***


سيدي صاحب الرسالة

بعث إلى صديقي (هنري بيريس) بكتاب غزير المادة يقع في مائتي صفحة من القطع الكبير، ظهر في باريس في مختتم سنة على يد الناشر وعنوان الكتاب ' 1610 1930 (أسبانية في أعين الرحّالين المسلمين من سنة 1610 إلى سنة 1930)

والأستاذ (هنري بيريس) مستشرق فرنسي معروف وهو من أساتذة كلية الآداب في الجزائر، وله طائفة من المباحث تعرض خاصة للأدب العربي ولا سيما الحديث منه. وأما الكتاب الذي بين يدي فيسرد تأثرات من رحل من المسلمين إلى أسبانية ونظراتهم. وإليك أسماءهم: الوزير الغساني (القرن السابع عشر) الزيّاني والغزّال (القرن الثامن عشر)، الكردودي وابن التلاميذ التركزي الشنقيطي والورداني واحمد زكي باشا (القرن التاسع عشر) محمد فريد وأحمد شوقي ومحمد كرد علي ومحمد لبيب البتنوني وسعيد أبو بكر ومصطفى فروخ (القرن العشرون)

وقد جاء السرد على الطريقة العلمية بما قام عليه من المراجع وما غلب عليه من التحليل البعيد الغور. وكثيراً ما نقل المؤلف إلى اللغة الفرنسية بعض النصوص العربية من شعر ونثر تتناول وصف الطبيعة أو النظر في الأخلاق والتاريخ والفن على وجه عام

وفي رأي المؤلف أن المسلمين الذين دونوا رحلاتهم الأسبانية ينقسمون قسمين: أما الأول، وامتداده من سنة 1610 إلى سنة 1885، فأصحابه عدوا أسبانية وطناً مغتصباً وأهله إخواناً أفسدت النصرانية نزعاتهم وبدلت من عاداتهم، ثم كتبوا ما كتبوا وهمُّهم تقرير الملموس دون تدوين المحسوس. وأما القسم الثاني فأصحابه - وفي مقدمتهم أحمد زكي باشا في كتابيه (السفر إلى المؤتمر) ثم (الرحلة الكبرى) والبتنوني (رحلة الأندلس)، ومصطفى فرّوخ - (رحلة إلى بلاد المجد المفقود) بيروت - فقد عدوا أسبانية (الفردوس المفقود) فأطلقوا ألوان شعورهم تحسراً على ما ضاع وفخراً بما كان وغضباً مما حدث وفيهم المؤرخ والشاعر والسياسي والاجتماعي والفنان. ثم رأوا أهل أسبانيا قوماً لهم معايب ومحاسن. أما هذه فترجع في الغالب إلى أرومتهم العربية، وأما تلك فتصدر في الغالب عن الحضارة الأوربية وعن العنصر الأسباني الأول. فجاءت كتابتهم أقرب إلى التأثر منها إلى التفكر، وطريقتهم ألصق بالذاتية منها بالموضوعية على ما يطرد في رحلاتهم من ألوان الوصف الدقيق للأخلاق والعادات والعمران واللغة والفنون

واسلم سيدي الأستاذ، لمن يخلص لك الود

بشر فارس

بتاريخ: 25 - 04 - 1938

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى