محمد محمود غدية - مصائر الأقدار

خمسيني أبيض الشعر، أنيق الملبس، يرتدي نظارة طبية سوداء، تليق بوجهه البيضاوي، يتأبط الجريدة التى يواظب على شرائها كل يوم، لا تفارقه إبتسامته الهادئة للحسناء التى تطل من شرفة الدور الثالث، فى البناية القديمة أول الحارة، بعد أن رتبت موعد عودته كل يوم، ماأن يراها حتى تتسع إبتسامته، تبادله الإبتسام ثم تغلق النافذة، لتصله رسالتها أنها لا تفتح النافذة إلا له، وتغلقها بعد مروره،
أرمل لديه إبنة متزوجة، ترعى شئونه بين الحين والآخر، الحسناء ترى فيه زوج المستقبل، تشجعها إبتسامته التى تتسع كلما رآها، مطلقة بعد زواج عصفت به ريح عاتية، تجمعت فى أفقه سحب سوداء، بعد تدخل أم الزوج فى تفاصيل التفاصيل، وأشارت لإبنها بطلاقها وطلقت، تقاربه فى السن
أو أقل قليلا، لديها إبنة فى حضانة والدها، توقفت عند الثانوية العامة، تفرقت بهم السبل والحياة، إستطاعت إبنته الحصول على رقم هاتفها، من صديقة لها فى نفس البناية،
حدثها وطلب مقابلتها، أثناء إحتساءهما، القهوة فى إحدى الكافيهات، إكتشفا أن كل منهما، عرف الآخر قبل أن يلتقيا، رحبت بطلبه الزواج منها، تعددت اللقاءات،
وهبته فيض من السعادة لقلبه الممتن، الذى يعيش وحشة الوحدة،
فى كل لقاء يصطبغ خداها بحمرة قانية، كلون الشفق عند الفجر،
وكأنه حبها الأول، فى قلب كل منهما تفجر ينبوع حياة
لا ينضب،
تعلمنا فى علوم الحساب، أن الساعة تساوي ستون دقيقة، لكنها بقرب الحبيب، تساوى العمر كله، تنتظرهما ليال دافئة، موشاة بعبق الورد، لطمتهما الأقدار لطمة قوية، مثل نسر مفترس يحط مختطفا مصائرنا وقتما يريد، إستشاط غضبا والد الطفلة، حين علم أن مطلقته ستتزوج، راقت فى عينيه بعد أن لفظها، مقررا إستعادتها، بعد أن ترك مهمة إعادتها لإبنته التى توسلت لأمها بالدموع، أن تعود من أجلها، خاصة وقد توفت الحماة منذ العام، والتى كانت سببا فى الطلاق، الأم ضعفت أمام دموع الإبنة المحتاجة لأحضانها، التضحية الأكبر كانت فى وأد حبها وزوج إنتظرته سنوات وسنوات، إستسلمت وعادت، وبقيت قهقهات القدر، فى عودة المطلقة لزوجها، والخمسيني لغربته، يشربا الوجع فى مصائر الأقدار المدهشة مع القهوة المرة كل صباح .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى