في الأدب الأندلسي - الموشحات

كان أول موشح اجتهد العالم الإسباني الكبير إميليو جارثيا جوميث (1905 ـ 1995) في فك شفراته، وقراءة خرجته الرومية هو لابن عبادة الملقي الذي ينتمي إلى القرن الخامس الهجري الموافق للحادي عشر الميلادي، ومطلعه طريف وملغز مثل خرجته إذ يقول: “من مورد التسنيم/ من سلك فلج/ ذي غروب/ في قَلْتْ إن ذاقه عاطش/...
بقيت أبيات قليلة من موشحة ابن سهل، باعتبارها نموذجاً لتوليد السلالات الشعرية، وأفدنا إلى درجة كبيرة من كتاب كلاسيكي رصين وضع خصيصاً لشرح هذه الموشحة هو “المسلك السهل” للعالم المغربي الإفراني، حيث يستدعي كل بيت إلى ذاكرته عوداً وفيراً من النصوص المشرقية والمغربية الكاشفة. يقول ابن سهل بعد ذلك...
ثم يمضى ابن القزاز في موشحه فيقول في المقطع الشهير: “بدر تـم/ شمس ضحـى/ غصن نقـا/ مسك شم ما أتــم / ما أوضحـ،ـا/ ما أورقــا/ ما أنم لا جــرم / من لمحــ،ـا/ قد عشقــا/ قد حرم فالوصــال/ ما قد خـــلا/ من أمل فائت والخيـــال/ ما قد عـــلا/ من نفس خافت” ولا بد أن ننتبه إلى أن تنفيذ هذا الموشح...
عندما نبلغ عصر المرابطين بالأندلس نهاية القرن الخامس الهجري ندرك ذروة ازدهار فن التوشيح، وبروز كبار أعلامه الذين يجمعون بينه وبين القصيد المنتظم وفي مقدمتهم الأعمى التطيلي (485 ـ 525 هـ) الذي توفي قبل تجاوز الأربعين، ومع ذلك خلف ديونا هاما يتضمن عددا كبيرا من الموشحات المتميزة، ويكفي برهانا على...
نعود قليلا إلى بعض نماذج الموشحات الجميلة في عصر ملوك الطوائف بالأندلس، وقد استغرق القرن الخامس الهجري الموافق للحادي عشر الميلادي، لنجد من أبرز شعرائه أبوعيسى ابن لبون الذي كان قاضيا ووزيرا في مدينة بلنسية حتى سقطت في يد المغامر الإسباني السيد القمبيطور، فذهب ابن ليون عام 478 هـ إلى مدينة مربيط...
موشح آخر لابن القزاز، صادم في مطلعه، لكنه رقيق شديد الولع بالمحبوب الذي يتغزل به، ومصدر الصدمة أنه يصفه في البداية بأنه “علق” وهي تعني في العربية “النفيس الذي يتعلق به القلب” لكنها أصبحت تعني في اللهجات العامية “المخنث” وعلينا أن نردها إلى أصلها ونحن نقرأ: “بأبي علق/ بالنفس عليق هويت هلالا/ في...
كانت الموشحات تزهو بإعلان ارتكازها على قطع غنائية شعرية تجعلها عمود بنائها وتضعها في النهاية باعتبارها “الخرجة” المعلمة. بينما كانت قصائد الفصحى تجتهد في إخفاء محاورتها للنصوص السابقة عليها فيما عدا المعارضات الصريحة خوفا من الاتهام بالسرقة. وسرعان ما أخذت الموشحات تتوالد فيما بينها وتشكل ما...
نأتي إلى المقطع الرابع من موشحة ابن الخطيب في معارضته لابن سهيل، إذ يقول: يا أهيل الحي من وادى الغضى وبقلبى مسكن، أنتم به ضاق عن وجدي بكم رحب الغضا لا أبالي شرقه من غربه فأعيدوا عهد أنس قد مضى تعتقوا عانيكمُ من كربه ولصيغة التصغير في الشعر العربي من أهمية دلالية، فبينما ترد حينا كي تشير إلى...
أما بقية هذا الموشح الذي بهر الشعراء وأعجزهم عن منافسته، فمزقوا موشحاتهم كما قطعت النسوة أيديهن افتنانا بجمال يوسف، فيقول فيه الأعمى التطيلي، ويبدو أن لمحنة العمى أثر كبير في توهج قدراته وارتفاع مستوى حساسيته للنغم والإيقاع والصور الحسّية: “بي هوى مُضمرُ/ ليت جُهدي وَفْقُهُ كلما يظهر/ ففؤادي...
قبل أن نورد المقطع الأخير من موشحة ابن غرلة التي يجاهر فيها بصيده الغزالة من مراتع الأسود؛ وهي إشارة واضحة لعشقه للأميرة رميلة أخت الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، يجدر بنا أن نتذكر قطعة فريدة وشهيرة من معلقة امرئ القيس يقول فيها: “وبيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجلِ تجاوزت...
أستأذن القارئ الكريم في استعارة هذا العنوان من كتاب ابن سعيد الأندلسي الذي أدرك بفطنته العالية وحساسيته الموسيقية والشعرية أن بعض الموشحات ليست سوى توقيعات نغمية خصصت للرقص، فلا يستطيع منشد أن يتمالك نفسه من الاهتزاز الحسّي والهزة النفسية عندما يتغنى بها. ولعل من أبرزها موشحة ابن القزاز (500هـ ـ...
من خواص الموشحات الأساسية بناؤها على أغنيات شعبية ملحونة وملحنة، وتناسلها الداخل في سلالات شعرية متوارثة خلفا على سلف، إما في المطالع الشهيرة كله أو في بعض صيغها الأثيرة فحسب. والموشح الذي نتوقف عنده اليوم للأعمى التطيلي أيضاً، وإن كانت خرجته أعجمية من تلك الخرجات التي فك شفرتها المستعرب...
يمضي الشاعر الأندلسي عيسى ابن لبون في موشحته التي يشرح فيها طقوس دين الحب فيقول: أفنيت صبرا/ ولم أزل ذا اصطبار عبدا حرا/ مستعبد الأحرار باللحظ قسرا/ لم يقل باعتذار فمن رآني/ على انحطاط لشاني ففي انذعاني/ إليه أقوى برهان ولكي ندرك ما في هذا الشعر من تحريك تقدمي لمنظومة القيم التي كانت سائدة في...
أما الموشحة الأخيرة التي نتوقف عندها لابن رافع رأسه، ورافع راية التوشيح في عصر ملوك الطوائف، فهي مدحية أيضا، يثني فيها على الأمير يحيى بن ذي النون الملقب بالمأمون (توفي سنة 467 هجرية) حاكم طليطلة، لكنه يمزج المديح بعناصر أخرى تتجاوب فيها أصداء الموسيقى بأنغام الطبيعة وألوانها، وما تبعثه في...
تهيمن الوظيفة الشعرية على اللغة عندما تصبح اللغة غاية في ذاتها، وليست مجرد وسيلة للتعبير والتواصل. وإذا كان مناط الجمال في الشعر يتعلق ببساطة بالإيقاع الموسيقي من ناحية والتخييل التصويري والحرارة الوجدانية من ناحية ثانية، مما يخلق رؤية طازجة للوجودان فإن طغيان العنصر الإيقاعي على منظومة الموشحات...

هذا الملف

نصوص
115
آخر تحديث
أعلى