شهادات خاصة جعفر الديري - جبر علوان: الفكرة التي تراودني دائما الانسان بحياته وهمومه ومشكلاته.. فن تشكيلي

لا يكفي أبدا وأنت تتأمل في أعمال جبر علوان أن تقرأها كلوحة وحيدة مقطوعة النسب ببقية لوحاته الأخرى. ذلك أن لجبر علوان رؤية عامة تحيط بجميع أعماله. كونها من خلال التزاوج بين حضارة سومرية عريقة وحضارة غربية منفتحة على كل جميل ورائع. فهو العراقي الذي نشأ في العراق واستقى من بابل وهو العراقي الذي استقر في روما - منبع الفن بحسب ما يصف - زهاء الثلاثين عاما.
وهو من خلال ذلك التاريخ الذي ورثه عن أجداده والذي أكسبه الالمام بالرسم ومن خلال دراسته الحثيثة للمجتمع الروماني استطاع أن يجرد الانسان وأن يكون رؤيته الخاصة المتعلقة بهذا الكائن البشري المغلوب على أمره. وهو في هذا اللقاء - الذي تشيع بين جوانبه رائحة الانسان بهمومه وأوجاعه وصوره - الفنان الجريء الذي لا يقف عند حد في تصوراته ورسومه. تجري "الوسط" معه هذا اللقاء على هامش معرضه الشخصي المقام في صالة الرواق، ليأخذ بنا علوان الى مناطقه الرحبة التي استطاع من خلالها أن يتواصل مع الناس. نفرد هنا اللقاء...
* إن لكل فنان مفتاحا أو مدخلا نستطيع الولوج اليه من خلاله، فما مفتاح الدخول الى تجربة جبر علوان؟ وما الفكرة التي تسيطر عليه في مجمل أعماله؟
- إن الفكرة التي تراودني دائما هي الانسان بحياته وهمومه ومشكلاته، والانسان كشكل هو شكل واحد سواء كان في الوطن العربي أو في ايطاليا التي أعيش فيها، لكن الاختلاف يتجسد في حالات الانسان الذي يعيش في أماكن مختلفة بطبيعة الجو الذي يعيش فيه والوضع الاجتماعي. فالاختلاف هنا في الحال والدراما التي يعيشها الانسان. فالانسان لايزال يشغلني لأن البحث في الانسان هو بحث في محيط عميق، لذلك تجدني عندما أتناول في لوحاتي المرأة الغربية والمرأة العربية أجرد حتى الشكل الفلكلوري للمرأة فلا ألبس المرأة لباسا هنديا مثلا حتى يقال إنها هندية أو ملابس غربية ليقال إنها غربية. ولكن أجد أن هناك اختلافا لاشك بين تلك المرأة وهذه المرأة عند التناول حتى في هذا المعرض، اذ تجد أن هموم المرأة الشرقية تختلف عن هموم المرأة الأوروبية التي تعيش وسط حاله معاصرة لها لون جميل تستطيع من خلال استعراض حالها وروحها في عدة مجالات، بينما المرأة الشرقية لاتزال تعيش في مجتمع يقسو عليها فتكاد لذلك أن تنسى نفسها لتدور في معمعة الوضع الاجتماعي.

البحث عن طبيعة الشكل

* هناك ما يشبه التوقيع على ألوان لوحاتك، فما حكاية الألوان التي تميز بها جبر علوان؟ وهل للألوان بعد نفسي قادر على استثارة ريشتك؟
- عند تناولي موضوعا ما في لوحاتي أتناوله بالمواد الكلاسيكية، ولكن من المفترض على الفنان أن يقوم بالبحث عن طبيعة الشكل عن طريق سيكلوجية الموضوع الذي يريد تناوله. لذلك عندما أحاول الدخول الى سيكلوجية الشخص وحالاته النفسية أتناولها بمادة لونية تختلف من حال الى أخرى. لذلك فاللون هو مطور للوحة وقادر على اضفاء لون داخلي اضافة الى قدرته على التحدث عن الحال التي أحاول رسمها. وهناك طبعا الكثير من مدارس اللون فلست أول من استخدمها ولكن حاولت أن أعطي الألوان سمة يجد فيها الناقد الأوروبي روحا شرقية عن طريق طبيعة استعمال اللون وخلق تناقضات فيه.

"ايروتيكا" تجربة ناجحة

* لقد سبق لك المشاركة مع الشاعر سعدي يوسف في اصدار مجلد خاص بعنوان "ايروتيكا" يضم قصائد ورسوما خاصة بالجسد البشري وتجلياته، فما قراءتك لهذه التجربة؟
- أعتقد أن بعض الفنون أو غالبيتها يمكن أن تتداخل فيما بينها لتتناول موضوعا محددا. وهذا الموضوع ليس جديدا، ولكن طبيعة الموضوع قد تكون جديدة، فموضوع الايروتيكا موجود في حياتنا وواقعنا وفي يومياتنا، ولكن لم يتم تناوله في موضوع فني بحت. فكانت التجربة جريئة وجديدة في هذا العصر ولكن الفن التشكيلي كان قد تناولها سواء في أوروبا أو في العالم العربي حتى على مستوى الشعر، اذ تناولها أبونواس من قبل في العصر العباسي وغيره من الشعراء، لكن الشعر الحديث لم يتناولها لذلك وجدها البعض جديدة لأنها طرحت الآن ولأنها ارتبطت بالعالم العربي الذي يعيش فيه المواطن العربي الكبت المسئول عن كثير من عقدنا، لذلك أعتقد أنها كانت تجربة ناجحة على رغم المنع الذي تعرض له الكتاب.

تدريب عملي

* تقول في احدى اللقاءات إن ايطاليا هي أقرب البلدان الأوروبية الى روحك والى روح الفنان الشرقي، فقد كانت ومازالت مزارا للفنانين العالميين، لأن لها سحرها الخاص، وكثيرون هم الذين استقروا فيها بعد زياراتهم الأولى لها، فهل لايزال رأيك فيها كما هو؟
- لقد كنت متتلمذا في العراق على أيدي أساتذة درسوا في ايطاليا وعادوا الى بغداد فلما ذهبت الى ايطاليا وكنت شابا لا أتجاوز العشرين عاما وجدتها منبعا للفن، وخصوصا بعد أن قال لي الأساتذة في روما إنني مبني بناء أكاديميا جيدا وأشاروا علي بالتعلم عن طريق دراسة المجتمع الايطالي الذي هو المدرسة الأساسية وليس الأكاديمية الرسمية، إذ إنه بعد ذلك ومع مرور الزمن والمتابعة الطويلة اكتشفت أن روما فعلا هي منبع للفن الحقيقي لأن روما مدينة عمرها ألفا عام. حتى أن شوارعها عبارة عن متحف فتاريخ الفن يكون أمامك وأنت تسير في الشارع. من المعمار الى طريقة استعراض الملابس الى الكنائس والمسارح والسينما. لذلك استفدت الى جانب استفادتي من مدارس روما وتاريخها القديم والعريق من الحركات الجديدة التي كانت في الستينات والسبعينات ومن البيناليات التي تقام في فينيسيا ومن المعارض العالمية، فكانت ايطاليا منبعا أجد من الضروري لكل فنان عربي أن يشرب منه وأن يستقر فيه فترة من عمره ليكون قادرا على ملاحظة الفرق بين الفن هناك والفن في بلداننا العربية مع ضعف المتاحف والحركة التشكيلية لدينا.

* هناك كتاب صدر عنك باللغة الايطالية، فكيف ترى تجربة الكتابة عن فنان عربي في الغرب؟
- ليس من السهولة أن يحظى فنان عربي بفرصة الكتابة عنه في أوروبا لذلك تجد قلة من الناس استطاعوا ذلك بسبب الظروف والاعلام وبسبب غياب المؤسسات الثقافية العربية في الغرب، لذلك لايزال الاعلام هناك يتصورنا بدوا ولاتزال صورة العربي عندهم أنه ذلك الذي يركب السيارة الفارهة ويتزوج عشرين امراة فهو لا يعرف معنى الفن ولا يعرف معنى الثقافة. لذلك نحن واجهنا ولانزال نواجه حتى اليوم عقبات كبيرة استطعنا أن نتخطاها بنشاط كبير وبمتابعتنا لأعمالنا وبعلاقاتنا اليومية بفنانين ومبدعين ومثقفين أوروبيين. وأنا أعتقد أن الفن العربي هو سفير للوطن العربي لأنه قادر فعلا على التأثير في المثقفين والكتاب أكثر مما تؤثر أية مؤسسة عربية أخرى. فالدخول بعمق في المجتمع الأوروبي وليس بشكل سطحي في القاعدة الثقافية يتيح لك مجالا لرؤية أعمالك وعندما يشاهدونها ينفتح لك مجال لدخولها للغاليرات والمتاحف، لكن من حظي بذلك هم قليلون جدا ويمكن أن تعدهم على أصابع اليد الواحدة.

نحن محرضون

* وهل استطاع جيلكم من الفنانين أن يغير في نظرة الوسط الفني الثقافي في ايطاليا الى التجربة الفنية في العالم العربي؟
- كتغيير كامل، لم يتسن لنا ذلك. وإنما نستطيع القول عن أنفسنا إننا محرضون. فعندما يشاهدك الغربي وأنت فنان عربي قادر على الرسم وعلى التحدث بلغة راقية فإن ذلك يجعل الأوروبي يلتفت الى ما يحدث في الوطن العربي والى تغيير نظرته له كعالم متخلف وبورة للارهاب. فنحن من خلال اندماجنا في الوسط الثقافي والسياسي استطعنا أن نكون بمثابة المرجع للكثير من الاعلاميين الذين يستشيروننا في الكثير من الاستضافات والندوات.
علوان: لايزال الغرب يرانا بدوا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى