رضا أحمد

ثمة مهمة للرجل الكبير -قال أبي وتسمرت يداه حول وجهي وأكل السوس نظراته، ثمة قبلة للرجل الكبير -قالت زوجتي وأنا أضمها إلى عظامي غائبًا في كفن تحيكه منذ أحببتها، ثمة فائض من الرجال الكبيرة -قال ابني وهو يدهن جسدي بماء الكولونيا ويدق في قلبي الندوب ويحث "المغسِّل" على وضع حشوة قطن في فمي كي لا أعض...
حسبتك ستكتب عنا: تستلقي عتمة فوق سريرنا والقمر يرخي ذراعيه على الشرفة ويراقب قطار الحب وهو يمضي بعيدًا، سأجيبك بما يشبه الشوق: على الطريق وضعت فراشة فستانها فيما حروقها النفيسة تتكشف لمصباح، بالطريقة نفسها جاء مدرس الحساب بالعصا أمسك الأرقام الصغيرة ووضعهم في جداول وقال "سيروا في عقول التلاميذ"...
اكتشفت أن ملايين النساء يشبهنني كلنا التٌقٍطْنا من الصور شبه عرايا في مزاد ما وتبادلنا الدور أمام المرآة وفي حضن الرجل نفسه، كنا نعمل على الوضع الصامت في المطبخ، الحقل والزرائب: وحين رزقنا الله بطفل أخفينا عنه حقيقةَ أننا نحب الفساتين الحمراء والقمصان النايلون والسفرَ الخائفَ بين الشعيرات...
البندقية ذراعك الثالثة ابنة عمك التي تستعين بها على الغرباء وآخر إوزّة فوق سطوح أمكَ ستكسر عنقها إكرامًا لك حين تأخذ ثأرك فيما تشيّعكَ إلى منفاك الطويل بملابس العرس، أنقلب الأمس ضدك تركت حياتك تتعفن أسفل ساعة الحائط ولم تقل لي لِمَ لا تبتسم العقارب عند الثامنة والثلث؟ ذهبت الأسطر التي تفيض سعادة...
تقول امرأة: أنا وحيدة جدًّا لم أعد أرى شيئا في المرآة، يطمئنها عابر سبيل: بل أنا الوحيد حتى كوابيسي المعتادة لا تزورني في المنام، تنهرهما عجوز: مازلت أجمع ترابي من بين أحذية العيال لم تترك لي السماء موضعًا غير ملبّد بنظرات الأحباء، وأقول إنني صنعت آباء كثر لأطفالي أويت المجاذيب والأمراض تحت جلدي...
على الضفة وقفت أغنية تنقر مكانكَ في قلبي، "محناش فراش هيموت" هنا بالضبط أريد أن أحبك ببساطة الليلة، سأرسم للغياب هوية: شمعة بعنق مكسور قرب مرآة تذوي بيننا في الفراش، محبة يحملها قارب مثقوب إلى حيث يمضغ الزمن قلوبنا المكسورة مع عصير القصب وشرائح الليمون، عازف كمان يمرر العصا على عنقي حتى يصير...
أمي أخبرتني عن صرختي الأولى عن سيل قصدير تدفّق من رحمها، دلقت عليه القابلة الماءَ والدعاء رقى البخور وبعض التوابل؛ أَلَمْ تكن هذه خطة الرب في إيقافي لأكون فتاة مطيعة حقا؟ فكرت فيما آل إليه الهدهد بكل هذا التاريخ من الولاء والخوف؛ هو الذي قضم من حلاوة الشمس وجه امرأة حقيقية خصّته بالمعرفة، بخطوة...
واحدة من سنواتي المهدرة مضت، لن ألتفت سأستمر في دفع الألم أمامي إلى أن تلتصق به كل أنيابي، منحة؛ أن أتوقف في منتصف الطريق وأنتظر أن تحتضنني رفاتي كشهقة مجروحة وتواري آثار أخطائي، أنا نسختي الوحيدة عن الأمل ومساحتي المفضلة في توزيع الندوب، القسوة أن تتودد إلى مَن لا يفهمك بصوت مبحوح وابتسامة...
لست وحيدًا الآن أنتَ فقط تجرب لعبة "الاستغماية"؛ لا مزيد من البكاء لا مزيد من الخوف ظلك يخفي عينيكَ ويقوم بالعد ١٠، ٢٠، ٣٠، ... والجميع يضعون أصابعهم في آذانهم. يقتضي النسيان أن تتسكع باستقامة في تجاويف قلبكَ وبطول فخ مرنته على التقاط رائحتكَ والإمساك بكَ؛ تراقب مخالبكَ تنبش في دمائكَ وتلاحق...
الوحدة أزيز متقطع لشريطك الجيني يباعد بينك وبين مرآة تأكل بنهم أرواحك السبع، لو قلت إنني تفرجت على حياتي من الدور الرابع ستصدقني عضة البرد والبومة التي تتسكع الآن على نافذتي، أنا رأيت نفسي يا عالم وعرفتها... بعد عشرين عامًا من الآن؛ عجوزا تهذي في جنازة تحمل في حضنها راديو كقلب حبيب يخفق راديو...
ولدتُ في السابع عشرَ من مارس، لم أخطط مطلقا لهذا؛ أمي لم يكن يعنيها انتظارُ الغرباء ووالدي لم يحتط ليتركني آمنة في سلَّة ظهره. كان الحبُّ هادرًا وقتها، شابًا، قادرًا على العدو أمامنا، ولم يكن شارعُنا ثكنة أسمنتية خالية من سخف الأشجار وانفلات الزهر. سقطتُ من رحم السماء في حجر أمي، ولم تمنحها...
لليلى أن تنظّف ثيابكَ من رماد القتلى، تنزع مخالبكَ وترمي نابكَ في أصيص قرنفل، لها أن تضع حولكَ متاريس عطرها المعدي، أن تمشّط شعرها في الشارع حتى تعرف الجارات أن في بيتها رجلها العائد، أن تربي مفاتنها كلَبُؤات جائعة تتسلّط على غفوتكَ وتعلّق مخاوفها في عنقك، لها أن تقرأ بدايات كلّ ندوبكَ وتضع نقطة...
صدى، صدى، صدى لحظة، تمتع بصوتكَ موج يلي موجًا إلى أن ينساب البحر داخلك كغناء محترق، صفير، صفير، صفير القطار فقط توقف ليتناول فطوره ليس لديك فكرة هذا ليس غيابي إنه فقط جوع المسافة، صمت، صمت، صمت أحضرت لك محبتي وجسدًا يذوب بعد الخامسة في بياض عينيك أحضرت لك ثلاثين عامًا انقضت في الخوف، يا لها من...
أسناني تتكسّر حين أقول ما يؤلمني .... أيها التاريخ آمل أنك بخير؛ أمرر أصابعي فوق جرحك لا نية لي في شفائك لكني اقر بجدية ألمك وهذا لا ينفي أن أحدنا شَاعِر... دائما هناك سؤال يشغلني: ماذا سأضيف للشعر وماذا سيعطيني بالمقابل؟ لا أعني الألقاب التي تصحبنا إلى المقابر وفي قاعات المؤتمرات ولا البريق...
الحب منجل صبور جدًا يقوم بعملنا غير النظيف دون أن يلوث أيدينا بقطرة دماء. أن تعيش هيكلًا عظيمًا لقلب أبيض بساق لينة ورأس هش تحمله الريح في كل اتجاه وتعاني كثيرًا في نظافته؛ لا يعني إنكَ ستفنى هكذا زهرة بقطفها تنتهي وظيفتها في إسعاد المارة ونفث البراءة النادرة في مسام الحياة. زهرة مثلك تصير فيما...

هذا الملف

نصوص
163
آخر تحديث
أعلى