عبد الرضا اللامي - الحدباء لاتنحني أمام حائط المبكى

وعند انسيال النهار استبدلت الخفافيش جلد الظلام بعهن الخديعة فضج رأس الزمان بالمكائد . الحدباء لم تنحن على قميص ملطخ بدم كذبِ ولم تستبدل فروة الكبرياء وعندما سقطت اوراق التوت لم يتغير حال سوءة العراة وتبين الساحل الايمن من الايسر حينها هجرت الطيور سواحل الشمس ولما تدنى الغروب وازفت الازفة اصطدمت أسرابها بحائط المبكى المفتعل الطيور البيض تأنف التقاط سقِط متاع اللصوص والعزائم التي تشق قلب الليل آثرت اللقاء على سواحل الدم المهراق تنفست الحدباء فالسيل الصاعد من سواحل الشروق سيهزم الظلام ويهدم حائط المبكى المفتعل ستعيد الطيور ترتيب جغرافيا المحبة لم تعد الفقاعات احرفأ لتدون التاريخ تنفس النهار وقال انا سابق الليل …………………………… قصة قصيرة مال الله محفوظ داود سلمان كان مال الله فلاحاً من قريتنا لا أعرف سبباً لماذا حمل هذا الاسم معه منذ طفولته مثل وسم قديم فكما يقال ان الاسم لا ينفصل عن الشخص فهو مثل ملامحه والندوب التي على جبينه لا يمكن التفريق بينهما والقرية هذه هي طريق ترابي تحيطه أشجار من النخيل وتخفي تحتها جداول لا حصر لها وهناك مياسم او دروب تنحدر من هذا الطريق كي تتصل بقرى اخرى وحقول تمتد الى ما لا نهاية وفي منتصف هذا الطريق يظهر مسجد القرية بمنارته القديمة او بحوش صغير مفروش بالحصران التي تنسج من القصب وقد اعتاد مال الله ان يجلس كل مساء امام المسجد يجرد العابرين القادمين من المدينة او يجرد المصلين والذين يتخلفون عن الصلاة او يجتمع رفاقه من الفلاحين المكدودين بعد يوم من الحراثة في الحقول او تهذيب النخيل من كربها او سعفها اليابس او تطهير الجداول وكربها من الطمى او ما سمى (الخمام) وهي مواد تضفي على الأنهار ألواناً من الخضرة. هؤلاء الفلاحون يجتمعون مساءً ويروون محصلة عملهم اليومي ونزاعهم مع الأرض والطبيعة والتي كانت في زمن بعيد لا تنتج إلا إذا عادها الاله تموز وأجرى فيها أعضاء ذكورته او طحنها وذرذرها في هذه الأرض حتى تخصب وتنتج غلتها وقد يروون حكايات من الأمس البعيد عن نساء هجرن بيوتهن ورحلن مع السعالي او الغيلان في الصحراء خلف ابعاد هذه القرية، وقد يخطط هؤلاء الفلاحون لعمل جمعي مثل صيد السمك في نهر القرية الرئيس ويطلقون عليها اسم السكرة فحينما يسكرون يحملون اقفاصا من الخيزران تشبه في مظهرها التنور مفتوحة بشكل واسع من الأسفل تسمى الوهار ويقومون بواسطتها بمسح النهر من السمك واصطياده بعد غلق مجراه بالشباك وقد يدخلون في سجال عن أقدم نخلة يمكن أن تطرح اول باكورة من التمر وقد يدرسون الأسعار والمواسم والمتغيرات في الطقس أو المناخ وتأثير ذلك على التفاصيل اليومية، أو ما يسمى بالغموس، كل هذا كان يمر سريعا في ذاكرة مال الله وهو يفكر كيف سيجتاز هذا الموسم وحقله مزروع وغلته وفيرة ونفسه راضية وأمله كبير في المستقبل القريب. ومال الله كان فلاحاً يحفظ كل أنواع التمور او النخيل مثل البرحي ودكل حماد والساير والزهدي والبريم والخصاب والليلو، والجبجات الذي اعتاد ان يطبخه أو يجففه لموسم الشتاء وهو نوع ينضج في موسم الأمطار. كما يحفظ مال الله ويختزن في ذاكرته أوقات المد والجزر التي تدخل جداول قريته كل يوم وتسقي جذور نخيلها اليابسة وأشجارها الهرمة. كما يحفظ مال الله كل أسماء القناطر والمعابر المصنوعة من جذوع النخيل العتيقة مثل قنطرة كوت عميش او قنطرة كوت دويد أو المطيحة او الخورة وغيرها كما يعرف أسماء الشاخات وهي انهار اكبر حجما هذه الأنهار تتسلل مثل سلاسل من الماء او أفاع تتلوى في حقول قريته. ومال الله مثل باقي أصحابه مغرم باليوم الأول من العيد الكبير وهو عيد يفطرون صباحا باللحم حيث يجمع أهالي البلدة أكداسا من لحوم ضحاياهم من الضأن ويتوجون بها صحاف الرز في حوش الجامع الكبير وهناك يمكن لمال الله ان يحصل على ما يريد من لحم الضأن وبالذات ظهرها التي يفضلها بعظامها وعمودها الفقري، وفي موسم نضوج التمر عليه ان يهيء أقفاصا من جريد النخيل يملؤها بأنواع الرطب النادر يرسلها بواسطة عربة تجرها الخيل الى منازل مالكي الأرض وهم يعيشون بعيدا في المدينة.وتذكر مال الله انه يجب ان يزور سيده مالك الارض ويسمونه المعزّب، وكان لمال الله حقل صغير زرعه هذا العام وهو حقل الباميا والباميا حينما تزرع فهي قدر مكتوب لا يمكن الهروب منه واذا حاول شخص ما ان يتسامى على رفاقه بسبب ما كأن يكون قد حصل على ثروة او على ثوب جديد قيل له: عمت عينها للباميا..فهي تضرب كمثل للذين يخرجون عن الصف الطبقي او يتعالون عليه وكان البعض يطلق عليها طعام الفقراء أو طعام الملوك وكانت في مدينتنا هذه تباع بالعدد وليس بالوزن لأهميتها. وفي ذات صباح حمل مال الله محصول الباميا إلى سوق المدينة القريب وباعها بسعر جيد وعاد بسلة من خوص النخيل مملوءة بغموس ذلك اليوم، وقد اجتاز او توقف عند رجب الجزار الذي يبيع اللحم ورجب شخص زنجي أفريقي من بقايا ثورة الزنج كان يقطّع اللحم على جذع نخلة قديم ويغوي العابرين لشراء لحم الضأن وقد تقدم مال الله واشترى بمحصول الباميا قطعة من اللحم وقد ثقبها الجزار له بمخرز وربطها بخوصة من سعف النخيل وكان مال الله يمسكها بينما تتدلى قطعة اللحم من يديه وهو يمر في شارع القرية أمام الآخرين الجالسين على عتبات منازلهم وهم يثرثرون بان مال الله سيأكل هذا اليوم الباميا باللحم. ونظرا لان مال الله قد سأم هذه الرتابة في حياته اليومية وهو يتغذى بصحاف الباميا وتذكر ما يقوله بعض الناس عندما يسأمون من زوجاتهم او يعتادون عليهن، قائلين: باميا باميا كل يوم باميا روحنا طلعت من الباميا نزرعها ونبيعها ونتغذى عليها اما آن أوان التغيير والانقلاب على هذا الواقع. ولذلك قرر مال الله الذهاب الى المدينة في عربة يجرها حصان واحد وعلى وقع ايقاعها الرتيب حمل معه اقفاصا من التمر النادر الى صاحب الارض ومالكها وهو اقطاعي صغير يسكن في قصر بالقياس الى الاكواخ في قريتنا، بعد ان ارتدى ثيابا اعدها لمثل هذا اليوم ولمثل هذا اللقاء الذي سيكون بالتاكيد في ضيافة (معزبه) او سيده صاحب الارض وهو يأمل ان يكون مكرّماً وضيفا عزيزا عند المعزب وان تكون السُفرة مفعمة بما لذ وطاب من اللحم او الدجاج ومما يشــــــــرب او يكسّر او يقـــــــــــشر او يلهم مباشرة وكأنه على مائدة شهريار في الف ليلة وليلة .. ولم يطل انتظاره فقد استقبل مالك الارض فلاحه وأدخله غرفة الضيوف وتحدثا قليلا عن محصول هذه السنة ومستقبل أسعار التمور، والطواشات اللاتي يجمعن التمر من شقوق الحقل وسواقيه او استخراج النوى من التمر حتى حضر وقت الغداء وعندما طلب اليه مضيفه تناول الطعام فغر مال الله فاه متعجبا وقال في سرّه: باميا..باميا لاحكتني الى بيت معازيبي.. وهو يقصد ان الباميا وليست اللحمة تلاحقه حتى منزل سيدة صاحب الارض.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى