د. محمد الهادي الطاهري - حفريات

وقفت في مكتبتي أكثر من ساعة أقلب النظر في أوراق قديمة يعود بعضها إلى أكثر من ثلاثين سنة . ثقارير تفقد، صور فردية وأخرى جماعية. جداول أوقات، شهادات طبية بعضها لأطفالي وأغلبها لزوجتي، دفاتر مدرسية، شهادات شكر، شهادات تقدير، دعوات أفراح، كشوفات لحسابات بنكية من فروع مختلفة، تحاليل طبية من مخابر متعددة، ملخصات دروس، ورقات فيها ملاحظات على مداخلات في ندوات علمية. الحقيبة الحافظة لكل هذه الوثائق مركونة في أعلى درج من أدراج مكتبتي. لا أدري تحديداً ما الذي ساقني إليها. نسيت. غرقت في حزمة الوثائق المطوية. كل ورقة تستوقفني لثانية أو ثانيتين. وفي كل وقفة من هذه الوقفات السريعة العابرة يتشكل في ذاكرتي مشهد وتتبرعم قصة. مرت القصص كلها دون ترتيب. بعضها أثار ابتسامة وبعضها حرك شوقا إلى من رحلوا، دمعة خفيفة وتأتي بعدها ضحكة عالية، ثم اضطراب في دقات القلب، وشبه إغماءة، ثم استفاقة. ويستمر القفز بين الأزمنة. صورة واحدة استوقفتني طويلا. كدت أبكي. لم أبك. ليتني بكيت. طويت الاوراق كلها . حشوتها على غير نظام تماما كما كانت. هذه الذاكرة بلا نظام ولكنها حافظة لكل شيء. جدول الأوقات الأول في حياتي المهنية وحجة وفاة أبي. ما الذي جمع هذا بتلك؟ لا أدري. فوضى عارمة تتسرب إلى ذاكرتي وتختلط الأحوال من جديد. هل أرمي بالحقيبة الحافظة في سلة المهملات؟ لا . أعود فأفتحها تخرج صورة أمي. سمعتها تقول: لا تحزن يا ولدي. لست حزينا يا أمي. ولكن وطأة الأيام ثقيلة. لماذا فتحت هذه الحقيبة الحافظة؟ نسيت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى