فتحي مهذب

عاهدتني حبيبتي أن نتقاسم قبرا واحدا آناء الموت نبتعد عن ضجيج العالم. بأظافرنا الطويلة نحفر ثقوبا في الأعلى ليزورنا الهواء والشمس مثل صديقين حميمين من الدرجة الأولى. نأكل بالملعقة ذاتها. حساء الشوربة الساخن ولحم الضأن المشوي وشطائر السلمون نضحك طويلا عند سماع طائر العقعق في الظهيرة. يشتم شبحا...
أنا أفكر في مصيري بعد قتلي ديكارت. دمه يلمع مثل ليرة تركية. قتلت ظله العقلاني أيضا بمسدس كاتم للصوت. رميت (مقالة الطريقة) من شباك الطائرة. لتكون وجبة دسمة لحيتان المحيط. ندمت طويلا لأن جثته بقيت في العراء الغراب عالق في خرم الإبرة. المعزون في المغارة. المسلمات في المشرحة. لم أزل هاربا...
أنا أحب الحياة. وأنت أيها الثعلب الذي يلتهم نثر الصيروة. -هل تحبها مثلي بشراهة مفرطة؟ تحب الليل والنهار وهما يمسحان زجاج الأيام السبعة. يعملان مجانا في حانة الأبدية الليل يشيعنا إلى مزرعة أسرار النوم. النهار يجبرنا على مصارعة الثيران والضحك عميقا فوق الجسر ريثما تعبر المخيلة العجوز في...
تعبنا يا رب من دفن القراء خارج أسوار النص. هم كثر شحذوا فؤوس النسيان وإنكسروا في مفترق الحقيقة. العميان لم يبصروا الضوء آخر النفق. لم يبصروا الأنهار الجارية في تقاطيع الكلمات. لم يبصروا المشائين في حديقتي يحلبون الشمس في الظهيرة ثم يهبطون من شرفة النص الواحد تلو الآخر إلى قاع المسكوت عنه. مات...
صليبي على ظهري. لما طردني الناس ذهبت إلى الكنيسة. بكيت وقلت يا رب : لا تذرني وحيدا على حافة الهاوية. صليبي على ظهري ودمي يشرشر في العتبات. لما طردني الناس ذهبت إلى الغابة حزينا. بكت شجرات الصفصاف طويلا جاءني فهد محملا بالهدايا عزاني بوم الدوق الصغير وأسلمني الهدهد خاتمه الذهبي بينما فراشة ملآى...
** الشجرة التي زرعها القاضي في حديقة السجن منذ خمس سنوات. الشجرة التي فقدت أسرتها الفقيرة. تاج الأمومة الأثير. الشجرة التي كانت تحلم بالهجرة.. عبور البحر على دراجة هوائية تحت تصفيق جماعي لجمهرة النوارس ومديح الحيتان فوق مصطبة المياه. الشجرة التي تحلم كثيرا تحلم بربيع طويل القامة وعصافير بأجنحة...
بعد موتها العبثي صرت أنا وإبني نضحك كثيرا وكلما طرق الباب بنعومة تسبقنا عيوننا على عكاكيز المخيلة نضحك كثيرا عندما نفتح الباب ونكتشف وجها آخر. نقول ربما ستأتي غدا أو بعد غد. ثم نصغي لعبور قطيع من الذكريات الموحشة. نضحك نضحك طويلا ثم نحدق في ريش الفراغ المتناثر فوق الكنبة. صوتها الذي حفر عشه في...
** حياني توت عنخ أمون.. كان يجر عربة لنقل مومياءات مريضة .. أتعبها التفكير في أصل الأنواع.. كيف تبني شققا فاخرة في ضاحية الأبدية؟.. رأيت ضبابا يعوي في غابة مثل ذئب جريح.. رأيت ثيرانا تبكي بمرارة.. رأيت شجرة شقية تحمل تابوتا على كتفيها تركض فوق صخور مخيلتي.. تنادي كل عصفور باسمه.. وتحدق في وجهي...
شكرا أيتها الشمس لأنك حزنت معي هذا اليوم. لأنك تنامين أحيانا في بيتي مثل صديقة من الهنود الحمر. تأكلين كما هائلا من ظلال الغائبين. تدخلين وتخرجين على أطراف أصابعك. ولا تنادين أحدا غيري. لأنك حزنت معي هذا اليوم الأشيب. أخفيت وجهك في شال من الغيوم الداكنة. ودعوت الليل لينام على سرير العالم مثل...
*** إنتخبيني أيتها الفراشة.. من أجلك من أجلك فقط سأعين آذار وزيرا للبيئة. ليظل العالم أخضر على مدار السنة مكتظا بجمهور من الأزهار المضيئة. سأطرد الصقور القرمة خارج المملكة.. سأفرغ الثكنات من الجنود. وأبني على أنقاضها دارا للأوبرا.. وأكون أنا المايسترو الضرير الذي يقود أوركسترا السلام...
** لن أقتل ضحاياي أو أرشق شوكتي السامة في كواحلهم قبل أن يحمل العميان سرير النهار على أكتافهم ويحرسني وحش حجريّ يجلبه النّاطور من بيراميد الفراعنة... لن أقتل الخلاسيّة المطعّمة بهالات الماكياج قبل أن تشذّب أعشاب ابطيها وتربّي موجتين من الضحك بين زنديها فيما قدماها المقمرتان تركلان مؤخّرة الشمس...
غالبا ما أقف مسمرا أمام شجرة السرو العملاقة محدقا إلى الأعلى لساعات طوال. لم أك أبحث عن مصباح ديوجين. أو أنتظر ملاكا طيبا يمر من هنا مصادفة ليحمل بريدي إلى الله. أو لعلي أرى فلاسفة الريبة يقفزون من شباك الطائرة. أو روحا خيرة تنتظر لحظة التناسخ. كل هذا لا يهمني إطلاقا. أنا متجمد هنا منذ السنة...
غالبا ما أقف مسمرا أمام شجرة السرو العملاقة محدقا إلى الأعلى لساعات طوال. لم أك أبحث عن مصباح ديوجين. أو أنتظر ملاكا طيبا يمر من هنا مصادفة ليحمل بريدي إلى الله. أو لعلي أرى فلاسفة الريبة يقفزون من شباك الطائرة. أو روحا خيرة تنتظر لحظة التناسخ. كل هذا لا يهمني إطلاقا. أنا متجمد هنا منذ السنة...
*** المرأة التي كذبت علي طويلا. التي إمتلأ نهداها بنبيذ الذؤبان. برائحة البحارة والمفترسين بالوحل والرماد والضغينة. المرأة التي سرق الغراب بكارتها.. المرأة التي وضعت أعصابي في قفص من اليورانيوم. ثم فتحت النار على قطرس الوعي. ظلت مثل خبير في التشريح تقلب جثتي ذات اليمين وذات اليسار...
** أسخر كثيرا من مشية الغراب في كتب اللاهوت. أسخر من أسلحة العميان في الباحة المظلمة. من الأمس العالق في المرتفع الصخري. من حتميات الطبيعة البائسة. من الفلاسفة الذين ماتوا مختنقين بأحبال الأسئلة. من مؤخرة قائد الأوركسترا في مركب نوح. من كذبة الوجود الكبرى. من براهين الأنبياء الجدد. من جوهر الظل...

هذا الملف

نصوص
814
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى