محسن ناصر الكناني - صبي النهر.. قصة قصيرة

اعتاد الصبي نهار كل يوم ، أن يكحل عينيه برؤية النهر ، وطيوره التي تنتشر على سطحه ، والصيادين الذين ينثرون ضحكاتهم غبّ صيد وفير .أما اليوم فقد وجد النهر منبسطا، عريضا ، تنعكس على سطحه ، شمس دافئة ، وتظلله باسقات النخل . نشر شباكه مع الصيادين المهرة ، و اصطاد سمكة ، تشمّمها فرحا ، مع رائحة السعد البرية العالقة بالشباك ، رائحة بطن النهر المليئة بالغرين .
- اليوم نتغذى بسمكة الصبي الماهر الشجاع ، قال الأب .
تحلقوا حول المائدة ؛ سمك مسكوف ، خبز تنور حار ، راس بصل حار يابس .
بعد المائدة همس في أذن أبيه :
- ان زوجتك لا تعطينا الخبز ، وأخي يذهب إلى المدرسة جائعاً .
رد الأب :
- وماذا تقول زوجتي .؟
- تقول :
- عوووع ..عوووع .. بوجه عابس .
وكانت عملية الرحيل في اليوم التالي رد فعل عنيف . رغب الصبي أن يرحل مع أبيه ، لكن اباه ردّه بحجة أن شمس النهار محرقة . وقدم له سمكة حيّة ، ملونة ، وأمره أن يوّدعها في برميل ماء ، حتى يعود مرة آخري .تحرك قارب الرجال فـ تعالى بكاء الصبي وانهمرت دموعه ، تّتسع المسافة بينه وبين أبيه ، مسافة نهرٍ عريض عميق . وكلما يبتعد القارب تتسع عينا الأب ، ثم تضيق محدقة بالصبي الذي يتعالى بكاؤه ، وتنهمر دموعه .
- قال أحد الصيادين :
- هل ادركت فعلتك بالصبي تعطيه سمكة يودعها برميل ماء ؟!
يبتعد القارب وتتسع الهوة ، هوة نهر عريض عميق ، تغلي مياهه تحت شمس محرقة . الصبي والأب يكابدان و يصرعهما الألم ، والرجال واجمون يحترقون حزنا .لم يعد النهر أمام الصبي منبسطاً ، بل وجده عاصفاً ، هادراً ، حجب غابة النخيل ، وغيّب طيور النهر وغابت ضحكات الصيادين .اشتدت العاصفة فلمْلم الصيادون شباكهم فابتلعت العاصفة القارب ، والصبي وحيد على الشاطئ ، وحيد يكابد ويصطرع داخله ، ويطحنه الألم ، ويتعالى بكاؤه ، وتنهمر دموعه .لم يتمالك الصبي نفسه ، إذ القى السمكة الصغيرة الحيّة ، في النهرِ الصاخب العاصف العميق .

تموز 2018
----------
:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى