علي بن مكشر - نحو المجهول (4)

الطريق التي سلكها رفاقي طردا ، أسلكها الان عكسا ... كان علينا ان نسافر ثلاثة أيام بلياليها دون توقف لقطع مسافة لا تزيد عن ستمائة و سبعين كيلو مترا . كانت أغاديس هي منتهى الطريق المعبدة و منتهاه ، تركتها تلتحف الغبار و ترتشف تيارات الهواء الساخنة بلا انقطاع ، و تحيي الليل على أنغام الطوارق ، و النسيم العليل ، و حكايات أهلها عن أحداثهم الصغيرة و المتكررة ، و ما زلت أذكر حكاية ذلك السارق الذي داهم ليلا بيتا لاحد معارفي ، قال : ركضت نحوه لأمسك به ، و كان السارق عاري النصف الاعلى ، و ضوء القمر ينعكس على جلده ، فكان يتلألأ ، أمسكت ذراعه ، انزلقت يدي بسهولة بالغة ، و قفز فوق الجدار ثم توارى في الأزقة المظلمة ... قال محدثي : احسست برطوبة في يدي ، اقتربت من ضوء في الغرفة ، فإذا بيدي يكسوها شحم السيارات ، فقد طلى ذلك السارق جسمه بالشحم حتى يصعب الامساك به.... مثل هذه الحكايات الطريفة لا تسمعها الا بافريقيا ، المبتسمة دائما ، المتجملة في الفاقة . .. كان اليوم يشارف على النهاية ، عندما أدينا فريضة المغرب في جامع ليبيا ، تعرف أحدهم على مرافقي ، و تجاذبا أطراف الحديث ، وإذا بصديقي يصفر وجهه ، و تتبدل سحنته و يمسكني من يدي ، ثم أردف وهو مسرع بي نحو الخارج :
الليلة ... يجب أن نغادر الليلة ، هيا بنا . لقد عرفت فيما بعد أنه مطلوب لجهة ما في النيجر و قد أخبره ذلك الرجل ، أنهم يلحون في طلبه و البحث عنه . الشاحنات التي تنقل كل شيء على طريقة الحمَّص و الزّبيب في بلادنا لها مربض على بضع كيلو مترات من أغاديس . .. لوازم السفر معلومة هناك ، اشترينا بيدونا للماء يسع عشرين لترا ، خيط عليه الخيش من كل جانب ليحافظ على شيء من البرودة في الماء يستاغ معها شربه ، و اشترينا كمية من البسكويت الذي و لشدة جفافه ، لا يمكن كسره بين الأسنان الا بعدغمسه في الماء ، و شيء من رديء التمر الذي لو قدمته للزوائل في نفزاوة لعافته .
خيم الظلام بأغاديس ، ودعناها دون كثير حنين ، ركبنا تاكسي لتوصلنا الى محطة الشاحنات ، و قبلها بأمتار سلمنا السائق لحاجز أمني . تقدمت منه لأعرفه بِنَا ، قاطعني قائلا : خمسة الاف ( حوالي خمسة عشرة دينارا تونسيا آنذاك ). نظرت الى رفيقي وقلت : ناوله خمسة الاف فرنك .
قصدنا المحطة القفراء ، تقدمنا من صاحب الشاحنة ، واحتراما لغربتنا ، اقترح علينا مقعدا جنب السائق وآخر فوق سطح قمرة القيادة ، و لان مرافقي أسن مني فقد عزمت عليه أن يستقل المقعد الأمامي مع السائق ، و بقي لي مكان السقف.

علي بن مكشر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى