رسائل الأدباء : رسالتان بين عزيز بك أباضة و عبد الرحمن صدقي

02 - 04 - 1945

عزيزي الأستاذ عبد الرحمن:

تتبعتُ قصائدك التي تنشر في الرسالة والثقافة. وما أظنها قصائد بالمعنى المفهوم، ولكنها دموع العين والقلب معاً تقطر في أصدق تعبير واشرفه - ولكنها الحشاشة الذائبة والنفس المنصهرة تترقق في أنصع الشعر وأسماه.

وما من شك أن هذه اللوعة التي تحترق بها أنت، قد اهتز لها في آفاقه الشعر الباكي، وابتهج بها في محيطه الأدب الحزين. فلقد أضفت إلى صحفها التي طهرتها الآلام صحفاً أخرى تضيء بأنبل الألم وفي الألم لذة مشرقة تستشعرها النفس وهي تكتوي بناره، وتراح لها الروح وهي تتنزى فوق أواره.

أما أنا، فلي شأنٌ مع دموعك، شأن غير شأن الناس. فلقد رثيت لها أكثر مما رثى الناس. ذلك أنني فهمتها أكثر مما فهمها الناس. ثم إذا دموعك أو قصائدك قد امتزجت بأحناء تفسك وأعراقها حتى لأَوشك أن يتسرب بعضها في بعض.

ثم زدتُ فأوشكتُ أن أدعّي لنفسي منها هذه المقطوعة الدامية أو ذلك البيت الأّيم. . . ولِمَ لا أفعل، إذا كنت أجد فيها صدى نفسي، وأسمع فيها همسها وزفيرها، وأستاف منها رائحة الكبد المحترقة.

هل تظنني قائلا لك: (تماسك واصبر)؟

لن أفعل ذلك فأسيء إلى وفائك وحبّك ولن أفعل ذلك فأحرم الأدب من نفحاتك ولفحاتك

كان الله لك، ورضي الله عنها وعنك

أسيوط

المخلص

عزيز اباظة



***

09 - 04 - 1945

سيدي الأستاذ الكبير عزيز بك أباظه.

لا أكتب إليك للشكر على التعزية أو على التقدير. فأننا نحيا - إن سميت هذه حياة - في جو واحد، وننطوي على فجيعة واحدة. وهذه المشاركة تغني بيننا عن كل عبارة.

وما يزال لدي الكثير من الأشعار. ولعل صفحات الرسالة والثقافة تتسع لنشرها. وهذه القصائد ما نشر منها وما لم ينشر نظمت جميعها تقريباً في شهر فبراير على أثر الوفاة. فهي الحصاد المشئوم لشهر وبعض شهر. وإني لا أدري كيف نظمت، وكيف كان النظم على هذه السرعة وأنا لست من أهلها. ولكن الذي أدريه أنني ليس لي فيها شيء، وأنها (هي) صاحبتها. (فهي) التي حفزتني منذ حين إلى التوفر على إخراج ما أخرجت من كتب؛ و (هي) الآن التي تملي علي ما أنظم من قصيد بعد أن انقطعت عن قوله سنوات وسنوات. ولقد كنت ماضيا على هذا الانقطاع على الرغم من حث كرام الأصدقاء والزملاء لي على مراجعته. وأخيراً. . . أخيراً يكتب لي أن أعود إليه، وأن يكون العود غير أحمد.

أيا مُذْكري يوماً بأني شاعرُ ... إليك التي فاضت بهنّ المشاعرُ

مَراثٍ. ومَن أرثي؟ شريكة عيشتي ... ودَرسْي، طوتها في التراب المقابر

ولو كنتَ تدري ما ازدهيتَ قريحتي ... فلا الشعرَ مذكورٌ ولا أنت ذاكر ويا ربِّ، لا كانت إلى الشعر رجعة ... فأني - ولو كان الخلودَ - لخاسر

كان الله في عونك وعوني.

عبد الرحمن صدفي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى