أحماد بوتالوحت

هَا هُو وَهْج المُدَى المُتَهتِّكَة يَزْحَف نَحْو القُرَى النَّائِمة يَنْهَش تَرَاقِي المَعاطِف ويفَكِّك ضُلُوع الْأَقْمِصَة والليل يُجَرْجِر تُرُوسَه لَاعِقاً صَدِيد الحُقُول أجْرَاسُ الدَّم المُخاتِلَة تُحَلِّق عالِياً حول المَخادِع لَا شَيْء داخِل جِرابَات الموتى ، غير اصْطِفَاق عِظام...
المَشَّاء ! كان ذَلِك إسْمي ، كَوْني كُنْت حِذاء رَأْس المَشَّائِين أرِسْطُو ذَلِك الَّذي يَمْشي بِلَا أُبَّهَة بين الطَّلَبَة وَمِن لُفافَتِه الْمَحْشُوة تَخْرج كِلِمات مُجَنَّحة ، كَأنَّه يُدَخِّن فَرَاشَات بَيْضاء . حَدَث هَذا قَبْل أَنْ ينْدَسَّ الخَرِيف المُعَبَّأ داخل أَكْياس مِنْ جَلِيد ،...
كان فيمَا مَضَى ، بِنَظْرة يُغَيِّر مواقِع الأشياء لكِن ، مُنْذ سَكنَت مُقْلَتيْه غَمامَتَين هارِبَتَين مِن قَراصِنَة السَّماء صَار يَعْتَمد عَلى كَتِف عُكَّاز صَفيق ، لِقائِمَتِه صوْت نَقيق الضَّفادع وبسبب لا مُبَالاة الكائن الخَشَبي ، إرْتَطَم أنْف الكَفيف بِرائِحة جُرْد قَذِر . كَانَت فِكْرة...
كان عَلَيْه أن يُقيم في صُنْدوق رَسائِلِه مع صَفير مِنَفاخ '' عَضَلات دواليب'' دراجته . وكان عليه أن يَتَخَلَّى عن قُبَّعتِه ذات الثُّقوب الَّتي تُفْضي إلى جُمْجُمته وأن يُقوِّم ساقيه المُقَوَّسَتيْن اللتَيْن تُثِيرانِ إمْتِعاض الْمَرايا وكان لِزاماً عليه أن لا يَكِيل الشَّتائِم البَذيئة...
لَاشَيْءَ يُوقِفُ نَزِيفَ الأَحْزَانْ ، كُلُّ شيْءٍ يَبْعَثُ عَلَى الأَلَمْ : رَائِحَةُ البُنِّ في الفِنْجَانْ ، الحِبْرُ عَلَى الأوْارَاقْ ، الشِّعْرُ فِي أَمْسِيَات المَنَافِي ، الكُتُبُ المكْسُوَةُ بِالطَّحَالبِ وَالغُبَارْ ، الظِّلَالُ تَتَثَاءَبُ عَلَى دِهَانِ الجِدَارْ ، الفَرَاشَاتُ...
في كابوس ، كنت أحسب نفسي في مأمن من المطاردات ، بينما الكل يجري خلفي ، بدءاً من عنصر القوات المساعدة ـ الذي لُقِّبَ في زَمَنٍ مَا بِــ " شَبَكُــونِي" ـ إلى الطفل الذي لا أعلم كيف أُقْحِمَ في المطاردة والذي كان يدل " الشبكوني" على مكمني كلما إختبأت ، إلى الكلاب التي يلاحقني نباحها البعيد...
عَائِد مِن عُمْق اللَّيل ، تَتَلاحَق أنْفَاس فَرْدَة حِذائِه الوَحِيدة شَبَح يَنُوء تَحْت أيَّام صُندوقه الخشَبِي، الَّذي كَالتَّابُوت . كان سَعِيدا مَاَدام فيه شَيْء مِن الوُجُود، قيْد الحياة مَحَا الزَّمَن كُل ذِكْريَاته القديمة وسقط نهْر الأيَّام فِي النِّسْيان . كَان الضَّباَب الَّذي...
في ذلك الزمن البعيد ، الموغل في القدم ، إصطحب درويش إبنه معه خارج المدينة . كان الأب يلبس جلباباً عتيقا لكنه نظيف وتفوح من نسيجه رائحة الخزامى، و يرتدي قميصاً تقليديا برزت ياقته البيضاء من عنق الجلباب ، أما الإبن فكان يلبس جلباباً على اللحم يصل حتى منتصفي ساقيه النحيلتين كساقي لقلاق لم ير النعمة...
يَمْشِي الصَّنَوْبَرُ فِي مَوْكِبٍ جَنَائِزِي وَالنَّوْرَسُ الْفِضِّيُ يَحْرُسُ وَطَنَ الْمَوْتَى . * مَلَائِكَةٌ مِنْ جَلِيدٍ ، تُشْعِلُ ثِقَابَ أَصَابِعَهَا ، الْمَوْبُوءَةَ ، فِي مَوَاقِدِ الْمَسَاءْ . * فِي إِسْطَبْلَاتِ السَّمَاءْ الْخُيُولُ ، نُجُومٌ مُطْفَأَةٌ . * تَنْجَدِبُ الفَرَاشَاتُ...
صَلْصَلَةُ أَجْنِحَة الرِّيح توقِظُ ، من الأَسِرَّة ، النَّوافِذ ، وَتَدْفَعُ السَّتائِر نَحْوَ الفُضُول . إلى الغُرْفَة يَدْخُل الضَّوْء لَابِساً قِنَاعاً مِنَ الثَّلجِ وَالمِلْح ، وَتَحْتَ شَجَرةِ الضَّوْء تَطْرِفُ عُيونُ الكَراسِي . المِشْجَبُ فِي الرُّكْن يَشُدُّ علَى تَلَابِيبِ المَعَاطِف...
مثقلٌ بِالمٙعاطِفِ ، والريحُ تٙهُزُّني كٙالقٙوادِمْ ، كٙكٙوْمٙاتٍ من ذُبابْ ، تٙسُدُّ الأُفُقْ ، وتسْقطُ في عُيون السحابْ ، أوْ على وُجوهٍ من غُبارْ ، أتْعٙبٙها السّٙفرْ . مثقلٌ بأسْبابِ الغٙضبْ ، والفٙجيعٙة تٙخُّضُني ، كما تخُضُّ العٙواصِفُ الصّحراءْ . مُقنّٙعٌ كٙشٙبحِ الْجٙريمٙةْ كٙشٙبحٍ ،...
إني أرى أرمدة في الأفق ، تحترق . وأشباحا تتثائب في الخرائب . لدى ، سأقرع نواقيس الكنائس ، وأشعل في البيوت الواطئة ، الفوانيس . فالملائكة ستتأخر هذا المساء ، ربما ، خوفا من نزلة برد حادة. فأمي تطيل صلاتها في المساجد ، حتى تسيل الدموع من عينيها حجر. وأنت يا إله يسوع ، الدامي العينين . ساعدني ، كي...
لَنْ أَنْسَى وَجْهَكَ السَّاقِطَ مِنْ أَغْصَانِ غَيْمَةٍ ، وَجْهَكَ الْمُقَنَّعَ بِالرَّمَادِ ، لَنْ أَنْسَى ذُرَى قُبَّعَتِكَ الَّتِي تَطْعَنُ رِقَابَ السَّحَابِ ، وَلَنْ أَنْسَى جِيَادَكَ الَّتِي تُجِيُد التَّخَفِّي وَالتَّحَوُلَ دَاخِلَ عِبَاءَةِ الْغُبَارْ ، وَمَا زِلْتُ أَذْكُرُ جَذَائِلَكَ...
كَانَتْ رِيحٌ خَفِيفَةٌ تُرَبِّتُ عَلَى رِيشِ قُبَّعَتِي، وَمَطَرٌ أَصْفَرُ يُلْعَقُ غَضَارِيفَ نَافِذَتِي ، قَارِعُ الْأَجْرَاسِ السَّمَاوِيَةِ يَعْبَرُ نَحْوَ النُّجُومْ ، وَعَرَبَاتُ الْخَرِيفِ تَعُجُّ بِسُرَادِقَاتِ الْمَوْتَى ، وَخُفَّاكَ يَسْتَوْطِنَانِ رِكَابَ السَّحَابْ ، وَعَلَى كَتِفِ...
كَانَ الْمَسَاءُ يَنْفُضُ الْفَرَاشَاتِ عَنْ قُبَّعَتِهْ ، وَكَانَ هَذَيَانُ أَجْرَاسِ الْجَدَاجِدِ يُوقِظُ أَسْرَابَ الْيَاسَمِينْ ، وَالصُّقُورُ تَنْسُجُ فِي الْفَرَاغِ سَمَاءً أُخْرَى أَقَلَّ ضَرَاوَةً . وَبيْنَ قَارَّتَيْنِ عَجُوزَتَيْنِ مِنْ عِظَامْ ، مَدَّتِ السَّلاحِفُ أَرَاجِيحَ...

هذا الملف

نصوص
125
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى