رسائل الأدباء : رسالة من زكي مبارك إلى احمد حسن الزيات

04 - 12 - 1939

أخي الأستاذ الزيات

يجب أن تصدق ما أقصه عليك:

هل تعرف أن مؤلفاتي ستضيع أصدقائي؟

هو، والله، ذلك: فكل صديق ينتظر أن أهدي إليه مؤلفاتي، فإن لم أفعل فأنا عنده من أهل العقوق!

وهل يصدق قراؤك ما أقص عليهم؟

ليسمعوا، إن شاءوا:

إن صداقتي لمجلة الرسالة لا تخفي على أحد، وقد بذلت في خدمتها ما أطيق، وجهد المقل قليل، ومع ذلك رفضت أن ترسل ألي هديةً، فأنا أشتريها من السوق كما يصنع سائر القراء، وكذلك حالي مع جميع الجرائد والمجلات، إلا ما يتفضل به كرام الصحفيين في مصر ولبنان والحجاز وسورية والعراق

وكانت حجتي يوم رفضت هديتك أني حين أشتري الرسالة أحس أني أقول: (صباح الخير، يا صديقي الزيات) وقد أشترى العدد الواحد مرتين أو ثلاثة مرات ليشعر الباعة الذين يعرضونها عليّ بأن الأدب شيء مقبول، وله أنصار أوفياء. هذا، وقد كان من عادتي أن أهدي مؤلفاتي إلى محرري الجرائد والمجلات ليؤدوا واجب النقد الأدبي في التنويه بالمؤلفات الحديثة، ولكني لاحظت أنهم يفرطون في هذا الواجب بحجة أني أقدم إليهم عدة كتب في العام الواحد وهم لا يستطيعون أن يتحدثوا عني في كل عام عدة مرات!

أفلا يكون من الذوق أن أعفى أولئك الأصدقاء من هذا الواجب؟!

قد أعفيتهم، فهل يعفونني من العتاب حين أبخل عليهم بمؤلفاتي وأنا أنفق عليها من رزقي وأرزاق أطفالي؟

وفي ختام هذه الكلمة أراني مضطراً إلى التنويه بفضل الأستاذ خليل بك ثابت فقد كان دائماً مثال الرجل الحريص على الواجب. أما الأستاذ حافظ محمود فقد حفظ لمؤلفاتي مكاناً في السياسة الأسبوعية، وأما الأستاذ المازني فهو من المعتوب عليهم. وهذا آخر العهد بإهداء مؤلفاتي إلى أصدقائي، ولا أستثني الأستاذ الزيات ولا الدكتور طه حسين ولا الأستاذ أحمد أمين!!

زكي مبارك

تعليقات

جواب

عند الأستاذ صاحب الرسالة أخبار وأخبار عن المفتونين والمفتونات بمقالاتي ومؤلفاتي، وهو يتجاهل تلك الأخبار كما أتجاهل، ولكن من العقوق أن أتجاهل الخطاب الوارد من (ليلى من الليالي) على وزن (كاتب من الكتاب) كما تقول تلك الغيداء. ويظهر أن الدنيا بدأت تبتسم للروح الحزين الذي قضى دهره في نضال وصيال

وعطفُ قرائي عليّ هو تلك الابتسامة التي أستعين بها على دفع ظلمات الخطوب، وما خلا دهري من خطوب منذ اليوم الذي تقدمت فيه لرفع راية النقد الأدبي، وعند الله والحق جزائي.

وفي خطاب (ليلى من الليالي) أمرٌ كريم بأن يظل خطابها سرّاً مصوناً، وسيظل كذلك إلى أن ترفع الحجاب وتعترف بأن الأدب كالحب يجوز فيه الافتضاح نفسي فداء الأنامل اللطاف التي كتبت ثلاث صحائف لتعلن فتنتها بأسلوبي!

وسألني ذلك الروح عن قدوم ليلى المريضة في العراق مع وفد المؤتمر الطبي العربي، وأقول إني انتظرت ليلى في محطة باب الحديد إلى منتصف الساعة الثانية بعد نصف الليل مع الأستاذ عبده حسن الزيات ولم تحضر كما وعدني الدكتور عبد المجيد القصاب، ومن أجل ذلك قضيت أيام العيد وأنا حزين

أما بعد فقد وجب عليّ أن أعلن ثنائي، وأن أقول بعبارة صريحة إن عطفهم عليّ هو أثمن ما ظفرت به في حياتي، ولولا الخوف من حسد الزملاء لقدمت الأسماء الكريمة التي أعلنت رغبتها السامية في أن تنصفني من زماني، وهل يقبل الزيات ذلك وهو يخاف عليّ فتنة الغرور بثقة القراء؟

حَسْبُ الزيات أن يلهو بقراءة ما يصل إليه من أقوال المفتونين بأسلوبي، وأن يحفظها لأطلع عليها حين أشاء، وأن ينشر منها ما يريد، ولكن متى يريد؟

إن لم يصنع فسأنوب عنه وأقول إني كاتب محبوب، والله يختص بكرمه من يشاء

زكي مبارك

05 - 02 - 1940
 
أعلى