محمد خضير

أقِفُ على باب المَخبز، وأنسى فُرنَ بيتي مُطفأً كجمرةٍ في موقد الدَّرويش، سائلِ ليلةِ الجمعة. أنسى أنّي وقفتُ طويلاً بلا أملٍ في الرجوع للبيت برغيفٍ ساخن أو "شنكة" عجينٍ مختمِر. المخبزُ قريب إلا أنّ الذكرى بعيدة. كنت صغيراً، نحيلاً كعصا الراعي؛ ورغيف الخبز أسمرُ كالوجوه حولي. أذكرُ أنّ...
يصعب الحديث عن "سعادات" القاص باسم الشريف، خارج نطاق اهتمامه اليومي بشقاء الآخرين وأحزان زمنه ومشكلات فنّه الذي يزاوله بجدّية تقرب من الصلاة. إنها مراحلُ متزامنة مع الكتابة والحياة اليومية المتقلبة بين الفرح والحزن، ومتوالية كتوالي نضوج التَّمر في الأعذاق والتهيؤ الموسمي لقصّه وتعبئته وتسويقه...
لطالما نظرنا للربيع فصلاً ليقظة الجسد قبل الشعور. صحوة الفكر بعد خمول القراطيس وعُطل المعاجم وفتنة التواريخ. ونستطيع أن نضيف الى هاتين اليقظتين، يقظة الطبيعة المتسيّدة صفحةً جديدة في كتاب الوباء الأسطوري. وليس في هذا الزفاف، المساق دورياً، غير استعادة محض من أجل استكمال أركان هويةٍ مُضعضَعة،...
(مشاركة مع محمد سهيل أحمد) على عكس "بيت" مهدي عيسى الصقر الفخم على "دجلة"، فإنّ عدسة الرحالة مدام ديلافوا تحتفظ بإطلالة هذا البيت الطينيّ الصغير على صفحة نهر بَصريّ canal، مغمورٍ بظلال السَّعف. بقيَ دجلة الكبير شاهداً على هجرة "الصقر" الى بغداد، ستينيات القرن الماضي، وعلى أحداثٍ عنيفة تلَت...
الروايات أربعة أصناف: روايات أحداثٍ كبيرة مثل "قصة مدينتين" لديكنز و"الحرب والسلام" لتولستوي و"أولاد حارتنا" لمحفوظ، ورواية أفكار كتبَها سارتر وكامو وتوماس مان وهاروكي موراكامي وكونديرا وبول أوستر، وروايات شخصيات مهيمنة نجد مثيلاتها في روايات كافكا، والنوع الرابع هو روايات تتوازن فيها الشخصيات...
طُرِحت في جلسة الاحتفاء بالروائي أحمد خلف_ ملتقى جيكور بالبصرة، مساء التاسع عشر من تموز_ آراء حول تأثر الجيل الستّيني بالفكر الوجودي السارتري. وكان الروائي خلف قد بادر الى ذلك الطرح، في إفادته عن تجربته التي تعفّرت برماد تلك الفترة القصيرة في سنيّها، الكبيرة في نتائجها ( ما بين ٦٣_ ١٩٦٨) حين...
في كتابي (حدائق الوجوه) جعلت البستانيَّ شخصيةً محورية يروي حكايات سبع حدائق منتظمة في تاريخ السرديات العالمية. فالحدائق أقدم ما تمثّلَه الفكرُ البشري لتأسيس مفاهيم مثل: الاتساق والانسجام والتناظر والبساطة والموسيقى والجمال. ومنها اخترع بستانيو العالم نظام مدينة الأرض الفاضلة،النظيرة لمدينة الله...
خارج أرض الأحياء، المشغولين بتفاصيل يومهم المضجرة، يسير موكبٌ صغير بأفرادهِ وهواجسه: قافلة متمهلة، باتجاه مجهول.. عن هذا الموكب المرسوم برؤية استشراقية، كتبتُ في تسعينيات الحصر والقهر، عن شطر من أشطار الصحراء المحيطة ببصرياثا. تسربت القافلةُ من لوحة للرسام الفرنسي جان ليون جيروم (١٨٢٤- ١٩٠٤)...
ليس سهلاً أن تتعامل مع موضوعات قديمة بأدوات فنية حديثة. فثمة تهيّب يقف وراء أشكال "السومريات" المجتلَبة من الماضي البعيد، وثمة تحديقة متسائلة تطل من العيون وتنفرش على مساحة الحاضر الملغومة بالاحتمالات والتغيرات المفاجئة. ولقد انتبه الفنان صبري المالكي الى هذه الإشكالية الموضوعية حين عنون معرضه...
ينعقد مجلسُ الحُكم في ميسوبتاميا، منذ زمن غير معروف، بأعضائه المؤبدين، خلف الزجاج السميك، المتّسخ بلمسات الجماهير الغاضبة، التي اعتادت محاصرة الموقع الرئاسيّ في خريف كل عام منذ عشرين عاماً. يتراءى أعضاء المجلس وهم يحكّون جِلودَهم المتقرّنة كلحاء شجرة معمَّرة، بمخالب أظفارهم المعقوفة، كان لقمان...
غالبا ما تسود نقدَنا الأدبي العربي مسحةٌ عامة تغفل عسفاً الانبثاقات النوعية التي تشقّ سبيلها بين الركام والحطام الاجتماعي والتاريخي والأيديدولوجي. فقد غطّت أعمال نجيب محفوظ المتفوقة (الثلاثية ونظائرها الكبرى في الأدب المصري) الأفقَ المتوسط للقرن العشرين أمام أعمال طليعية نامية في الصف الثاني...
"إلى فاضل سلطان" قطعَ رجلٌ ماشٍ مسافات طويلة، على الطريق الخارجية، قبل ان تلتقطه شاحنةُ بضائع من على طريق فرعية منخفضة، انحدرَ إليها بحلول الليل. راقب الرجلُ الماشي، عن بُعد، رتلَ السيّارات التي تشحن على سطوحها حاويات البضائع المطوّقة بمصابيح صغيرة وامضة؛ تتجاوزه الواحدة تلو الثانية. تنحّى...
كلّ حبلٍ ينقطع إلا حبلَ الأدب، إذ مهما شددناه عاد الى الارتخاء؛ ولا رخاءَ لحبلِ مَن تشتدُّ به الظنون وتوتِّر حسَّه الخطوب وتشغله مشكلاتُ الخطاب، من بين يديه، وعِبر نظَرِه، وخلفَه. كيف لا، والأدبُ ممارسةُ حياة، وسبيلُ سَفَر، من الداخل للخارج، ومن الخارج للداخل؛ وكان هذا الحبلُ دليلاً في متاهة...
(الأحلام ستظهر رغم أنفها ولن تفلت من اليقظة. سنلتقي بها خلسة) _ عبد الرحمن طهمازي_ تمرين على اليقين مهما كانت المواعيد محتّمة في حياة اليقظة، فإنّ لقاءات الآخِرة أهمّ وأكثر حتماً وصراحة. لم ألتقِ بِمن أحسَبُهم معلّمي "الجزيرة المفقودة"، أولئك المنفيّين من أروقة المدارس والمعاهد والأكاديميات...
على الجانب الآخر من مفكرات الكتابة وملاحظات الفن الخالصة، تنتظرنا مفكرات التجربة والحياة، خلاصات العمر ونحت وجوه الأيام، مفكرات ألبرتي ونيرودا وماركيز وباث وغاليانو وأخيرا ًساراماغو. وتبدو الإسبانية -اللاتينية أكثر تفصيلاً لعروق اليد وندوب الظهر والصدر، من الأوربية والأمريكية التي تنسج بذلات...

هذا الملف

نصوص
58
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى