تساقطت الأشعة الأولى فوق تقوس القارب الراقد بين القطع الصخرية اللزجة. جلبابه الأزرق الثقيل تتماوج فوقه التيارات الصباحية. مرتعشة كانت. الهواء البارد يخضب مقدمة أنفه وأذنيه بلون أرجواني مشقق.
تهاوت الرمال الناعمة الندية تحت ضغط قدميه الحافيتين وأصابعه وعصاه الغليظة برأسها الكوبراني. أحس بقلبه يخفق بشدة.. سقطت قدمه فوق ظل عتاقة الأبدي. نظر خلفه، استوحش مدخل البيت، أدراجه الخشبية المتوارية في العتمة الصباحية. فكر أن يعود - الرمال قوية.مدد يسراه على فخذه، تحسس ألمه، اتكأ على عصاه. تابع قرص الشمس، الشباك الوردية متناثرة متراخية في البحر، خلال زرقة السماء، نتف دائرية، فضية براقة، مؤلمة، أغمض عينيه عليها.
ترك العصا ليسراه، رأسها بتجويف قبضته، أحاطها بأصابعه. تحسس إبهامه اللسان الناعم.
- استريح قليلاً.
أدار رأسه نحو وعبر البيوت المتقاربة، قتامة أفاريز شرفاتها الخشبية تلتمع. ظلمة الليل تنسحب خلال خصائص نوافذها المغلقة.
آلمته انحناءة ظهره، استقام، اتكأ بجنبه على يمناه، شعر بعظامه تخور، أخذ نفساً عميقاً زفره بصعوبة.
- أراه وأعود.
خلال شبورة رمادية، غطى الضوء حدود المكان، الصدفات الفضية الدقيقة تطابقت فوق سطح البحر. سرت في جسده رجفة قوية أحاط صدره بذراعيه، ضغط عظام كتفه الصدئة، شد جلبابه، أحكم غلق أزراره، أحاط الصقيع بوجهه، عاود السير والبرد يتخلل أصابعه.
عيناه تمسحان سطح الرمال المهشم. والذي تفتت وغار تحت قدميه، اعتصر الزيت والماء والرمل.
لا ينظر حوله، يملأه شعور بأن الحياة تدب في كل مكان، يخوض في لزوجة الرمل الطيني.
- العطن بلغ حوافه.
غارت عصاه وكاد يتهاوى.. تمالك نفسه وثبت عصاه ثم انتصب شدد قبضته، تابع خنفساء سوداء لامعة، خرجت من الفجوة الصغيرة قفزت خارج الماء الممتزج بالزيت، سارت نحو البحر، اختفت تحت الماء.
- الحشرات تملأ جوفه.
جر قدميه خلف عصاه..
.. لا أحد غيرك يفعلها. ليلك طويل وصباحك غام في قاع القارب، حوت عجوز ملفوظ، يلفظ أنفاسه على الشاطىء، ارفع قاربك، طهره من الزفت. من يمنعك. تشققات أخشابه يواريها الدهان، خط أبيض يتوسط زرقة رائقة، أقفز بداخله، تغيير الاسم سيوقف تقادمه. المدن تغير أسماءها، الأشياء لا تفنى إنما تتحول دوماً. وأنت تتحرك بين حجرات البيت، ومن البيت الى الشاطىء في الصباح وعند المساء، كلما اقتربت تملكتك الوحشة والخوف تشعر بكيانك يتوارى بين تجاعيد سطح البحر. ومساحات الخوف متسعة تضلل قدرته.. أليس غريباً ان تتكرر نفس الرؤيا.. وأجدني في صمت الظهيرة الحارق أجدف غير عابىء بزفرات الموج وصفعاته لجانبي القارب قوية صادة في اتجاه خط التقاء السماء بزرقة البحر البللورية، ثم أرى البحر متصلاً بالسماء من دوني.
تدوي سرينة المصنع. تلف الصمت، كل شيء يبدو زاعقاً، البحر، الطين، الهواء، انتفاضة جلبابه قوية فوق ساقيه.
رف طائر أسود بجناحيه، طار بعيداً عن القارب القاتم تحت آخر سحابة نهار رمادية.
هامش: عتاقة سلسلة جبال البحر الأحمر.
تهاوت الرمال الناعمة الندية تحت ضغط قدميه الحافيتين وأصابعه وعصاه الغليظة برأسها الكوبراني. أحس بقلبه يخفق بشدة.. سقطت قدمه فوق ظل عتاقة الأبدي. نظر خلفه، استوحش مدخل البيت، أدراجه الخشبية المتوارية في العتمة الصباحية. فكر أن يعود - الرمال قوية.مدد يسراه على فخذه، تحسس ألمه، اتكأ على عصاه. تابع قرص الشمس، الشباك الوردية متناثرة متراخية في البحر، خلال زرقة السماء، نتف دائرية، فضية براقة، مؤلمة، أغمض عينيه عليها.
ترك العصا ليسراه، رأسها بتجويف قبضته، أحاطها بأصابعه. تحسس إبهامه اللسان الناعم.
- استريح قليلاً.
أدار رأسه نحو وعبر البيوت المتقاربة، قتامة أفاريز شرفاتها الخشبية تلتمع. ظلمة الليل تنسحب خلال خصائص نوافذها المغلقة.
آلمته انحناءة ظهره، استقام، اتكأ بجنبه على يمناه، شعر بعظامه تخور، أخذ نفساً عميقاً زفره بصعوبة.
- أراه وأعود.
خلال شبورة رمادية، غطى الضوء حدود المكان، الصدفات الفضية الدقيقة تطابقت فوق سطح البحر. سرت في جسده رجفة قوية أحاط صدره بذراعيه، ضغط عظام كتفه الصدئة، شد جلبابه، أحكم غلق أزراره، أحاط الصقيع بوجهه، عاود السير والبرد يتخلل أصابعه.
عيناه تمسحان سطح الرمال المهشم. والذي تفتت وغار تحت قدميه، اعتصر الزيت والماء والرمل.
لا ينظر حوله، يملأه شعور بأن الحياة تدب في كل مكان، يخوض في لزوجة الرمل الطيني.
- العطن بلغ حوافه.
غارت عصاه وكاد يتهاوى.. تمالك نفسه وثبت عصاه ثم انتصب شدد قبضته، تابع خنفساء سوداء لامعة، خرجت من الفجوة الصغيرة قفزت خارج الماء الممتزج بالزيت، سارت نحو البحر، اختفت تحت الماء.
- الحشرات تملأ جوفه.
جر قدميه خلف عصاه..
.. لا أحد غيرك يفعلها. ليلك طويل وصباحك غام في قاع القارب، حوت عجوز ملفوظ، يلفظ أنفاسه على الشاطىء، ارفع قاربك، طهره من الزفت. من يمنعك. تشققات أخشابه يواريها الدهان، خط أبيض يتوسط زرقة رائقة، أقفز بداخله، تغيير الاسم سيوقف تقادمه. المدن تغير أسماءها، الأشياء لا تفنى إنما تتحول دوماً. وأنت تتحرك بين حجرات البيت، ومن البيت الى الشاطىء في الصباح وعند المساء، كلما اقتربت تملكتك الوحشة والخوف تشعر بكيانك يتوارى بين تجاعيد سطح البحر. ومساحات الخوف متسعة تضلل قدرته.. أليس غريباً ان تتكرر نفس الرؤيا.. وأجدني في صمت الظهيرة الحارق أجدف غير عابىء بزفرات الموج وصفعاته لجانبي القارب قوية صادة في اتجاه خط التقاء السماء بزرقة البحر البللورية، ثم أرى البحر متصلاً بالسماء من دوني.
تدوي سرينة المصنع. تلف الصمت، كل شيء يبدو زاعقاً، البحر، الطين، الهواء، انتفاضة جلبابه قوية فوق ساقيه.
رف طائر أسود بجناحيه، طار بعيداً عن القارب القاتم تحت آخر سحابة نهار رمادية.
هامش: عتاقة سلسلة جبال البحر الأحمر.
