د. أحمد الحطاب - Made in Morocco أو صُنِعَ في المغرب

بالفرنسية fabriqué au Maroc ou produit au Maroc صُنِعَ في المغرب أو تم إنتاجُه بالمغرب. حينما أقول صُنِعَ في المغرب، فهناك طريقتان للصُّنع. إما أن يتم الصُّنعُ برأسمال مغربي ويد عاملة مغربية وأسلوب صُنع مغربي، وإما أن يتمَّ الصُّنعُ عن طريق استثمارٍ أجنبي ويدٍ عاملةٍ مغربية وأسلوب صُنعٍ أجنبي كما هو الشأن لصناعة السيارات والطيران. وفي غالب الأحيان، الصناعة المغربية تعتمد على الاستثمارات الأجنبية. بمعنى أنه، إذا وفَّر المغرب اليد العاملة من مهندسين وتقنيين وعمال متخصصين وغير متخصصين، فالاستثمار الأجنبي يوفِّر تكنولوجيات الإنتاج.

ما لا يجب إغفالُه هو أنه وراء مسألة "صُنِعَ في المغرب"، سواءً بطريقة مباشرة أو عن طريق الاستثمار، جرعةٌ معيَّنةٌ من المواطنة وحب الوطن وتمشيا مع المثل الذي يقول : "ما حكَّ جلدَك مثل ظُفرك". فعلا، المواطنة وحب الوطن يقتضيان أن يُنتجَ المغاربةُ بأنفسهم ما هم في حاجة إليه للاستهلاك الداخلي أو للاكتفاء الذاتي autosuffisance وذلك للاستغناء عن الاستيراد أو التوريد importation وصرف العُملة الصعبة.

وعلى ذكر الاستيراد، إن مسألةَ "صُنِعَ في المغرب" لا تعني أن المغربَ يصنع كل ما هو في حاجة إليه، علما أنه لا يوجد بلدٌ في العالم يُنتِج كل ما هو في حاجة إليه. فكثيرٌ من البلدان المصنَّعة تحتاج، على الأقل، إلى المواد الأولية matières premières لصُنع كثيرٍ من الأشياء. بل إن كثيرا من هذه البلدان تلجأ للمناولة من الباطن sous-traitance لصُنعِ ما هي في حاجة إليه من المنتجات المصنعة الاستهلاكية أو التي هي موجَّهة للإنتاج الصناعي الوطني. وهذا هو ما يحدث حينما تُرَحِّل كثيرٌ من البلدان المصنَّعة خدماتها أو صناعاتها إلى الصين الشعبية نظرا لضعف كُلفة الإنتاج، وبالأخص، لضعف كلفة اليد العاملة.

ولهذا، فمهما تطوَّرت البلدان ومهما تصنَّعت، تبقى دائما في حاجة إلى استيراد منتجات الاستهلاك اليومي أو المواد الأولية أو إلى استيراد مُنتجات مصنَّعة produits manufacturés، أي جاهزة للاستعمال.

فكل مجهود يبذله المغربُ من أجل التصنيع المحلِّي، فهو مجهود محمود ومرغوبٌ فيه. لكنه يبقى مجهودٌ غير كافي لأن المغرب ليس بلدا مصنَّعا، وبالتالي، يبقى رهينا بالاستيراد. و وراء الاستيراد، هناك ما يُسمى الميزان التِّجاري la balance commerciale الذي يٌكافئ بين ما تستورِده البلاد وما تصدِّره من مُنتجات.

والميزان التجاري العادي هو الذي يكون فيه الاستيراد مُتكافئا مع التَّصدير من حيث صرف العملة الصعبة. أما الميزان التِّجاري المفيد للاقتصاد الوطني، فهو الذي يكون فيه حجمُ الصادرات، من حيث صرف العُملة الصعبة، أكبر من حجم الواردات. وهو ما يترتَّب عنه فائضٌ surplus في هذه العملة.

بالنسبة للمغرب، ميزاننا التِّجاري يعاني من عجز déficit منذ عشرات السنين. بمعني أن ما تُصدِّره بلادُنا، من حيث قيمته بالعمالة الصعبة، لا يُغطِّي ما تستورِده من مُنتجات استهلاكية وصناعية. وقد يصل هذا العجز إلى 50% من القيمة المالية للتوريد، أي أن الصادرات المغربية لا تغطي إلا 50% مما يستورده المغرب. وهذا يعني كذلك أن إنتاجَنا المحلي ضعيف بالمقارنة مع ما تحتاجه البلادُ من منتجات استهلاكية وصناعية، وذلك رغم ما أصبحت توليه السياسات العمومية من أهمِّيةِ ل"صُنِعَ في المغرب".

والغريب في الأمر أن كثيرا من الواردات كان بالإمكان الاستغناء عنها لو كانت أحزابُنا السياسية، التي تعاقبت على تدبير الشأن العام، تتوفَّر ولو على نبرة من المواطنة والغيرة على الوطن وعلى مصالحه العليا. فهل يُعقل أن بلادَنا لا تزال، منذ فجر الاستقلال، تستورد القمحَ، وبصفة عامة، الحبوبَ، علما أن المغربَ كان، في الماضي، من أكبر المُصدِّرين لهذه الحبوب؟ ولو كان لأحزابِنا السياسية شيءٌ من بُعد النظر والاستشراف، فهل سنستمرُّ إلى يومنا هذا في استيراد السكر الخام الذي يُعدُّ، بالنسبة للمغاربة، من أساسيات الحياة اليومية؟

فما هو، إذن، دور "مخطَّط المغرب الأخضر plan .Maroc vert فكيف لبلادٍ يُقال عنها أنها بلدٌ فلاحي، بامتياز، لا تستطيع أحزابها السياسية التي تعاقبت على تدبير الشأن العام، منذ الاستقلال ومن خلال ما سطَّرته من سياسات عمومية، أن تُوفِّرَ للمواطنين ما هو أساسي في تغذيتهم اليومية؟

فلماذا أحزابُنا السياسية التي شكَّلت، منذ الستينيات، الأغلبيات البرلمانية، لم تُقٍمِ الدنيا ولم تُقعدها من أجل مناقشة مثل هذه القضايا الوطنية وإيجاد حلول لها؟

ثم لماذا قبلت هذه الأغلبيات البرلمانية أكثر من خمسين اتفاقية للتبادل الحر، علما أن بلادَنا لم تَجنِ منها، إلا نادرا، أية منفعة اقتصادية؟

لماذا قبلت هذه الأغلبيات مخطَّطَ المغرب الأخضر الذي كان يخدم مصألحَ الضيعات الكبرى التي توجِّه كل منتجاتها للتصدير والتي كان استهلاكُها من الماء وبالا على حقينة السدود؟

لو أعطت أحزابُنا السياسية التي شكَّلت الأغلبيات البرلمانية منذ الستينيات أهمية كبرى ل"صُنِعَ في المغرب"، لكان اقتصادُ البلادُ اليوم في أحسن حال ولاستغنت عن العديد من المنتجات التي تفرضها علينا اتفاقيات التبادل الحر.

إن المتتبِّع للشأن السياسي في بلادنا يطرح على نفسِه سؤالا محيِّرا الذي هو : "ما هو دورُ الأحزاب السياسية التي شكَّلت، منذ الستينيات، الأغلبيات البرلمانية والحكومات؟" هل وجودُها في هذه البرلمانات والحكومات يخدم الصالحَ العامِّ أم يخدم مصالح اللوبيات المالية والاقتصادية؟

إن سيادةَ البلدان souveraineté des pays لا تكمن فقط في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية بكل حرية واستقلال. بل السيادة الحقيقية la vraie souveraineté تكمن في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي autosuffisance في مجال التغذية أو ما يُسمَّى "الأمن الغذائي" sécurité alimentaire.

إلى حد الآن، وجودُ الأحزاب السياسية في البرلمانات والحكومات لم يساهم، ولو بقيد أُنمُلة، في تحسين ظروف عيش المواطنين. كل ما يحدث من تحسين في هذه الظروف، ناتجٌ، في غالب الأحيان، عن المبادرات الملكية!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى