حسام المقدم

للشرفة لابد من نافذة تُفضي إليها.. أجدادنا الأحباب يُعللون ذلك بقولهم إنه في بدء الخليقة كانت النافذة وحيدة، فتضرعت إلي السماء أن تهبها امتدادا تكون هي الأصل فيه. فجاوبت السماء نداءها: لتكن لكِ شرفة، ولتكوني حاضرة بين زميلاتك اللاتي بلا شرفات. أنتِ أصلك ممدود، وهن أصلهن مقطوع. من يومها، والنوافذ...
لك ولع قديم بسبر القلوب. تظل تبحث وتدقق وتنبش التراب والسطور لتصل إلى شيء جديد يخص هؤلاء الذين يقصدونك بالزيارة في ليالي أحلامك. كانوا يأتونك كبشر من لحم ودم وتكاد تلمس أرديتهم مذهولا مسحورا. حقا لم تعرف أحدهم ولم تره، لكنها القلوب وما بها من عيون ! أمل دنقل “أمل دنقل” يأتي بطرقات ثلاث على صدر...
الشياطين أيضا كانوا يعرفون خبر الأمطار الغزيرة المُحتمَلة. ليس ذلك غريبا، وكل النشرات والصفحات الرئيسية لمواقع الأخبار على النت؛ نقلتْ توقعات هيئة الأرصاد الجوية، وإعلانها من مساء الجمعة أن يكون الثلاثاء التالي هو الأسوأ، في ذروة الموجة الباردة التي تعصف بالبلاد. هذا الشيطان، الذي يهوى...
أجلس على نار في انتظار أن تكتمل الكراسي. عيناي تَمرَّان على وجوه الرُّكّاب في الأتوبيس، أحملُ هَمًّا يُقطِّعني: أن أرى "علاء" جالسا بينهم، أو قادما للركُوب. حينها سأضطرُّ إلى ابتسامة صعبة، تُحرّك عضلات وجهي بالإجبار. لساني سيقول كلمة أو كلمتين من تحت الضّرس. أنظر في الساعة، أنفخُ، أشعر بِضَربات...
الليلة يطوف بنا الملك طوافه الأكبر.. فدعونا نعرف يا أحباب يظهر قادما في ضوء العواميد الاصفر المتعكر، يمشي متطوحا في عباءته الصيفية الكاشفة لمفرق صدره المشعر، والاكمام المحسورة عن عضلات بعروق منفوخة، تلمع صلعته لمعة زيتية محببة، نقوم كلنا من علي الحصيرة الكبيرة المفروشة جنب جدار الجامع، يرمي...
أجلس على نار في انتظار أن تكتمل الكراسي. عيناي تَمرَّان على وجوه الرُّكّاب في الأتوبيس، أحملُ هَمًّا يُقطِّعني: أن أرى "علاء" جالسا بينهم، أو قادما للركُوب. حينها سأكون مُضطرّا إلى ابتسامة صعبة، تُحرّك عضلات وجهي بالإجبار. لساني سيقول كلمة أو كلمتين من تحت الضّرس. أنظر في الساعة، أنفخُ، أشعر...
في طريقه إلي الجامع القريب؛ يعرف الأستاذ هذه البيوت المتساندة علي بعضها. البيوت أيضا تعرف الأستاذ، وفي شقوق جدرانها الرطبة تختبئ تلك العيون. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها لجدارٍ ما، ثم يبتسم قليلا ويمضي. لا يكاد يدوس علي الأرض. ينقل خطواته بشكل...
(1) دمٌ وجذور تأمل ذلك الضرس المخلوع، إنه يئز ويؤلمك عند خروجه في كماشة الطبيب. سيترك فجوة في مكانه. كانت جذوره فيك، ودمك كان فيه. لا تحزن على عدم استقامة صف الأضراس، وابتسم لدمك الذى يغذي الأضراس الضاربة في العمق. (2) الشارع أنت أيها الوحيد المتفرد، يا من تنهشه الغربة بأسنانها الصدئة. هل نظرت...
لي وحدي هذه الصفوف الثلاثة المستطيلة، بكل صف خمس عشرة نجمة صغيرة. والمحصلة خمس وأربعون نجمة. نجومي نقاط ضوء، حولها وميض كريستالي رقيق خلف زجاج الكشَّاف الذي بالكاد يطاول نصف ذراعي. هذا العدد الهائل من النجوم، في الوقت الذي تغيب فيه نجوم السماء الباهتة؛ هو حظي، منحتي في سويعات انقطاع الكهرباء...
صوتٌ غريبٌ في المقابر. خَرفَشة واضحة، مصحوبة بطَقْطَقة تُشبه عِظامًا تَتكَسَّر. يقف يَتَسمَّعُ، وهو يخطو في هذه الساعة الفَجريّة. صَفير الكروان يتدرَّج صاعِدا من مكانٍ ما. نصف قمر في السماء، ينشر نوره الشحيح، يُظهِر شوارع ضيقة، على جانبيها مدافن مُسوّرة، تحكمها بوّابات ولوحات رخام بأسماء...
أهديتُ ذات يوم وردة حمراء لتلك البنت التي أحببتها. الوردة كانت ملفوفة وممتلئة بالأوراق، وبها ذلك الغِنى العِطري الذي يشدُّ الحواس نحو الفضاء والأماكن البريّة. لحظتها تأملتْ الوردة وقالت إنها رائعة وأُنثوية! أذهلني وصفها العجيب فائق الحساسية، وبعد انتهاء لقائنا الغالي تمكَّنتُ، بطريقة ما، من...
بمجرد أن انتهيتُ من قراءة الرسالة القديمة؛ اشتعلت النيران في أعماق دماغي: لمَن كتبتُ هذه الكلمات دون أن أُرسلها؟ هذا خطي وهذا أسلوبي فعلا، والورقة كانت نائمة بين أوراق مُهملَة: .. "وأنا مشحون بالغضب والسخط على كل شيء، يُمكنني أن أتوقع ما الذي سيكون عليه حالنا؛ لو أننا معا في فراش واحد، تحت غطاء...
الحالِم .. كانوا يقصدونكَ بالزِّيارات في أحلامكَ. يأتونَ كبشَرٍ من لحمٍ ودَم، وتكاد تلمس أردِيَتَهم مذهولًا مسحورًا. ** (1) المُتَنبّي: في الحُلم هو أكثرَ طمأنينة، وأنتَ أكثرَ فزَعا تُحاول التَّخفِّي منه في دُروب الصّحراء. ما من مرّة يظهرَ فيها...
إلى روح "غسان كنفاني". .. أذكر الثّقة على وجه "سامي"، صديقي المُخرج المسرحي، وهو يُخبرني أنّ صورتي مُعلّقة بجوار صُور كُتّاب وفنّانين مشهورين، في مكتبة صغيرة أمام كُليّة التّربية النّوعيّة. تعجبتُ: "أنا؟!" "والله شُفت صورتك، تضع يدك على جبهتك، وبين أصابعك سيجارة". "ما هذا...
مدت “نوال” زجاجة المياه المملوءة أمامي على الترابيزة العريضة، وقالت إنها غسلتها جيدا بعد رائحة سجائري العالقة بفوهتها منذ عام! رأيت أظافرها المهندمة تحوط الزجاجة وبها دوائر من الأخضر الباهت. بعد قليل ستقول “نوال” إنها قضت وقتا طويلا في عمل المحشي، وبسطت أصابعها أمام “سامية” زميلتنا التي تشاركنا...

هذا الملف

نصوص
71
آخر تحديث
أعلى