طلعت قديح - في ظلال الشِّعر

أرى أن الشاعر الحقيقي يجب أن يكون "عالَما" لوحده، وفي ذلك معنى أعمق من مجرد تعريف الشعر أو الشاعر، فعلى مر العصور نال الشعراء الحقيقيون التقاطة البرزخ الحقيقي في حيواتهم، فبمجرد أن يصبح الشاعر تبعا لـ"عالَمه"؛ يسقط في قصعة الشعراء المتنرسين المهنيين، بالمعنيين اللغوي والإصطلاحي.
إن الشعراء كالأطباء تماما، فأولئك يعلمون قائمة الأدوية العلاجية لكل الأمراض، لكن الحقيقة لا تكمن في الدواء المعالج بل في التشخيص الصحيح للحالة، لذا فالشاعر الحقيقي أو لنقل "الشاعر" هو ذاك الذي يلمس قماشة الشعور في تلافيفه، فيحدث انتعاشة نفسية للمتلقي، فإما أن يفوح بذكر (آه) استحسانا للقول، أو تسقط عَبرو، تمثل اختراقا واحتراقا للشعر في روح المتلقي.
والوحي الشعري يختلف من شاعر لآخر، فشاعر تكون السلاسة والبساطة في تكوين لغته؛ الطريق للنفس والتأثير على التفكير واجتذاب الذائقة، اتجاها إلى إيقاع الصورة أو اللوحة الفنية للقصيدة، وآخر يتسلح باللغة ومفردات مختارة وصور تؤثث بناء من الرونق الخاص الذي يكوّنه الشاعر.
وبين هذا وذاك لا يخفى أن الشعر يحتاج إلى مستمع ومتلق نخبوي بالمعنى الحقيقي، ففي تمكن المتلقي من فهم وإدراك المعنى انتصارا للرسالة الإنسانية أولا، والإبداعية ثانيا في تكوين ملمح خاص للانتاج البشري في حقل الشعر ورديفه الشعور.
وفي مهب هذا الشكل والمعنى؛ أعتقد أن المخترق الحقيقي في معرفة القصد النوعي للبوح هو الشاعر نفسه.


21-3-2024
غزة المحتلة
طلعت قديح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى