أ. د. مصطفى الشليح - وكانَ نداءُ الشِّعر...

عبثا سرتُ ألحقُ بي كلَّما قلتُ: إنَّ الزَّمانَ خيولٌ، وإنَّكَ في حيرةٍ من زمانكَ مثلَ البُحيرةِ تلهو تجاعيدُها بالمكان يجولُ. تجاعيدُ للماءِ. هلْ جئتَ تسألها وجهكَ المُتجولَ في عين مرآتها ؟
هلْ ترى شجرًا في حديقتها ؟ هلْ تفيَّأتَ دوحَ طريقتها ؟ هلْ ولجتَ استعارتها حيثما الضَّوءُ عتمتُها، حيثما العتمةُ المستحمَّةُ نورًا تدانيكَ ليس تحولُ ؟
أخاصَرتَها وانتهيتَ إلى مقلتيها حماما وقلتَ له أن يقولَ كلاما ؟ أساورتَها بحديثِ المُدام إلى كأسها وكأنَّ به وترا لتنامَ على قوسها كلَّما كان منكَ الدخولُ أم الحَببُ المتطوحُ شمسا على حيرةٍ يمتطي صهوةً فالبُحيرةُ تمنحُ هذيكَ نافذةً تمَّحي حينما يستريبُ القفولُ ؟
كأنكَ قربكَ تنسجُ، بالإبرةِ اللُّغويَّةِ، ثوبكَ إمَّا البُحيرةُ تخرجُ من مائها كلَّما شبحٌ يتماوجُ حتى يُجاورَ قربكَ ليسَ يزولُ. تزولُ الحواشي ويعتزلُ اللَّيلُ نجما، ولكنَّ هذا النَّهارَ يُنزِّلُ آياتِه ويطولُ.
يطولُ لأمزجَ راحا براح على شفةٍ للجراح. جراحي التي لوَّحتْ لي وناحتْ عليَّ كأنَّ المعرِّي بداليةٍ ثَمَّ يقدحُ جمرا بجمر ويقدحُ لي عتباتِ الجماح. تقولُ البُحيرة:ُ للمنتهى ما تقولُ.
أرى جثةَ الماء تنسى بأني أراها تُطلُّ عليَّ ليأسرني الماءُ مشتعلا فكأنِّي طلولُ. تمطَّى كأعجاز نخل صدى اللَّيل صوتا فغطَّ المدى في سُباتٍ وإذ كلَّما مَرَّتِ الشَّمسُ عنه تحولُ. أمرُّ على الكهفِ أسألُ عنْ فتيةٍ خرجُوا، وأمرُّ لأسألَ عنِّي. أنا لمْ أعدْ إليَّ وما إنْ خرجتُ إلى عربٍ شبهِ خارجةٍ عنْ عُروبتها حيثُ غُربتُها والعذولُ. وصيدٌ أخيرٌ على كتفِ الكهفِ يأخذني لغةً للوصيد الأخير تَرصَّدني وكأنِّي أقولُ.
أنا بُحةُ الصَّمتِ في شفةِ الطيفِ حينَ يردُّ عليَّ السلامَ ويُخبرُني أنَّ برقَ الأحبَّةِ يرقى بُراقَ الأهلَّةِ منْ سَفرِ اللَّيل في سِفْره المتلعثِم حتَّى احتدام البيان وقد بانَ ركبٌ وشطَّ مزارٌ، وبغدادُ شطٌّ به العلجُ عاجَ على دجلةٍ والفراتِ وما أدركته خيولُ. فيا خيلنا العَربيَّةَ دُسِّي التَّواريخَ في خرج عاصفةٍ واخرجي وارهجي كيفَ كانَ الدُّخولُ.
سأدخلُ لغوَ البُحيرةِ وحدي لأفهمَ ليلَ العُروبةِ. وحدي أجرِّدُ ألواحَها وأحدِّدُ أشباحَها وأوحِّدُ أرماحَها لسؤال البُحيرةِ عنْ سرِّ ساوا وكيفَ بحيرا يقولُ، وماذا أتانا على كفِّ عاصفةٍ وكأنَّا الذُّهولُ. ووحدي أعيدُ ترتيبَ وحدي لأقرأ ما العربُ الواقفون على الحرفِ قد كتبوا، ولأقرأ شعرَ أبي ِالطيبِ المُتنبِّي ودرويش تصلبه العربُ.
عبثا أقرأ الشعرَ حينا إذا أقرأ النثرَ يصحبُه دمُنا السَّربُ. عبثا سرتُ ألحقُ بي. كنتُ أُسحَبُ خلفي. وكانتْ خطايَ أنينَ البُحيرةِ يعلو إلى شاعر ظامئٍ، والتَّجاعيدُ ماءٌ حييٌّ، أكنتُ ظمئتُ .. ؟ ولكنْ إلى أينَ يُفضي العُدولُ ..؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى