أيمن مصطفى الأسمر - تشوهات مدينة

ذات صباح .. في طريقك إلى العمل للمشاركة مضطرا في مناسبة رسمية هامة يحضرها بعض من كبار المسئولين في الدولة، تلاحظ باستغراب أن شوارع المدينة الاسفلتية ومعالمها المألوفة قد تحولت إلى جبال شاهقة الارتفاع يتخللها دروب وعرة، وهضاب صخرية متدرجة، وتلال رملية، بينما في الأسفل تلمح وديانا واطئة رحبة، تكتشف أنك الوحيد الذي يرتدي زيا رسميا، أما باقي السائرين فيرتدون ملابس غريبة تذكرك بمشاهد من أفلام سينمائية شاهدتها قديما، لم تكن ملابسهم فقط هي التي تبدو غريبة بل كانت ملامحهم وهيئاتهم أكثر غرابة، تلاحظ أيضا أن الوديان الواطئة الرحبة لا يسلكها أحد، أما الدروب الوعرة بين الجبال الشاهقة الارتفاع فيسلكها المئات من البشر أصحاب الملامح والهيئات الغريبة، يساورك الشك في كيفية الوصول إلى عملك في تلك المدينة التي انقلبت أحوالها بين عشية وضحاها، لكنك تجد نفسك مثلهم تسلك دربا جبليا وعرا فتقرر الهبوط إلى أحد الوديان لعلك تتجنب الخطورة والمشقة، بمجرد أن تشرع في ذلك ينادي عليك بأصوات ولغة تبدو غريبة بعض من السائرين في الدروب الوعرة، تفهم بصعوبة بالغة وبعد عناء أنهم يحذرونك من الهبوط إلى تلك الوديان الرحبة، وأن هناك خطر ما يحتم عليك الابتعاد عنها، يحار عقلك في تفسير ما تراه وتسمعه، وتتساءل في نفسك أهو حلم أم كابوس؟ لكنك تتأكد أن الأمر واقع لا خيال فيه، تعيقك ملابسك الرسمية عن التحرك بسهولة خلال تلك الدروب الوعرة، ولا تعرف هل سيقودك الدرب الذي تسلكه إلى عملك أم لا؟ تحاول الهبوط قليلا إلى أحد الدروب الأقل وعورة، تتجاهل أصوات وكلمات التحذير التي تصلك بتلك اللغة الغريبة التي تفهمها بصعوبة بالغة، فأنت على كل حال لم تهبط كثيرا، ولا تزال الوديان الواطئة الرحبة بعيدة في الأسفل، لكن الدرب الذي سلكته ينحدر بك سريعا دون إرادة منك ولا قدرة لك على الرجوع أو التوقف، تقترب منك الوديان الواطئة الرحبة وتتضاءل الجبال الشاهقة الارتفاع والهضاب المتدرجة، ويختفي عن ناظريك تماما البشر ذوي الملامح والهيئات الغريبة، تتوجس خيفة ويساورك قلق لا تملك له دفعا، يحيط بك فجأة من حيث لا تدري كائنات مشوهة مخيفة لا تدري أهي من البشر أم لا، تدرك الآن لم كانوا يحذرونك بالأعلى من الهبوط، لا تجد لك سبيلا للخروج من بينهم، تستسلم لمصيرك وتقف ثابتا مستجمعا ما تبقى داخلك من شجاعة، يقترب أحد تلك الكائنات المشوهة المخيفة منك وفي يده ما يشبه عصا أو سلاحا بدائيا، ينظر مباشرة في عينيك، يفاجأك بحديث بلغتك التي تعرفها فتفهمه على الفور، على غير توقع يسألك أسئلة متنوعة متلاحقة عن مدينتك وأحوالها، عن حياتك وعملك، عن سيرة آبائك وأجدادك، يطلب منك إجابات دقيقة ويبدو حاسما ومكشرا عن أنيابه وهو يؤكد على ذلك، تتمالك نفسك وتبدأ في الإجابة بتأن على أسئلته متحريا الدقة ما استطعت، يتابع إجاباتك كأنه يعلمها قبل أن تنطق بها، يقومها لك واحدة تلو الأخرى، وبعد أن تفرغ من الإجابة على أسئلته كلها تتبدل ملامحه وهيئته تدريجيا، فيعود إلى هيئة البشر كأحسن ما يكون، وتشعر أنه ليس غريبا عنك، يبتسم ويقول لك: أتعلم أننا نرتبط بصلة قرابة، ثم يضيف: وقد نكون الشخص نفسه، ثم يختفي فجأة وإذا بمدينتك تعود إلى حالتها التي تعرفها, فتختفي الجبال والهضاب والتلال، وتعود الشوارع الاسفلتية والمعالم المألوفة، يتحرك بها السائرون في جميع الاتجاهات وقد استعادوا ملامحهم وهيئاتهم مرتدين ملابسهم المعتادة، وإذا بك تصل إلى عملك في موعدك للمشاركة مضطرا في تلك المناسبة الرسمية الهامة التي يحضرها بعض من كبار المسئولين في الدولة.

أيمن مصطفى الأسمر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى