ما كان عليك أن تغيرى طريقك ، وتدخلى من شارع جانبى ، وتعرضي نفسك هكذا لغزل صفيق من سائق تاكسي ، يخرج رأسه من النافذة ويقول .. العب يا ملعب .. يعض شفتيه ويكسر عليك ناحية اليمين ، هكذا اضطرارك لصعود الرصيف يجئ قسراً ، فيما تكاد رجفتك تسقط طفلك الذي علي صدرك .
ما لعينيك لا تقولان كل شئ ، ألم يكن الظلام فسيحاً لنا ، ولغة لا نخطئ هجاءها وثياباً لا تخفي رجفتنا الأولي ، قلت ، جسدك أثقل من روحى علي فنزول النهر ليس بالهين ، فلا تفزعك تكة ترباس الباب ، ووقع خطوات النازل على السلم في رحبة الظلام.
خبيئة الرب النور في شفتيك فقاسمينى السر ، وانطقي بكلامى ولا تقولى أبداً .. روحى متضايقة .. ولاتفري من بين يدى فتمزقي حرير الخيط الذى شدنا ، فيحط طائرك المبلل بارتجافك ، لا تخافى ، أنا أعرف خطوات المعلم جرجس ، وأميزها بين كل سكان البيت ، ثقيلة ومترنحة ، وهو يطأ الدرج بجسمه الضخم ، طاوياً جلبابه الفضفاض بيد ، وبالأخري يعتمد الدرابزين ويزحف بكفه عليه ، فتحدث خواتمه الثلاثة الفضية الكبيرة صريراً يقشعر له بدن أمى ، فيضحك عليها أبى ويقول .. المعلم جرسة .
ولا هذا صوت باب شقتكم ، فكيف لاتدركين هذا ، والنازل ـ علي أية حال ـ غريب لا طقوس له ، وما كان صعودك الا قسراً ، فليس بد من أن نختبئ في بئر السلم حتى يمر ، وليس بد من أن يدق قلبك ، يدق .. يدق ، حتى أضع كفي علي نهدك فينام ، فهل كان لازماً أن تذهبي إلى الكنيسة يوم الأحد هذا ؟
قالت ..روحى متضايقة .
أقسم .. جسدك أثقل على من روحى ، فأبق طريقاً بيننا ، ولا تبالى بأمك ، دعيها تشغل شالها الأسود الذى لا ينتهى ، تعده لجنائز الكنيسة التى لا تنتهى ، فلا أظن أنها رأتنا ونحن نخفق بعنف وراء ستار الكريتون ، فالنور يعشي عينيها ، والظلام لا يشف إلا لنا ، وبيننا وبينها ستار ، يفصل بين نصفي الصالة الواسعة لنا ، أنا وأنت ، وأمك فوق كنبتها هناك ممدودة الساقين ، وبطانية قديمة لا تفارقها ، والتليفزيون خفيض الصوت جداً ، يعكس ضوءه الأبيض والأسود في إيقاع غير منتظم ، ويلتمع في بؤر الانحناءات العتيقة لسطح نظارتها السميك ، ولو كانت تستطيع أن تشوف لأبعد من إبرتي الغزل لشافت أقدامنا تلتصق ، وتفرك الواحدة الأخرى ، ونصطفق ، فالستار ، صحيح لا يشف ، لكنه قصير قدر هكذا ، فلا تقولى ..روحى متضايقة .. فما بيننا ، لغة لا نخطئ الهجاء فيها .
قالت ..إن اسمه عادل ، وإنه حاصل على دبلوم تجارة ، وإنه زميل زوج أختها عايدة .. قالت .. قصير وأبيض وبنظارة .. مشي معايا مرة واحدة .. من سانت تريزا لبيت أختى عايدة .. وقالت إنه لم يصعد معها .
هذه النار ليست صناعتنا ، وليست كحرق بعرض سكين ، فكيف تدمرين جسدك هكذا وتقولين .. روحى متضايقة ؟
أمى هى التى اقترحت أن تساعديها في حياكة ملابس الناس ، أمى هذه تقتلنى ، تحرضك لترمى الكتب ، تغريك بالفساتين الجديدة ، وبولد من سنك ، وأمك أقسم أنها .. أو على الأقل .. حتى لا أكون كاذباً .. أحست خفقنا وراء الستار وتشاغلت عنا بشالها الأسود ،ثم أنت .. أنت أيضاً ، عشقت صوت ماكينة الخياطة ، وملمس القماش الجديد ، ورائحة ملابسي الداخلية .
قالت .. حطيت ثلاث شمعات ، واحدة لى وواحدة لعادل ، وواحدة لك، مع أنى أحياناً .. أنا الذى أكفكف انفلات شعرك ، وأحس به خصلات طويلة وناعمة ، تنزلق في كفي ، أعيدها فتنزلق ، وتلامس رأس الماكينة وتخر عسلية على كتفيك وجيدك الحليب ، تخايل ذهب القرط المدلى ، فأقبلك هنا ، هنا بالضبط ، فيهش الشعر على وجهى وتميلين برأسك وتضمين كتفك إليه ، .. جتتى مش خالصة .
ـ أتحبين عادل .. أتحبينه حقاً ؟
ـ الإضاءة ضعيفة هنا .
الحقيقة أن الماكينة كانت تدور ، وسن الإبرة ينغرس في القماش الجديد ويخرج ، ويرمى وراءه مزيداً من الغرزات الصغيرة ، كسرب النمل كلما حادت عن طريق خط لها تعود ، تقولين خياطة الحرير هكذا .. صعبة .. قبلينى إذن قبلة المساء الأخيرة ، فمن يلامس الحروق القديمة لا تخيفه شمعة أو لا تتسللى مرة أخرى إلى حجرتى ، ولا تتشممى ملابسى المعدة للغسيل .. ثم انى أحذرك .. عندما تجلسين علي ماكينة الخياطة لا تدعى شعرك ينفلت و لا تدعى فستانك ينحسر فوق ركبتيك فجسدك أثقل من روحى على ، وإذا قال السائق عبارة مكشوفة في طريق جانبى . فحاذرى أن يسقط ابنك من فوق صدرك أو تخطئى تقدير ارتفاع الرصيف .
* منقول عن موقع:
سيد الوكيل
ما لعينيك لا تقولان كل شئ ، ألم يكن الظلام فسيحاً لنا ، ولغة لا نخطئ هجاءها وثياباً لا تخفي رجفتنا الأولي ، قلت ، جسدك أثقل من روحى علي فنزول النهر ليس بالهين ، فلا تفزعك تكة ترباس الباب ، ووقع خطوات النازل على السلم في رحبة الظلام.
خبيئة الرب النور في شفتيك فقاسمينى السر ، وانطقي بكلامى ولا تقولى أبداً .. روحى متضايقة .. ولاتفري من بين يدى فتمزقي حرير الخيط الذى شدنا ، فيحط طائرك المبلل بارتجافك ، لا تخافى ، أنا أعرف خطوات المعلم جرجس ، وأميزها بين كل سكان البيت ، ثقيلة ومترنحة ، وهو يطأ الدرج بجسمه الضخم ، طاوياً جلبابه الفضفاض بيد ، وبالأخري يعتمد الدرابزين ويزحف بكفه عليه ، فتحدث خواتمه الثلاثة الفضية الكبيرة صريراً يقشعر له بدن أمى ، فيضحك عليها أبى ويقول .. المعلم جرسة .
ولا هذا صوت باب شقتكم ، فكيف لاتدركين هذا ، والنازل ـ علي أية حال ـ غريب لا طقوس له ، وما كان صعودك الا قسراً ، فليس بد من أن نختبئ في بئر السلم حتى يمر ، وليس بد من أن يدق قلبك ، يدق .. يدق ، حتى أضع كفي علي نهدك فينام ، فهل كان لازماً أن تذهبي إلى الكنيسة يوم الأحد هذا ؟
قالت ..روحى متضايقة .
أقسم .. جسدك أثقل على من روحى ، فأبق طريقاً بيننا ، ولا تبالى بأمك ، دعيها تشغل شالها الأسود الذى لا ينتهى ، تعده لجنائز الكنيسة التى لا تنتهى ، فلا أظن أنها رأتنا ونحن نخفق بعنف وراء ستار الكريتون ، فالنور يعشي عينيها ، والظلام لا يشف إلا لنا ، وبيننا وبينها ستار ، يفصل بين نصفي الصالة الواسعة لنا ، أنا وأنت ، وأمك فوق كنبتها هناك ممدودة الساقين ، وبطانية قديمة لا تفارقها ، والتليفزيون خفيض الصوت جداً ، يعكس ضوءه الأبيض والأسود في إيقاع غير منتظم ، ويلتمع في بؤر الانحناءات العتيقة لسطح نظارتها السميك ، ولو كانت تستطيع أن تشوف لأبعد من إبرتي الغزل لشافت أقدامنا تلتصق ، وتفرك الواحدة الأخرى ، ونصطفق ، فالستار ، صحيح لا يشف ، لكنه قصير قدر هكذا ، فلا تقولى ..روحى متضايقة .. فما بيننا ، لغة لا نخطئ الهجاء فيها .
قالت ..إن اسمه عادل ، وإنه حاصل على دبلوم تجارة ، وإنه زميل زوج أختها عايدة .. قالت .. قصير وأبيض وبنظارة .. مشي معايا مرة واحدة .. من سانت تريزا لبيت أختى عايدة .. وقالت إنه لم يصعد معها .
هذه النار ليست صناعتنا ، وليست كحرق بعرض سكين ، فكيف تدمرين جسدك هكذا وتقولين .. روحى متضايقة ؟
أمى هى التى اقترحت أن تساعديها في حياكة ملابس الناس ، أمى هذه تقتلنى ، تحرضك لترمى الكتب ، تغريك بالفساتين الجديدة ، وبولد من سنك ، وأمك أقسم أنها .. أو على الأقل .. حتى لا أكون كاذباً .. أحست خفقنا وراء الستار وتشاغلت عنا بشالها الأسود ،ثم أنت .. أنت أيضاً ، عشقت صوت ماكينة الخياطة ، وملمس القماش الجديد ، ورائحة ملابسي الداخلية .
قالت .. حطيت ثلاث شمعات ، واحدة لى وواحدة لعادل ، وواحدة لك، مع أنى أحياناً .. أنا الذى أكفكف انفلات شعرك ، وأحس به خصلات طويلة وناعمة ، تنزلق في كفي ، أعيدها فتنزلق ، وتلامس رأس الماكينة وتخر عسلية على كتفيك وجيدك الحليب ، تخايل ذهب القرط المدلى ، فأقبلك هنا ، هنا بالضبط ، فيهش الشعر على وجهى وتميلين برأسك وتضمين كتفك إليه ، .. جتتى مش خالصة .
ـ أتحبين عادل .. أتحبينه حقاً ؟
ـ الإضاءة ضعيفة هنا .
الحقيقة أن الماكينة كانت تدور ، وسن الإبرة ينغرس في القماش الجديد ويخرج ، ويرمى وراءه مزيداً من الغرزات الصغيرة ، كسرب النمل كلما حادت عن طريق خط لها تعود ، تقولين خياطة الحرير هكذا .. صعبة .. قبلينى إذن قبلة المساء الأخيرة ، فمن يلامس الحروق القديمة لا تخيفه شمعة أو لا تتسللى مرة أخرى إلى حجرتى ، ولا تتشممى ملابسى المعدة للغسيل .. ثم انى أحذرك .. عندما تجلسين علي ماكينة الخياطة لا تدعى شعرك ينفلت و لا تدعى فستانك ينحسر فوق ركبتيك فجسدك أثقل من روحى على ، وإذا قال السائق عبارة مكشوفة في طريق جانبى . فحاذرى أن يسقط ابنك من فوق صدرك أو تخطئى تقدير ارتفاع الرصيف .
* منقول عن موقع:
سيد الوكيل