أمل الكردفاني- مخاطر الإبداع الوظيفي

انتشر مقطع كوميدي للفنان محمد صبحي والذي مثل دور موظف لا يعمل، ومع ذلك تتم ترقيته دوناً عن زملائه فأخبرهم بسر ذلك قائلاً:
- تشتغل كتير.. تغلط كتير.. ما تترقش..
تشتغل نص نص.. تغلط نص..
ما تشتغلش خالص.. ما تغلطش خالص.. فتترقى..
وقد يعتقد البعض أن هذه نكتة أو مزحة، لكنها حقيقة وإن كان مبالغ فيها قليلاً.. فالموظف المثالي هو الذي يتبع السيستم system بحذافيره، مبتعداً عن أي تفكير خارج الصندوق. لقد أدي الروتين الإداري إلى إضعاف إحتمالية تطوير المؤسسات، وهذا ما أدى بدوره إلى جعل القطاع العام قطاعاً متأخراً وبطيئاً. كما أدى إلى عدم وجود حلول للمشكلات المفاجئة والجديدة التي تواجه الموظف العام فجأة. ففي الوقت الذي يمكن أن يجد فيه صاحب بقالة صغيرة حلولاً للمشاكل المعقدة بسرعة، سنجد أن مؤسسات حكومية ضخمة لا تستطيع معالجة مشاكلها بذات السهولة؛ إذ أنها مقيدة بالقوانين واللوائح والتزمت الإداري ومخاوف الموظفين من الابتكار حتى لا يقعوا في الغلط كما قال محمد صبحي. لقد جاءت الخصخصة بمختلف أنواعها لكي تتجاوز أمراض القطاع العام المزمنة. مع ذلك فإنه كلما توسعت المؤسسات الخاصة كلما مال موظفوها لعدم الابتكار وما يضاعف ذلك قوانين الخدمة المدنية في القطاع العام وقانون العمل في القطاع الخاص، فهذه القوانين تدفع بالموظف إلى إلتزام خوارزميات النشاط الوظيفي. وسبب ذلك أن الإدارة تغلِّب الاضطراد والانتظام في سير المرفق على الابتكار، كما أن الأطروحات الابتكارية -بما أنها ابتكارية- لن تجد الفهم الواضح ممن اعتاد على اتباع القواعد بشكل روتيني ولعشرات السنين. كنت في زيارة لصديق بإحدى الوزارات بالسودان، وتفاجأت بهياج واضطراب كبير بين الموظفين، حيث تبين أن هناك فارق مالي في الخزينة، وفي النهاية وبعد ساعات من الاضطراب اكتشف الموظف أنه قرأ الرقم ثلاثة معتقدأ أنه إثنان ٣/٢. وهذا ما أحدث الفرق الوهمي في الحسابات، فاندهشت وسألتهم لماذا حتى الآن يستخدمون طريقة الكتابة والحساب على الورق مع وجود الكمبيوتر، فرأيت في وجوههم امتعاضاً من كلامي فصمت. أغلب المحاسبين الماليين في الوظائف الحكومية اعتادوا على طرق معينة في العمل ولا يفهمون قيمة الأتمتة، والحكومة نفسها مكونة من أشخاص من ثقافة بدائية يرون في الأتمتة مجرد رفاهية وتكاليف على الدولة. وهناك إدارات تتعتمد إفشال أي خطط للأتمتة لأغراض أخرى كالفساد. وهكذا. ولذلك فإن أفضل الموظفين هو الموظف الذي لا يفكر بل يعمل بحسب ما تعلمه بالممارسة الطويلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى