أمل الكردفاني- الحياة الزوجية.. التشارك الصعب

تنتهي الحياة الزوجية بنهاية عهد العفوية. لقد كتبت عن ذلك منذ وقت بعيد، غير أن العفوية تبدأ في التآكل عبر المواقف الصغيرة التي تتسم بدرجة من الخيانة، الخيانة لا تنحصر في الجانب الجنسي، بل جوانب أخرى تبدأ من العجرفة، وعدم الاحترام للشريك أو التقليل من شأنه برد فعل غير ذكي، كتقطيب الوجه، أو الرد الجاف، أو إذلال الآخر -وخاصة المرأة- بتصرفات عابرة. لقد ذكرت سابقاً بأن الإنسان كائن تشاركي وليس اجتماعي، وهناك فرق، فالفرد منا يتنازل عن القليل من خصوصيته من أجل الشعور بالحماية الاجتماعية، ولكنه سيسترد ذلك القليل من خصوصيته بسرعة في حالات الكوارث والحروب ولن يلتفت إلى الجماعة عندما يواجه بالأخطار المحدقة. هذا التنازل هو التشارك، فنحن نقوم ببناء شراكات مستمرة في العمل والحي الذي نقطن فيه والزواج والأهل والأسرة والتجمعات الثقافية والسياسية والرياضية..الخ. لا يعني هذا أننا منخرطون بكلياتنا في الجماعية، بل يعني أننا -وبإرادتنا الفردية الحرة- قدمنا نصيبا من أسهمنا للآخرين، وهكذا فالإنسان كائن تشاركي، قابل باستمرار وبسرعة للهروب من القطيع. وكذلك الحياة الزوجية باعتبار الزواج عقداً مصطنعاً، بدأ كمعالجة اقتصادية، حيث كان الرجال يتزوجون من أجل انجاب الأولاد كقوة عاملة وقوة حماية وتعاضد في مواجهة التهديدات التي يتعرضون لها. فالغرض الأساسي من الزواج ليس اشباع الحرمان العاطفي، بل ظل الإنسان كسائر الحيوانات مدفوعاً بغريزة البقاء وحفظ النوع الخفية. فالأسرة مشروع اقتصادي حتى لو نظرنا له من ناحية الكلفة الجنسية. ولكنه أخذ -عبر الزمن- درجة من التقييم الاجتماعي العالي لسبب غامض، ولكنه في كل الأحوال لا يقل غموضاً عما تنتجه الجماعة من أعراف وتقاليد غير مفهومة أو لا يمكن تبريرها عقلاً. إن فكرة التشارك بين الرجل والمرأة مُنحت قيمة عليا عبر تأطيرها بالتعاقد، رغم أن ذلك -من المفترض- أن يشعرنا بنوع من الغباء، لأن التشارك العاطفي لا يمكن ان تحميه العقود، تماماً كما لو ذهبت لجارك وطلبت منه توقيع عقد يحمي حُسن الجوار. لكن هكذا حدث، وهكذا نحن لا نستطيع أن نوجه انتقادات لعقد الزواج لأننا سنواجه بالرفض أو أكثر من الرفض. ولكن بما أن ما حدث قد حدث، فلا سبيل أمامنا إلا أن نحاول تذكية هذا العقد، وأقصد بتذكيته أن نجعله عقداً ذكياً، ولكي نجعله عقداً ذكياً يجب أن نعمل على تأهيل طرفية فكرياً لنصل بهما إلى الذكاء التشاركي، خاصة في ظل تحرير المرأة وارتفاع معدلات استقلالها الاقتصادي عن الرجل، مع الميول المتزايدة نحو إثبات الذات وحماية كينونتها عبر سلوكيات عدائية متراكمة ضد الرجل وما يقابله من رد فعل الرجل وهو يشعر بتقلص حدود سيطرته التاريخية. وفي ظل ديموقراطية التعليم، ودخول المرأة لسوق العمل بعد انتصار الرأسمالية في الحرب الأهلية الأمريكية واندياح الأمركة في الثقافات الأخرى، يجب أن نعيد النظر في مؤسسة الزواج، لتتمكن من مواكبة عصرها، فتحرر المرأة واستقلاليتها صار أمراً حتمياً، ستراه في ابنتك أو حفيدتك إن لم تره في زوجتك أو أختك أو أمك. وإذا انهزم المحافظون في العالم فستتسارع عجلة انفصال المرأة عن الرجل، وبدء تخلخل تلك الشراكة التي يتم حمايتها بعقد وقوانين مثيرة للسخرية. فالمفترض أن التشارك العاطفي يتيح لأي طرف حق المغادرة في أي وقت يفقد فيه تلك العاطفة بدون قيود. ولكن هذا ما لا يحدث، بل أن القوانين نفسها باتت سبباً للمشاكل أكثر من كونها تقدم معالجات، فالقوانين من ناحية قد تعطي المرأة حق طلب الطلاق ونزع الأولاد من أبيهم ثم إجباره على الانفاق عليهم رغم أنهم منزوعين منه. في المقابل، تعاني النساء من بطء العدالة، فهناك قضايا طلاق تستمر لسنوات حتى تشيخ فيها المرأة ولا تستطيع أن تستمتع بشبابها. بالتالي؛ أضاف القانون عبئاً ذهنياً على الأفراد وجعل عقد الزواج ورطة، فارتفع متوسط عمر الزواج، وأصبح هناك ميل للعنوسة الاختيارية عند الذكور والإناث. إذ أن الشراكات صارت سامة، سواء كان ذلك علنياً أم مختفياً تحت ظل صبر الطرفين لأسباب متنوعة. لذلك فلا مناص من البحث عن أدوات جديدة لتطوير ذلك العقد، تجعله يهتم بحقوق الطفل أكثر من حقوق الزوجين، كما يجب أن تتم حماية الاستقلال الاقتصادي لكل من الرجل والمرأة عندما يتفاوضان لإبرام ذلك العقد. في الواقع كلنا كبشر لدينا سلبيات خفية، وهي التي تتضح بشكل يومي، حتى تغطي على الإيجابيات، وهنا؛ لا يوجد خيار أمام الشركاء سوى رفض الاستمرار أو الخضوع بحسب الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات. نعم، المسألة دائماً هي ربح وخسارة، تماماً كعلاقات التجار. لقد قال فولتير بأنه إذا كان هناك خمسة تجار، أحدهم بوذي والثاني مسلم والثالث مسيحي والرابع يهودي والخامس هندوسي، فلا أحد منهم سينعت الآخر بالكافر، فالكافر عندهم هو فقط التاجر المفلس. وهكذا العلاقة الزوجية، إنها أيضاً مسألة ربح وخسارة، قد نغلب فيها ربحاً ضئيلاً على خسارة ضئيلة، ولكن حين تكون الخسائر فادحة، فإن الهروب من هذه العلاقة سيكون حتمياً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى