عبدالرحيم التدلاوي

انتظر إلى أن امتلأت الحافلة عن آخرها، وما عاد متسع للمزيد، حتى صارت كالحامل على وشك الوضع، وانطلق ذاكرا الله أن ترافقه السلامة، فأرواح الناس ميثاق غليظ. سارت على هدي من الله تتمايل ببطء تشكو إلى الباري أمرها وأمره، في نوع من التضامن بينهما قل نظيره؛ خيط نور يربط بين روحيهما. كان يعلم أنها لم...
تلبس جلبابها البني على عجل واضعة طرحتها ذات اللون الغامق على رأسها كما اتفق، تريد إخفاء شعرها الكثيف والفاحم عن الأعين الجاحظة، تمسك بيدي، تجرني خلفها كما خروف العيد الأرعن، تسير بي إلى محل النجارة بحينا، تودعني لدى "لمعلم" المشهور ببراعته في مجال النجارة وصنع التحف؛ محله شبيه بمحرار، وكانه شكل...
لعل توظيف التاريخ في الرواية يبقى رهين إكراهات اللحظة الراهنة، ويخضع لرهاناتها؛ لا يمكن أن يكون حاضرا لذاته، بل لغيره؛ وأقصد بذلك البعدين: الجمالي والمعرفي. إن المبدع حين يستحضر التاريخ في عمله فإما بغاية نزع القداسة عنه، أو فتح كوة أخرى ترى العين الثانية منها ما تم حجبه، لا تثق في التاريخ...
قالها بصوت مرتفع لنفسه وللعالم، ثم ضرب برجله كل الخطوط الحمراء التي قيدته لعقود..كانت الركلة قوية، دقيقة التصويب، مريحة للنفس والبدن، فما أعذب التخلص من هموم الحياة، وأعبائها! وأقبل على الحانة يستمتع بعصير الدوالي كما لم يفعل من قبل، يعب من ماء الحاية ما حرم منه طويلا، يكتشف متعة ظلت بعيدة عنه...
حبيبتي البرونزية غاضبة مني وعلي، قالت لي: إنني انتظرتك طويلا على أحر من الجمر. نسيت أنها طلبت مني هدية لم يسبق أن نالتها واحدة قبلها، ولن تنالها واحدة بعدها. هي من سلالة المحاربات، دمها ملكي، ولا يطلبها إلا المغامرون الأفذاذ. بقيت حائرا لفترة في أمر الطلب، ثم عزمت وتوكلت على الله، وضربت...
ألتهم الوقت أو يلتهمني، سيان المهم عندي متابعة عطر النساء، هذه الكائنات الرقيقة والعذبة كفراشات، شرائح لحم مختلفة المذاقات، ما أعذبهن! يكفيني أنا القابع بهذه المقهى الوضيعة، أن أجلس على كرسي من القش، وأمامي طاولة شحب لونها على ظهرها فنجان قهوتي، ومرمدة من زجاج تحمل علامة ماركة عالمية، عليها...
لبست قشابتي البيضاء لتخفي ملابسي الداخلية الفضفاضة التي تخفي سلاحي، وخرجت متوكئا على عصاي متوجها إلى المسجد قبل أذان الظهر، بعد أن توضأت؛ وقد حرصت على أن لا تشوب طهارتي شائبة، لذا، توضأت أكثر من مرة لأقطع الشك باليقين، وحتى لا يأتيني الريب وأنا أصلي؛ ليس ذلك دليل هوس، أو انشغال مرضي بالتهطر، بل...
و نحن نعاقر الكأس,دفعا للملل و برودة الشتاء,قلت لصاحبي: ارو لي قصة عجيبة.. و كأني فتحت صنبورا كان ينتظر ماؤه الخروج..قال: في جو ربيعي حالم,و الشمس دافئة,شاهدت عجوزين مقبلين إلى الحديقة,كان الرجل يتوكأ على عصاه و قد طوق عنق التي معه بحنان,في حين كانت العجوز قد طوقت خصره بيدها اليسرى متشبثتا...
كدت أصرخ فرحا: وجدتها، وأنا أتجول في المدينة القديمة، أتنفس عبقها التاريخي، حين داهمني غناء طروب. شعرت بتخفف من حمل ثقيل صاحبني منذ صغري كاد يفل قدراتي. كنا، ونحن صغار، ننجذب إلى محل خياط حومتنا بمجرد مداعبة أنامله لأوتار عوده، كما لو أنه يداعب أوتار قلوبنا جميعا، كنا ننجذب بقوة روعة ما يصدر عن...
إن الحروب الدينية، أو التي تحت غطاء الدين، لا تزيد الصراع إلا عنفا، وأنه لا يمكن توقيفها إلا بالحب، وبحلم بناء عالم يسوده السلام، عالم يعتمد الأخوة والمواطنة أسسا. تلك رسالة النص، وتلك مسؤولية الإنسان الحقيقي التي ينبغي أن يطلع بها إن كان يريد أن يكون جديرا بهذا الاسم. وقد سعت “الحرة” إلى تحمل...
{للجسد لغة نتتبعها ، فتلج بنا لأسرار.} ، رجاء عالم ، موقد الطير ، ص 27 _غض بصرك..! _لن أفعل.. _ لم تصر ، و بعناد ؟ _أصر لأني، أنا العبد الضعيف ،متيم بهن ، واقع في هواهن ، فلم تطلب مني ما يفوق قدراتي ؟. لا سلطان لي عليّ..خاصة في حضرتهن.كلما شاهدت أنثى تندلع في نار من غير شرر شبيهة بالشهقة ،...
وصلت المكان المحدد قبيل الموعد بدقائق معدودات ، وجدته ظليلا بأشجاره السائبة وقد تركت لوحدها تنمو بحرية ، ربما لكون صاحبها قد سحبت من تحت أقدامه أرضه ، و ربما مات و لم يخلف عقبا. كان المكان منعشا تتلاعب فيه النسائم بطلاقة ، غير بعيد يوجد الملعب الذي شهد مبارياتنا ضد فرق الأحياء المجاورة ، كما شهد...
أمي وهي تتابع المسلسلات المدبلجة أيا كان جنسها وجنسيتها، تنظر إلي بابتسامة بريئة وتخبرني أن الممثلين يشبهوننا، إنهم منا، يتحدثون بلغتنا، ويستعملون مفرداتنا نفسها. وحين أخبرها أن هؤلاء لا علاقة لنا بهم، تنظر إلي شزرا، وتؤكد لي أنهم مسلمون مثلنا بدليل توظيفهم كلمات من الحقل الديني: استمع لهم، ألا...
توطئة: يسعى النقد المعاصر إلى الاهتمام بما يسمّى “مداخل النص”، أو “عتبات الكتابة” بعد أن ظلّ إلى وقت قريب يولي اهتمامه بالقارئ على حساب النصّ ، و يرجع هذا الاهتمام إلى ما تشكّله هذه المداخل من أهمية في قراءة النصّ و الكشف عن مفاتنه و دلالته الجماليّة ، وهذه العتبات هي علامات لها وظائف عديدة ،...
يعد مبروك السالمي من بين الكتاب الذين دخلوا مغامرة كتابة القصة القصيرة جدا بحب و تفان ، فخاضوا كتابتها منذ فترة طويلة ، كانت حصيلتها نصوص عديدة في منابر إالكترونية عدة ، و ظل وفيا لهذا الجنس منحه كل وقته فبادلته القصيرة جدا حبا بحب و كشفت له عن بعض من أسرارها ، و اليوم ، نراه يغادر النشر الرقمي...

هذا الملف

نصوص
228
آخر تحديث
أعلى