عماد حنا - الرجل الفلسطيني وزوجته الإسرائيلية.. قصة

في سيارته الشيروكي الضخمة كان يجوب شوارع بيت لحم هو وزوجته, وفي الكرسي الخلفي كان يجلس طفلهما الصغير إياد الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره, وكان أبو إياد يطرق البيوت بصورة عشوائية غير مميز أي بيت عن الآخر وكان يسأل سؤاله المعهود الى سيده الدار

- عفوا سيدتي .. هل عندكم طحين..

فتنظر اليه السيدة بلهفة وتقول

- كلا يا أبو اياد.. هل جئت ببعض الطحين لأسرتنا .. لقد نفذ الطحين من البيت تماما

- لحظة واحدة يا سيدتي

و يسرع ابو اياد الى سيارته ويتجه الى الباب الخلفي للسيارة ليخرج كيس من الطحين ويحمله الى السيدة الملهوفة ويعطيه لها ثم يرجع الى سيارته ويكمل هو سيره ترافقه دعوات السيدة التي وجدت حاجتها وحاجة أسرتها لأيام قليلة.

* * *

بيت لحم.. ذلك المكان الذي أصبح لا يحمل معناه بعد الظروف القاسية التي يواجهها المكان من الحصار الاسرائيلي لأهله حتى صار المكان كما لو كان فيه مجاعة .. ذلك المكان الذي معنى اسمه بيت الخبز لم يعد فيه أي شئ. غير الخراب والخوف الرهيب من الغد القريب..

أما أبو اياد هذا فقد كان الوقت قريب أحد التجار الأغنياء جدا في فلسطين العربية وكان يعيش في غزة ومتزوج من سيدة عربية ناصرية ولها جواز سفر اسرائيلي نتيجة لمعيشتها في الجزء الذي يخص اسرائيل من فلسطين. وعندما قامت انتفاضة الاقصى واجه أبو اياد مثله مثل غيره من الشعب كل المحن .. وواجه صعوبة في العيش وفي التجارة..ولكن الذي أرقه فعلا هو أنه وجد في كل بيت في بلدته ميت شاب أو طفل بسبب أعمال العنف الاسرائيلي أو الأعمال الانتحارية من الشباب الفلسطيني لكي يعبروا عن رغبتهم الرهيبة في تحرير بلادهم . كل هذا تسبب في أزمة نفسية شديدة لأبو إياد وأراد أن يشارك بلدته في شئ يعبر عن كفاحه وجهاده ضد العدو الاسرائيلي . و لكن لم يكن أبو اياد ممن يؤمنون بالانتحار في سبيل القضية ، ولم يكن يؤيد فكرة أن يفجر شباب في عمر الزهور انفسهم في سبيل أن يقتلوا جندي أو اثنين من جنود الاحتلال.. ولكنه أيضا كان مؤمن بقضيته تمام الايمان.. وكان يريد لها ان تحل بأسرع وقت, وكان يحزن كثيرا لأجل البيوت التي تنفذ منها موارد الطعام فكان يكرس نفسه ووقته في توفير الطحين والاحتياجات الأخرى الضرورية للبيوت.. ففكر أنه يمكن أن يخدم بلدته بهذا الاسلوب اذ أراد أن يقدم ثروته في سبيل الأسر المحتاجة والتي ينفذ منها الطعام .. فقد كان يذهب مرة الى الاردن ومرة الى مصر يجمع التبرعات العينية كلما قدر وأيضا يشترى تلك الاحتياجات التي لا يستطيع توفيرها من خلال التبرعات ويأتي بها الى بلاده ويجوب القرى والمدن محاولا تقديم المساعدات.

* * *

كانت هذه هي رسالته التي فيها يحاول أن يساعد بلده، وعندما قيل له أن بيت لحم تعاني من المجاعة وجه سيارته اليها بسرعة.. ومعها ما تيسر من المؤن .. وعندما انتهى من توزيع بضاعته الى البيوت المحتاجة نظر الى الخلف ليجد سيارته بها مزيد من الاشياء التي يمكن أن توزع فنظر الى زوجته وفكر قليلا ثم قال

لنتجه الى القدس

قالها الى زوجته التي نظرت اليه في خوف وقالت له

- هذا خطر كبير يا أبو اياد

- لا تخافي .. سندخل ونخرج بسرعة لابد أنه يوجد كثيرون يحتاجون الى الخبز

- ربنا يستر

* * *

اتجه الرجل الى طريق القدس و كان يقود سيارته وهو يتحدث مع زوجته بينما كان ينبعث من جهاز التسجيل صوت فيروز وهي تغني أغنيتها الشهيرة (القدس لنا ) .. بينما كان الطفل إياد يلهوا بلعبة كان قد ابتاعها من مصر في زيارته الأخيرة .. وسارت السيارة في طريقها الى القدس حتى اوقفتها دورية من البوليس الاسرائيلي..

تنزل الزوجة من السيارة . يتحدث لها الجندي بغلظة وهو يعبث ببندقية آلية

- أوراقك

تخرج السيدة اوراقها وجوازها الاسرائيلي.. فينظر الرجل الى الجواز دون أن تتبدل ملامح الغضب ويبدوا انه يسمع صوت فيروز من داخل السيارة فيسترسل

- أوراق الرجل الذي معك

- هذا زوجي .. وهذا طفلنا

يتجه بالنظر اليه .. ثم يقول له

- انزل من السيارة

يهبط ابو اياد من السيارة .. ويتجه الى سيارة الدورية هو وزوجته فيقول له الشرطي

- اوراقك

- تفضل

- لماذا أنت هنا

هذه زوجتي ونحن في زيارة لأقرباؤنا في بيت لحم

- زيارة أم توزعون طعام

- نوزع طعام للمحتاج.. هل هناك قانون يمنع هذا؟

نظر الرجل وقال

- انت أحد الارهابينن .. اليس كذلك .. ؟ تعال معنا

- أنا لم أحمل سلاح في حياتي . وأنا أقدم معونة للسيدات المحتاجة والتي مات شبابها واقاربهم

- اذا انت تساعد هؤلاء الارهابيون, وأنت فلسطيني وجئت الى ارض لا يحق لك الدخول فيها و ...

* * *

كان اياد لا يزال مشغولا باللعب عندما سمع ذلك الصوت الرهيب .. صوت مدفع رشاش ينطلق .. وبعض الرصاص يصيب جسم السيارة فيتجه المسكين بنظرة الى ناحية الصوت .. ليجد ابوه وامه وهم غارقين في الدماء فيصرخ في الم مرير

ابي ... امي

وفي نفس الوقت كانت فيروز تغني

الطفل في المغارة وامه مريم وجهان يبكيان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى