أمل الكردفاني - يوم متمرد جداً.. قصة قصيرة

سأحكي لكم اليوم عن قصتي ، أنا جورجينا الفتاة ذات الثلاثة وثلاثين عاما ؛ غير متزوجة ، اقطن في غرفة صغيرة مستأجرة بحمام مشترك في حي فقير...، قصتي بدأت الساعة الخامسة صباحا ، عندما فتحت عيني من نوم مليء بالكوابيس المزعجة ، حقيقة كانت كوابيس مزعجة ، وبما انني لا اؤمن بتفسير الاحلام لذلك اعتقدت ان هذه الكوابيس ناتجة عن شجار مسائي ليلة البارحة على الفيس بوك مع شخص شديد الخبث واللؤم ، استدرجني بتعليقات استفزازية في احدى المجموعات وتبادلنا الشتائم ؛ ثم اغلقت هاتفي وتناولت قرص البروزاك اليومي ثم نمت وانا متوترة جدا ، استيقظت في الخامسة صباحا بعينين متورمتين وارهاق جسدي شديد وكان علي ان اتحول الى روبوت فأتجاهل كل هذا الألم لكي اتمكن من الذهاب الى العمل ، وكعادتي فتحت هاتفي حتى قبل ان اغسل وجهي وأطللت عليه ، وهنا تلقيت رسالة من الفيس بوك تعلن قفل حسابي لتجاوزي في الليلة السابقة شروط الاستخدام ، حقيقة كان ذلك صدمة كبيرة لي ، فهناك اصدقاء يخففون على وطأة البقاء في المكتب لساعات شديدة الروتينية والملل ، وهناك قروبات لتعليم الطبخ وقروبات لبيع الاكسسوارات النسائية المتفردة ، وكان هناك صديقي الفيسبوكي اللطيف تيسفاي ذو الاصول الاثيوبية ، والذي كان يضحكني دائما .. وضعت الهاتف جانبا ونهضت والغضب يملؤني ، فاصطدمت بالطاولة بعنف حتى سقط كوب الماء الذي اضع فيه قطعة ليمونة ليمنع اي تسمم في الماء ، انساب الماء على الارض ، نظرت اليه ولعنت كل شيء في سري ، وازداد غضبي من هذا الصباح الكئيب... هل علي ان امتنع عن الذهاب الى العمل اليوم؟ ذهبت الى المطبخ واشعلت البوتوجاز ، وضعت القهوة على الاناء مع بعض الماء والسكر ، ان غلق صفحتي في الفيس كارثة حقيقية ، حسابي ليس جديدا لكي يتم غلقه بكل هذه البساطة حسابي له اكثر من عشر سنوات ، فارت القهوة فصببتها على الفنجان وتذوقتها ثم تفلت ما تذوقته ؛ لقد وضعت الملح بدلا عن السكر . ثلاثة وثلاثون عاما من اللا شيء ... لا انجاز ... لم اكمل تعليمي في المدرسة لأنني كنت احتاج للعمل ، عملت في اكثر من وظيفة وواجهت شتى الصعوبات والمضايقات في العمل والأجر المتدني فقط لأنني أنثى . يقولون ان امريكا هي الحلم ، وانا اقول انها الكابوس ، يقولون انها بلد الحرية ولكني اقول انها بلد العنصرية واضطهاد المرأة على اوسع نطاق ، المجتمع نفسه عنصري هذا اذا كان هناك مجتمع أساسا ، تبا ، وها هو الفيس يمارس تنمره علي ويحرمني من تسليتي الوحيدة ، كنت لا ازال احمل فنجان القهوة فوضعته وحانت مني التفاتة الى ذلك المعدن الحاد ، تلك السكينة المصقولة بالليزر ، كانت جميلة جدا ولا اعرف لماذا احببتها فجأة ، احببتها حقاً وكأنها عشيق قديم ... لذلك اخذتها واحتضنتها قليلا ثم وضعتها في حقيبتي وقررت الخروج . ارتديت تنورة قصيرة زرقاء لأن الشركة التي اعمل بها تمنع ارتداء بنطلون الجينز ، رغم ان الجينز مريح اكثر في العمل ، لكننا كموظفين لا نستطيع ان نناقش سياسات صاحب العمل مهما كانت غير منطقية ، اغلقت باب غرفتي واتجهت الى الحمام فوجدت جاري الخمسيني يقف منتظرا دوره ، نظر نحوي شذرا ، ثم ادار رأسه الى الناحية الأخرى ، لم الق اليه السلام ولم يفعل هو كذلك ،كنا بالفعل عدوين صامتين ، انفتح باب الحمام وخرجت السيدة كاتي العجوز ، حيتني ومضت ، نظرت الى الخمسيني الوقح لكنه لم يكترث واراد الدخول الى الحمام قبلي ، حينها لم اتمالك نفسي واخرجت السكين بسرعة وغرستها في ظهره... صرخ صرخة مكتومة ثم تكوم على الأرض ، ازحت رأسه بحذائي حتى اتمكن من الدخول الى الحمام. وبعد ان قضيت غرضي خرجت ولم اهتم بحثة الخمسيني بل اسرعت لألحق بالباص . كنت واقفة ممسكة بعلاقة الايدي في منتصف الباص ، كان الباص يترنح قليلا واترنح معه ، نعسانة جدا ومرهقة ، وحين توفر لي مقعد القيت بجثتي عليه بكل ثقلي ، كانت فتاة عشرينية او ربما لم تبلغ العشرين تجلس قربي ، كانت سوداء ترتدي شورتا قصيرا ، واظافر يديها الصناعية الطويلة والحادة مطلية بألوان مشرقة... ورائحة عطرها النفاذ اخترقت خياشيمي ، رائحته جميلة ولكنها لم تكن تتفق ومزاجي هذا الصباح الكئيب ، فجأة ندت آهة من فم الفتاة واشارت برعب الى يدي وهي تهمس: دم ... القيت نظرة على يدي فوجدتها ملطخة بالدماء ، نظرت الفتاة الى وجهي برعب ، واتسعت عيناي من الغيظ ، وبدون تردد اخرجت سكينتي واغمدتها حتى النصل في قلبها الطري.... شهقت الفتاة ثم انكفأت على مسند المقعد الذي امامها ولم يشعر احد بشيء ... وصلت الى العمل ، العمل المقيت ، العمل الذي لا يحبني فيه احد من الزملاء ، انهم في الواقع لا يحبون حتى انفسهم ، اتجهت من فوري الى الحمام فغسلت السكين ويدي ، وكم قميصي من بقايا الدماء ، وعدت الى مكتبي ، جاءتني الفتاة الشقراء ذات الثمانية عشر عاما والتي تعمل سكرتيرة المدير وتقدم له خدمات أخرى ، انحنت بشفتين حلوتين على اذني وهمست: المدير يريدك. حملت حقيبتي واتجهت الى مكتب المدير ، لم يلتقي بي المدير في مكتبه منذ ثلاثة اشهر ، هو غالبا لا يحضر بانتظام ، فهو ابن صاحب الشركة ، طرقت الباب ثم فتحته ودخلت ، كان النعاس يقتلني والارهاق يرعش اوصالي ، قلبي كان يخفق بشدة ، حتى انني لم اسمع المدير حين ناداني بإسمي ، ثم كرر كلامه: جورجينا؟ حينها انتبهت له فقال: تعرفين ان الشركة تمر بصعوبات جمة هذه الاشهر بل منذ الأزمة الاقتصادية ، لقد انهار سوق العقارات ...لم اسمع ما تبقى من كلامه بل قاطعته قائلة: هل تقيلني من العمل؟ لوى شفتيه بحزن مصطنع وأومأ برأسه ايجاباً ، نهضت من مقعدي وشعرت به مندهشا حينما رآني ادور حول مكتبه واتجه اليه ، ابتسم قائلا: هذا لن ينفع انني لا ارغب في الجنس الآن وفي كل الأحوال فقرار رفدك نهائي. قلت له وأنا اخرج سكينتي الحبيبة ؛ ومن قال انني ارغب في الاحتفاظ بالوظيفة ، اتسعت عيناه برعب وهو يرى السكينة وهي تنفذ من رقبته الى الجهة المقابلة ... امسك حلقه محاولا التنفس فسالت الدماء الغزيرة وغطت يديه وقميصه وربطة عنقه ثم سقط من كرسيه الوثير على الأرض وهو يرتعش... لم اكمل المشهد بل وضعت سكينتي في حقيبتي وخرجت من مكتبه ، ثم من الشركة ، كان الشارع لامعا من بقايا أمطار ليلة الأمس ، قررت التجول لمشاهدة الملابس المعروضة في المحلات ، كنت في الحقيقة ابحث عن طقم بني بالكامل ، بلوزة بنية ، تنورة بنية ، حذاء بكعب عالي بني ، وعقدا بنيا بخرزات بيضاء . كانت المحلات قد شرعت في فتح ابوابها ، رأيت على الفترينة في احدى المحلات فستانا قرمزيا رائعا ، كان قصيرا بعلاقة اكتاف عارية ، انه يصلح لسهرة رومانسية ، رغم انه ليس لي سوى صديق فيسبوكي حميم لم التقيه على أرض الواقع ، لكنني قررت شراء الفستان بما تبقى لي من مال ، دلفت الى المحل ، وسمعت حوارا بلغة غريبة بين صاحب المحل وصبي في الخامسة عشر من عمره تقريبا ، أدركت من سحنتهم انهم عرب ، خرج الصبي من المحل واستقبلني العربي بوجه متجهم ، سألته عن سعر الفستان ، فرفع انفه عاليا وقال بكل وقاحة: انه غال يا سيدتي ؛ طار النعاس من عيني تماما ، اختفى الارهاق من عظام جسدي ، ووجدت نفسي اخرج السكين وانهال بها على صدر العربي الوقح ، طعنة طعنتان ثلاث طعنات اربع خمس ست سبع حتى بعد ان سقط على الارض واصلت الطعن الى ان تجاوزت غضبي ، فنهضت من فوق الجثة وأنا ألهث ، مسحت السكين برداء القتيل الصوفي ، ثم وضعتها في حقيبتي ، وخرجت من المحل ، خرجت بنشاط وبخطوات سريعة ، انعطفت الى شارع رئيسي ، ورأيت ازدحاما على الشارع ، فتيات مراهقات واولاد مراهقين ، قادني الفضول الى المتجمهرين ، وهناك سألت احدى الفتيات محاولة ايصال صوتي لمسامعها جراء الصراخ : ماذا يحدث؟ قالت الفتاة وهي تضحك بهستيرية انه مارك ، مارك زوكربيرج بنفسه. قلت لها: أين هو؟ صاحت : هناك انه ينزل من سيارته الرياضية . بالفعل كان مارك يرتدي شورتا كاكياً قصيرا وتي شيرت متواضع ، حيا الجمع المحتشد بابتسامة واسعة ، حينها تقدمت نحوه ببطء كنت احاول الا الفت الانتباه بقدر الامكان لذلك جعلت خط سيري يبدو وكأنني لا اتجه نحوه ، ثم اخرجت سكينتي بسرعة وانقضضت عليه ، طوحت بالسكينة في الفضاء وانهلت بها على صدره بعنف لكنه حمى صدره بكفه فاخترقت السكينة ساعده ؛ وقبل ان اكرر المحاولة انقض علي حارسان اسودان وطرحاني ارضا على بطني وكبلاني من الخلف ... كنت اصيح بهستيرية: لماذا اغلقت صفحتي ايها الدكتاتور الحقير ، لماذا لم تمنحني محاكمة عادلة ايها المتنمر ، كان مارك مذهولا ومرعوبا فأجلسه الحراس على السيارة واغلقوا الباب عليه ثم انطلقت السيارة به بعيدا ... وجدت نفسي في السجن ، متهمة بعدة جرائم قتل من الدرجة الأولى وجريمة شروع في القتل .. ها أنا احكي لكم قصتي وانا من خلف القضبان ؛ لكي اخبركم كم انا سعيدة بذلك اليوم الذي لن انساه ولم ينغص علي سعادتي سوى فشلي في قتل مارك ، لكنني في كل الأحوال اشعر بأن الثلاثة والثلاثين عاما التي انقضت من حياتي لم تذهب هباء .... لقد قتلت ... نعم قتلت .. وهذا ليس بالشيء الهين... فكم شخصا منكم قام بقتل اعدائه منتقما من قبل.. كم منكم فعلها ايها الحمقى.


جورجينا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى