ميادة مهنا سليمان - اعتِرافاتُ ضَميرٍ...

نعَتُّها بِأقسى النُّعوتِ، وأنا أرجوهَا أنْ ترأفَ بذلكَ الطِّفلِ الَّذي لم يتجاوزْ بعدُ عامَهُ الخامسَ:
- إنَّهُ يتيمُ الأُمِّ، ترفَّقي بهِ، أرجوكِ!
ثُمَّ أخبِريني، أيستحِقُّ أنْ يُترَكَ على الشُّرفةِ في هذا الجوِّ المُثلجِ فقط لأنَّهُ -غيرُ عامدٍ- كسرَ تلكَ الآنيةَ الزُّجاجيَّةَ، تخيَّلي ابنتَكِ الصَّغيرةَ مكانَهُ، أتهونُ عليكِ؟
- كفى، كفى، كفى!
لقدْ صدَّعْتَ رأسي بصوتِكَ المُزعِجِ، كم مرَّةً أوصيتُكَ ألَّا تأخُذَ دورَ الوَاعِظِ يا ضميري حينَ أُعاقِبُ هذا الشَّيطانَ؟
- لكنَّهُ ملاكٌ صغيرٌ، أرجوكِ سامحيهِ هذه المرَّةَ فقط!
آهٍ ما أقساها، رفستهُ إلى الشُّرفةِ قائلةً:
- ابقَ هُنا، حتَّى يجيءَ أبوكَ.
بعدَ قليلٍ اتَّصلَ الأبُ مُعتذرًا عن المجيءِ إلى دمشقَ، فالصَّفقةُ لمْ ينتهِ إبرامُ عقدِها الليلةَ، وعليهِ أنْ يبقى ليلةً أُخرى في القاهرةِ حتَّى يُنهيَ أعمالَهُ التِّجاريَّةَ.
لمْ يُحزِنها الأمرُ كثيرًا، على الفورِ اتَّصلَتْ بِأصدِقائِها تُعلِمُهم أنَّها ستُمضي ليلةَ رأسِ السَّنةِ عندَهُم.
مضتْ تاركةً اليتيمَ على الشُّرفةِ، كلُّ صُراخي لِأجلِهِ لمْ يُجدِ نفعًا، نهرَتْني بِشِدَّةٍ، وقالتْ: لنْ أتأخَّرَ، بِضعُ ساعاتٍ، وأعودَ، وبعدَها فقط أُدخِلُهُ المنزِلَ، كي يتلقَّنَ درسًا قاسيًا على فِعلتِهِ!
أمضتِ السَّهرةَ، وهيَ تُدخِّنُ، وتُعربِدُ، حتَّى ثمِلَتْ.
أعترفُ ليلتَها بِأنِّي جَبُنتُ أن أُعيدَ الكَرَّةَ، وأوقِظَها علَّها تعودُ باكرًا من أجلِ الصَّبيِّ، فقدْ سَئِمتُ توبيخَها لي، لذلكَ نِمتُ بِعُمقٍ حتَّى صحوتُ ظُهرَ اليومِ التَّالي على صُراخِها، وهيَ في منزِلِها؛ لقدْ ماتَ الطِّفلُ اليتيمُ مُتجمِّدًا منَ البردِ، فيما كانتْ مُستمتِعةً بِسَهرتِها المَاجِنةِ، حِينَ ذَكَّرتُها بِما ينتظِرُها إزاءَ جريمتِها، وهمستُ لها شامِتًا: هَل عاقبتِهِ، هل طِبتِ نفسًا الآنَ؟
صرَخَتْ بِفُجُورٍ، وأُصِيبَتْ بِانهيارٍ عصبيٍّ شديدٍ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى