محمد محمود غدية - الغيرة الحمقاء

فى عين الثلاثيني الذي يجاورالحسناء، دمعة تشكلت لم تذرف بعد، تنتظر بلوغ الممر حتى تفر، إنها أمام وجه جميل لا يليق به الحزن ! تنهدت آسفة متساءلة مع نفسها : كيف تمسك دموعه وتعيدها إلى عينيه، لابد أنها تلك الرواية التى يقرأها، هى من أخذته إلى عوالم أخرى، ربما بها بعض عالمه الذى يحياه، إنه غارق فى تفاصيل التفاصيل، بدا هذا من عدم إهتمامه، أو الإلتفات إلى من تجاوره فى القطار،
حاجتها ملحة للثرثرة فى أعماقه، لإستكشاف هذا الوجع الذى أصابه، ربما أصابته لعنة الحب، التى دونها تصبح الحياة عدمية، الشمس تحاول جاهدة التسلل من نافذة القطار، مبددة عتمة النفوس، الحب وحده يعيد فلترة الروح، لاحاجة لها بركوب جواد خيالها، للتلصص على تفاصيل مشاعر من أهملها
وهى تجاوره قرابة الساعة، نضرة الوجه تتقن الإمساك بمثل تلك اللحظات المتفردة، ثمة أشخاص رائعون، نلتقى بهم فى أوقات تبدو غير مناسبة، خلعت خاتم الخطبة من أصبعها وأخفته ومزقت ورقة من أجندتها، وكتبت سطرا واحدا يقول : لاتندم على الماضي، حتى لا تفسد الحاضر، وأسقطتها وسط الرواية التى أمسكت به، وإعتدلت منتصبة الجذع كحرف الألف، إنتظارا لفتح السد المختزن خلفه أطنان الحكايات، وماأدراها ربما كان ممن لا يحبون إظهار عواطفهم، إصطبغ خداها بحمرة قانية، كلون الشفق فى الفجر،
حين طوى الرواية وأدار رأسه نحوها، قائلا وسط إبتسامته : بقيت ساعة على محطة الوصول، وهى غير كافية للبوح، لا أخفي أنك رائعة مثل إبتسامة مفاجئة، فى وجه إنسان متعب، الرواية التى هزتني تشبهني، عنوانها حطب الليالي الثلجية،
لم تفلح فى زحزحة المرارة التي بداخلي، أهديها إليك وهى لا تليق بك، ترى هل تسعد السماء حين نهديها نجمة !
شكرته وقد فتح ثقب فى سد الحكايات قائلا :
عشت قصة حب مع زميلتي الطيبة والنبيلة، هجرتني لغيرتي الحمقاء والمجنونة.
ورفضت العودة بعد أن طالت الغيرة حصون الشرف،
على الفور ودون أن يلحظ ذلك، أعادت خاتم الخطبة إلى إصبعها، لأنها على يقين أن الغيرة الحمقاء، تلون كل الأطياف باللون الأسود، لون الحزن ولون الموت .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى