كاهنة عباس - بما يوحي اللون الوردي ؟

سمّي اللّون الورديّ اشتقاقا من اسم الورد، وهو لون فاتح يوحي بالجمال والنضارة ،
لذلك كان مصدر إيحاء بأكثر من معنى مثل : الحب ، الحياة ، الرقة ،الهشاشة والبراءة.
فالعالم الوردي غالبا ما يولد في لحظة جمال ومحبة، لم يعرف بعد ويلات الدمار والعنف و الفناء ، لذلك ما انفك يتسم بالبراءة.
هو رمز للحب الذي لا يقرأ الخيبة ،الفشل واللامبالاة، فإن أدركها نفى وجودها ،تلك هي إحدى العناوين الدالة على بطولته في أكثر من رواية وحكاية .
و هو كما هو معلوم ، رمز الصبا الجاهل بسنن الزوال والانحدار ،لا يتوقع الخيانة والغدر ، حالم متألق ، مستغرق في وهمه لا يصحو منه أبدا ، لذلك يعز عليه رؤية الهزيمة بعد أن أوغل في بحار وجده دون تحفظ ولا روية .
ومع ذلك، فالوردي وليد الأحمر القاني، لون الدم والعنف ولون الشوق، مع اختلاطه بالأبيض لون الموت والحياد والغياب و لون الطهر، أي أنه منذ البداية، سليل لونين نقيضين.
من هذه الزاوية، أي زاوية مزيج الألوان، يبدو الوردي درامي المنشأ ،لانتمائه إلى العالمين العالم الواقعي والعالم الوهمي ، العالم المحسوس والعالم المتخيل ، عالم العنف والجريمة وعالم الفناء والطهر ،لذلك كتب عليه أن لا يعيش طويلا لأن لقاءهما عابر ، غير متأصل ، لصعوبة استمراريته .
فغالبا ما يكون الوردي لحظة صفاء ، لحظة ولادة يلفظها الفجر خلال ساعاته الأولى ، أو لحظة تحول نلمحها عند المغرب قبل انطفاء النور وقدوم الليل .
الوردي إذا، لحظة تنفلت من صيرورة الفناء لتبعث صورة لحلم ما ، وهم ما ، انتظار ما ،
لذلك كان لونا مكتملا ممتلئا بجماله وزهوه، وفي نفس الآن غير مكتمل مادام قابلا إلى أن يتحول إلى لون آخر،إنه لون نادر لا تحمله سوى الكائنات ذات العمر القصير ، إذ تجسده لحظة منفلتة من الفناء ترنو إلى الكمال ، ممتلئة بزهوها ، لم تدرك الأسى ولا الألم .
لون سماوي ،لن يناله التعفن ولا الانحلال، يغيب بين الأفق أو يتبخر بين السحب كلما اضمحل ، لون طفولي لم يمتزج بعد بالغبار .
ولأن الأصل فيه هو البياض الناصع قبل أن يشوبه اللون الأحمر، فهو يذكر بأول دهشة وأول فرحة وأول محبة وأول رقصة وأول قصيدة ،و يذكر أيضا بالحلم بذلك البلد البعيد الذي لم نزره بعد ، وبالبحر قبل هجرة الأحبة، وبقسوة الشتاء وعويل الرياح كلما هدأت من روعها النيران المتـأججة.
لذلك ضاقت الأرض بالوردي، ضاقت به ذرعا فلم تسعه أمكنتها رياضا كانت أم أجنة ، حدائق أم حقولا أم غابات ، لأنه لا يتحمل حركة العالم وضجته .
فإذا ما فاجأكم الوردي بجماله الأخاذ، كونوا أكثر رحمة بالعالم ،كونوا أكثر رأفة بكل ما هو هش ورهيف ، مثل الطيور ، والزهور باختلاف ألوانها ، والضباب والندى والثلوج وحتى بالماء : أصل الحياة . لا تنسوا أن الهشاشة هي أصل الموجودات من المولد حتى الممات ، لأنها علامة تنبئ بزوالها بين الفينة والأخرى .


كاهنة عباس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى