بلال الصرايرة - عيدٌ يتيم.. قصة قصيرة

المساءُ يتعمّدُ أنْ يتلكأَ معي ويعاندني بلحظاته الأخيرة، الدقائقُ وكأنّها جبالٌ تتوالى لتجثمَ على صدري، عبثاً أحاولُ أنْ أبدّدَ الوقتَ وأُنفقَ ما ادّخرته من صبر السنين، حتى بدت تلوحُ على النافذةِ بشائرُ اليوم الموعود.
أبتسمُ لأنني على موعدٍ معه، فبعضُ الأحزان لا تأتي إلا بهيئة ابتسامة، ألقي نظرةً سريعة إلى مشوارِ العمرِ المقذوف خلفي، ها هي تسع سنوات اقتصّها الوجع من عمري وما زلت إلى الآن أسمع صدى صوته يئنُّ في حجرات قلبي.
ألملمُ أوجاعي وأخفيها ببدلةٍ أنيقة، أعطّرها جيّداً قبل أن تنهالَ عليّ قبلات العيد والمباركات، أذهبُ باكراً للصلاة، كانت التكبيرات السبع تصرخ "الله أكبر ولله الحمد" تقضُّ مضاجع الأحزان، ينسابُ صوتها راحةً في روحي.
الناس يتبادلون التهنئات في كل مكان، أقايضهم البهجة فأتعلّمُ أنّ كل شيء فيك قد يبكي بينما ترسم شفتاكَ ابتسامةً تسخر منك، أغبطُ الأطفالَ حيثُ تضجُّ الطرقات بسعادتهم، فليتَ هذه الأرض لم تدور، وأنَّ هذه الشمس لن تشيخ، فأعود طفلاً أعبث بالفرح كما أشاء.
امتطي سيارتي على عَجَل، أسير بسرعة جنون العمر لأسابق عقارب الساعة قبل أن يداهمني الوقت، أجسُّ الطريق بنظراتي فأراه في كل شيء أمامي، ما زلتُ أحمل معي أوزار أمنيات قوّست كاهلي ولم يأنِ لها أن تتحقق بعد، أتحاشى قبح أفكاري وأتابع المسير.
تعوّدت دائماً أنْ أهربَ من نفسي إليه، أنْ أقذفَ خلفي ترف الدنيا وزيفها لأرتمي بين يديه، اقترب منه بخطواتٍ تنتعلُ الحنين، يتمتمُ قلبي بنبضٍ حزين، أمسحُ بيدي بقايا غبارٍ عالقة بحروف اسمه، أرفعُ كفيّ وأقرأ الفاتحة، أدنو منه أكثر وأهمسُ "أبي كل عام وعيدكَ الجنة".

بلال الصرايرة - قاص من الأردن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى