محمود البريكان - التصحر..

الدوار الخفيف

واختلال العلاقة بين النظر

والتعرف

تلك علاماته

لم يكن مرضاً واضحاً

هو ظاهرةٌ غامضة

تتسرب في الجوِّ

تفترس الآدميينَ في خفيةٍ

وتغلِّفهم بالتراب

الطيور تهاجر في غير أوقاتها

الصقور تحدق ساكنةً

صفحة الموج مغبرّةٌ

السواحل مقفرةٌ

وهياكلُ من سفنٍ غابرة

طمرتها الرمال

الصحارى المشعّة تغلق دائرة الأفق

والشمس تهبط محمرّةً

والرعود الخفيّة

بين الغيوم تدمدمُ نائيةً كوحوش.

الطيور تضيع مساراتها

وتخرُّ على الأرض يابسةً

وصقور المجاعات تربض ساكنةً

وتحدّق

المدن الشاحبة

تتقدم نحو القفار

تتراجع ثانيةً

وتلملم أطرافها الخضر

يحدث ذلك في ثانية

أو عصورْ…

الحدائق تطمرها الريح

غير أعالي شجيراتها

الجداول تعرى

خنادق حربٍ تحجّر فيها الزمنْ.

الرمال تهاجمُ

تركب متن الزوابعِ

تبتلع الشمسَ

تغزو حدود المحيطات

تدخل في فجوات الطبيعةِ

في فوَّهات البراكينِ

تطمس كلّ المسالك

تجثم عند ضواحي المدن

وتحاصرها.

المتاحف تعرض تاريخها وحده

هي ذكرى عهود المتاحفِ

يغشى التراب جوانبها

التماثيل تزداد حجماً

وتوشك أن تتفتت

كل سيوف المعارك مغمدةٌ

في غمود التراب

ثياب الملوك

تحرك أجنحةً من تراب

خلال السكون

الكتب

تتداعى مجلّدةً بالغبار

الذي يتحجّر شيئاً فشيئاً

صدور المعاجم منخورةٌ

تتلاصق أوراقها

تتآكلُ

في كتلٍ من رمالٍ رماديةٍ ناعمةْ.

في الهواء

يتحرك هذا الوباء الذي لا اسمَ له

يتسلل عبر الستائرِ

ينفذ بين شقوق النوافذِ

يسبح في الغرف الهادئةْ

ويشعّ من الضوء من شاشةٍ

ويرسب ظلاً على الأغطية

ويرشّ ببطءٍ على كل شيء

طبقات الغبار.

لا يكاد يُحَسُّ به حين يظهرُ

كلُّ علاماته

خللٌ غامضٌ في الرؤى

ودوارْ.

١٩٨٩


* وردت بمتاهة الفراشة
أعلى