المحجوب العياري - وهم

وهماً كانت تلك البسمةُ،
تلك الهمسةُ،
تلك الكلماتْ.
وهماً كان المشيُ على إيقاع الماء مساءً.
ورسائلُها كانت وهما،
ويداها.
كم كان ضَلالاً أنْ صدّقتُ يديها
وعزفتُ لنجمتها أحلى النّغماتْ.
وهماً كان الحلمُ، وما أملاه الصيف علينا والغيماتْ...
كم كان الصيفُ شفيفا
وكذلك كان الغيمُ
وكانت وهما سلمى...
* * *
من تفّاح الجنّة صيغتْ سلمى:
أنّى حلّت ماد الشّارع كالسّكران وسبّحت الشّجرات.
أنّى طلعت قطّعت النّسوة أيديهنّ وهمن عميقا في أودية لا تفضي...
كحديقة ضوء كانت سلمى:
فيها سحرُ الحور، عفاف البدو، قداسة راهبة...
فيها زهو الملكاتْ.
ولقد أدمنتُ مباهجها، حتى صارت بصري، سمعي... صارت كُلّي.
صرنا عند اللّيل نُيمّم شطر الحان خفافا.
محفوفين بعطر النشوة كناّ
نبحر عبر جزائر ضاحكةٍ.
* * *
أمس الفائت جاءتْ.
خلعت معطفها.
جلستْ وجلستُ قبالتها.
مرّ الليل، وسلمى تملأ كأسي،
وأنا أشرب كالمخطوف وتشرب حتّى أورق في قلبينا شجرٌ، واشتعلت أقمارْ.
طربتْ سلمى، فنقرتُ وقد أثقلني الوجدُ على دفّي.
كان النّقرُ خفيفا... رقصتْ سلمى.
صار النّقر صلاةً... سلمى صارت نهرا يجري
دمعا صار النقرُ... احتدم الرّقص...
انفرجت جدرانُ الحان على بُستانٍ يسطع منه الضّوءُ...
تبعتُ الضّوءَ فأنعش روحي ريحُ النّدّ، وعطرُ حشائشَ لا أعرفها وأنا ثملٌ، أصعد عبر مراقيَ لا أعرفها: تحتي غيمٌ... فوقي النجمُ، ودفّي يوغل بي في الضّوء، وسلمى ترقص، ترقص، والخُصُلاتُ السُّودُ تَماوَجُ حتّى غبتُ وغابتْ.
* * *
عند الفجر، أفقتُ على أوجاع في أوردتي...
كان الرّمل الباردُ يُسند جنبي.
أدكنَ كان الصّخرُ، ولا أصواتَ سوى الصّحراء، وطيفِ عُقابٍ بمخالبَ داميةٍ.
ظمئي، والتّيه، وباديةُ الصّبّار، فأين الحانُ؟ وأين الدّفُّ؟ وسلمى؟..
- هل يا باديةَ الصّبّار، سراباً كانت تلك البسمةُ، تلك الهمسةُ، تلك الكلماتْ.
- هل يا هذا الصّخرُ الأدكنُ، وهماً كان المشيُ على إيقاع الماء مساءً، وهما كان الحلمُ، وما أملاه الصّيفُ علينا، والغيماتْ؟..
- هل يا عُقبان البيدِ ضَلالاً، كان العزفُ لنجمتها، وضلالاً كان الرّقصُ، وبوحُ الشّجراتْ؟ !!
- ربِّ اشتبهتْ سُبُلي:
وهماً صرتُ،
ووهماً صار الوهمُ،
وكلُّ يقينٍ...
إلاّ سلمى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى