مبارك وساط - عصـافيرُ سكْرى

ثمّة حانةٌ أُنادم فيها أشكالاً هُلاميَّة، تَرقبنا عيونٌ لموتَى، وهي لا تزال تنبِض، منسيَّةً في الكؤوس وعلى المناضد. زفيرُ السَّاعات ينكأُ جراحَ حكايات غامضة، بينما تبحث قطرةُ خمر وحيدة عن معنىً للحياة داخل حنجرة سكِّير. الجنود الذين حاربوا في السَّراديب وعلى أرصفة المقاهي يُصَوِّبون بنادقَهم إلى قلب تمثالٍ يترنَّح مُعربداً. والطِّفلةُ التي تَهْجع منذ لحظات، تحلم بعصافير سكرى تَنقرُ لسانَها الورديّ. على عتبة الباب، يقف شحَّاذٌ باسماً، فيما تتسكَّعُ روحُه بين صناديق القمامة، بحثاً عن قنانٍ فارغة. "أنتَ شجرة مأفونة، أنتَ غيمةٌ مُخَدَّرةُ الحواسّ، ذَرَّةُ رَمل تَبْكي في أعماق المُحيط..."، يقول النّادل المقنَّع للكهل الذي يعملُ ساعيَ بريد بين النّجوم. لكنّ هذا الأخير كان يغطسُ عمودَه الفقريّ في دَوْرَق من نبيذ بابل، ويُفكِّر في عذاب البشرية الذي يتمرأى في شاشة صمته العنيد.

أُعيدُ تكوين المشهد، فأرى وجهي مثقلاً بكلمات ذابلة. كلماتٍ، أنفاسي ستسحبُها خلفها إلى حيث ترتعش عظامُ البحر... لحظات وأمضي من شارع إلى شارعٍ يُطارد خيولاً غريبة، وهي تهرع نحو بَرارٍ مُدَثَّرة بِغَسق الكحول.

.

ـــــــــــــــــــــــــ
من مجموعة: على دَرَج المياه العَميقة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى