مريم الأحمد

لو تركتَ الشجرة.. وحدها.. لرمتْ ثمارها أرضاً.. من تلقاء نفسها..!! لو تركتَ الناس يرحلون عنك..!! لخفّت أحمالك و لربما نبتت لك أجنحة..! لو أننا لم نستر قبحنا بالكلام و اقتلعنا تلك العضلة التي تحرق الحروف الغضة.. لما بدونا عاجزين كما نحن الآن. لكن " اليد القصيرة.." التي تشعل حروباً و تطفئ أعيناً...
لم أسبح في النهر.. و مع ذلك غرقت..! .. لست حفنة رمل.. كيف اختفيتُ إذاً في فجوة النسيان.. ؟ .. أنا مجرد جثة.. لماذا رصاص حزنك.. يؤلمني؟ .. كيف تناديني أمي.. " يااااا مرياااااااام!" كيف.. و قد حطم روحها الغياب؟ .. ظهرك يؤلمني.. هات أعباءك.. و خذ فراشات نومي. .. أورق.. و أورق في عينيك.. و لم يزرعني...
الأخبار العاجلة.. قمصاني المكوية بإتقان... و خواتمي العقيق.. ألبوم صوري.. حين كان عمري يوماً.. جميعها رحلت.. لبلادٍ أخرى... آفلة. .. ملامحي في صورة العائلة .. في بيتنا.. بيتنا الكبير بيتنا الفقير.. ما بها تعطس و تعطس.. سقوفاً مخلوعة.. و أوراماً قاتلة .! .. ذلك النهر الذي ادّخرت ماءه من العدم...
لم يكن في بيتي بطيخة.. و لم يقطع زوجي رأس القط بعد العرس. لم تتوحم أمي على بنت بيضاء كالثلج.. خدودها حمراء كدم الذبيحة.. عيونها سوداء كجانح خفاش.. فجئت صفراوية.. على شكل بطيخة.. كان لقبي.. بطيخة.. و لقب البنات في الحارة.. بطاطا.. وقت الركض.. كانت الفتيات أرشق .. وقت الجوع كنّ أشهى... .. على...
عندما أصبح في الثمانين.. سأتعلم التدخين.. حين.. لا أحد يحتاج قلبي.. لن أخشى عليه من التفحّم.. حين لا أحد يعنيه إذا ارتفع صدري بالهواء أو تراجع..! حين أفقد أسناني.. لن أخشى عليها من التصبّغ.. حين لا أهتم بلون شفتيّ السوداوين.. و لا المرارة اللاذعة على لساني.. قلتُ لنفسي سأدخن كثيراً.. في الليل...
أبي رجل قوي جداً.. حمل على ظهره أولاده الخمسة.. و " شوال" القمح.. و سكة الفلاحة المعوجة.. و عبر النهر. .. أمي ضعيفة جداً.. تخاف لمس الماء.. لم تمسك يد أبي.. بقيت في النهر.. وحدها. .. لايزال جدي.. يحاول إنقاذ الثور من الغرق.. قال.. اعبروا أنتم إلى الضفة الأخرى ازرعوا المدى قمحاً.. سأصل إليكم بعد...
لن يكونَ عندي كوخٌ ريفيٌ.. و لا شجرةُ صفصاف.. و لا ذراع ٌتلوّح لي بعد الموت.. .... لن يكونَ عندك أرض.. و لا وقتٌ أكثر.. لتحفر قبراً.. تدفن فيه الصفصاف.. و لا حبٌ.. تحيط ذراعي به.. كالسوار.. ...... لن يكون.. لدينا ما يكفي من خلايا حيّة.. لنتذكر بعضنا.. أو حتى شجر الصفصاف.. و نبكي. ..... لم أختر...

هذا الملف

نصوص
52
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى