محمد محمود غدية

على الطاولة التى لا يغيرها فى المقهى، جلس الخمسيني، الذى كثيرا مايشير لأصدقائه المتزوجين. ساخرا وضاحكا : أن القطار قد دهسهم وفرمهم، وأنه فى فى مأمن دون زواج، يتابع رواد المقهى، فى رياضة يعشقها، ألا وهى قراءة وجوه الناس، وفك بعض الطلاسم التى تستعصى على الأفهام، ورسم بورتريهات للوجوه التى تمسك به،...
وجهها فى لون سنابل القمح، عيناها، فيهما بريق دافىء مضيء وباهر، لايصمد أمام بريقهما أعتى الجبابرة، روحها لا تعرف الذبول، نبيلة وطيبة وأصيلة، تتهادى بكل أناقة على أوتار المساء، عطرها ينتشر فى الأجواء، تعيد ترطيب طاولات الفرح، للفارس القادم تنتظره بباقات الورد، وتغزل له أثواب الصباح، طراوة روحها...
وجده يتأمل صورة شقيقته فى شغف، سأله : أعجبتك ! تلعثم وهو يقول خجلا : شدنى إطار الصورة، - قال صديقه ضاحكا : مشيها إطار، مضيفا شقيقتى زهرة فى فرنسا للحصول على الدكتوراة، - قال بصوت خفيض لايسمع : زهرة ماأجملها، لا تماثلها زهرة فى الكون، أكيد مع زوجها - قال صديقه : إنها لم تتزوج بعد،...
غادرته الزوجة التى لم تكن تشكو مرضا، بعد خروجه على المعاش بستة أشهر، أصبح نهبا للوحدة، بعد أن كانت كل شىء فى حياته، الأولاد كل منهم له حياته وأسرته، تكفيهم هموم العيش، البعض أشار عليه بالزواج بعد رحيل الزوجة، لكنه رفض، لديه الأولاد يعيش بهم ولهم، أصغر الأبناء يعيش معه فى آخر تعليمه الجامعى، صارح...
زارنى أبى فى الحلم، لم أفلح فى إخفاء قدح الحزن من فوق الطاولة، كنت قد تناولت منه رشفتين، المرارة ما زالت عالقة فى الحلق، مشتاق لوجه أبى الطيب وكلامه العذب وإبتسامته التى لا تفارقه ومسبحته الكهرمان، معذرة يا نهراً من طيب العنبر لفوضى المكان، لابد وأنك مررت بهذه الفوضى فى الخارج أثناء قدومك هنا،...
نجحا فى إيجاد شقة متواضعة، بإيجار جديد، تضم حلمهما البسيط فى مدينة ساحلية، وسط حي سكني متواضع، لم تتضح معالمه بعد، بعد جهد وبحث مضنى عن عمل، وجد عملاً فى مطعم يقدم الوجبات السريعة، وتوسط له أحد الزبائن، لتشغيل زوجتة، بأحد مصانع القطاع الخاص، طويا شهادتهما الجامعيتان، بعد عناء سنوات من الجهد و...
المصباح شحيح الضوء، يتأرجح كالمشنوق فى سقف الغرفة، النوم يؤرقني لا يأتيني، يلهب ظهري بسياط تمزقني، وتفتت لحمي، أزيز الصرصار الذي يشاركني الغرفة، دأب على فض شرنقة الصمت، والتسلل كما السكران المطارد المفزوع، بين الشقوق والأركان، ليس وحيدا مثلي، أبحث فى كراس الشعر، عن بعض حب، لاشيء سوى خيبات...
ثمة شمس تتسلل على إستحياء، ويوشك أن يملأ ضياؤها الشارع والفاترينات والبيوت، وبضعة أضواء خافته تضيع فى ظلال الناس والأرصفة، تمر بائعة الورد الصغيرة أمام المقهى، فى خطواتها إضطراب وحيرة أشبة بقطرة مطر فارقت غيمتها، فى جدائلها ورد يصعب مقاومة رائحته الذكية التى تسبقها، يعرفها زبائن المقهى، الكثير...
كثيراً ما يختنق الحلم داخلنا، ويصبح مجرد خيال عابر، يتبدد ويتلاشى فور إصطدامه ببشاعة الواقع وقسوته، فيغتال كل طاقتنا وتجلياتنا، بينما الأزهار تنمو من حولنا، والمطر يتدفق والعصافير تغرد، والنوارس لا تغادر شطآنها، تعيش الألفة و الحب فى مجموعات تبهج النظر، قاعة المحاضرات تمتلئ عن آخرها، فى حضور...
سألوه ماالفرق بين الحب والزواج ؟ أجاب : الحب ان تتطلع للسماء تعد النجوم، والزواج هو الحفرة التى تسقط فيها أثناء تطلعك للسماء ! لم يعد بقلبه متسع لهزائم جديدة، لم يتزوج وهو الأربعينى الميسور والمأسور بعشق النساء، يكفيه الحب الذى يفتح مسارات الحنين فى الأرواح، حتى كان يوما حين طرقت باب...
جارت عليه السنوات وأشعلت رأسه شيبا، وأحنت ظهره الحقائب المثقلة بالشجن والتى فشل فى إفراغها، يسرج خيول عربات المساء، رغم كل السواد الذى يحمله، والأقدح سوادا من هذا الليل الذى تمدد في العيون والشوارع وواجهات البيوت، يقلب فى دفاتر الغياب والوجع، كل شيء باهت تحيط به هالة من ضباب مصفر، تداهمه شتاءات...
هناك فصول مجدبة لا تمطر وايضا امرأة لا تعرف الحب، فقط تعرف كيف تدمي القلوب الطيبة، غير آسفة على ماتسببه من ألم وتعاسة للآخرين، وقع فى برائن حبها الكاذب، بهرته كلماتها الرقيقة التى تجيدها، بعد ان نسجت شباكها على مهل، لديها القدرة على التأثير فى محدثها ومحاصرته وتهيئته للتسليم بما تريد، حتى...
ورقة اولى : يراقبان الطيور يتحدثان همسا لا اتبين مايقولان، ربما يتحدثان عن الحب او يرسمان خطط للمستقبل، اليوم عيد الحب أهداها باقة ورد وخاتم ثمين، أهدته خصلة من ضياء، وباقة من المشاعر النبيلة . ورقة ثانية : الكلمات الطيبة الحلوة هجرت كتب الشعر، صارت خشنة أشبه بقنبلة تطلق من فوهة مدفع، فى...
على الشاطيء ومن باطن الرمال، أطلت حقيبة جلدية، تدعو المارة لإلتقاطها، لاشيء بداخلها سوى حزمة من الأوراق الأنيقة المزدانة بصور الورود الملونة، لم يطلها البلل، لأنها محفوظة فى كيس من البلاستيك ولاصق شيكارتون، البحر هاديء والشمس متساقطة عمودية، أضفت على المياه سبائك ذهبية، لا أدري لماذا إخترت السير...
إبتسامتها تسقي جفاف الروح، سكرها زيادة يتحاشاها مرضى السكر، الصبح يستمد من وجهها الإشراق والضياء ، غمرت كل من حولها بالحنان ، وغرست الزهور في أرض لا ينفع فيها الزرع فأينعت وأزهرت، لها قدرة مدهشة علي إمتصاص التعب والقلق، والربت بحنو بالغ على المشاعر، يغالب دمعة حبيسة أصرت على السقوط، فى غيابها...

هذا الملف

نصوص
427
آخر تحديث
أعلى