المقاهي علي عبد الأمير - المقاهي الأدبية في العراق..

حين لم يكن العراق حتى الثلث الأول من القرن الفائت، ينطوي على حياة اكاديمية معاصرة ولا مؤسسات ثقافية حقيقية، كان كتابه ومثقفوه وادباؤه يجدون في المقاهي فضلا عن مباني الصحف منابر اللقاء والبحث والمراجعة والفحص والتداول، حتى ان اساليب في الكتابة واتجاهات ولدت من بين لقاءات ادباء ومثقفين في المقاهي التي كانت بغداد تنفتح لها على امتداد شارعها الأشهر الذي يكاد يختصرها : شارع الرشيد .
ولايمكن النظر الى مناكفات ومنازعات الزهاوي والرصافي وملامح اتجاهيهما الشعريين بمعزل عن اثر المقهى، فهو المكان الذي كانت تنطلق منه شرارات المواجهة، مثلما لايمكن عزل المقهى عن التجديد الذي اندفع اليه الشاعر الراحل حسين مردان، ولا التيار الذي مثله البياتي وبلند الحيدري، ولا تأثير مقهى صغير في شارع فرعي بمنطقة " الباب الشرقي" عن حركة تجديد صاخبة مثلها جيل الستينات .
ومثلما شهدت الحياة الثقافية في العراق حركة ايجابية في خمسينات القرن الفائت وستيناته لجهة تعدد الأساليب وتنوع ملامح الأدب والفن، كانت المقاهي الأدبية تعيش زهوها ولايكاد اديب عراقي من اسماء تلك الأيام الا ويتحدث بنوع من العرفان عن المقهى ليس مكانا وحسب، بل بصفته المؤسسة الثقافية الحقيقية ونافذة الحرية المتاحة مع امتداد اذرع المؤسسة الحكومية على الثقافة ومصادر انتاجها في الصحافة والجامعة ودور النشر. وليس صدفة ان تتهدم المقاهي الأدبية في العراق واحدة تلو الأخرى مع هجرة اعداد كبيرة من ابرز مثقفي العراق نهاية السبعينات " البرلمان" و " البرازيلية" في( شارع الرشيد) و" ياسين " و"المعقدين" و"السلام"في( شارع ابو نؤاس) ، مثلما ليست هي صدفة ان تكون المقهى الوحيدة"حسن عجمي" التي يجتمع فيها ادباء العراق اليوم خابية ، شبه مهدمة لكنها تحنو على ادباء يأتونها ملاذا ونافذة وعلى اخرين يأتونها استعراضا لمكانتهم الرسمية وسطوتهم.

مع هدم " مقهى البرلمان " التي كادت في الأعوام 1974-1978 ان تكون التجمع " النهاري " الأكبر للمثقفين العراقيين الماركسيين واصدقائهم وتحولها الى مطعم ومحل لبيع الأحذية متجاورين، ومع هدم " المقهى البرازيلية " وغياب ملامحها الأنيقة وانقطاع ملامح الشاعر حسين مردان والشاعر والروائي فاضل العزاوي والفنان يوسف العاني والكاتب والمترجم نجيب المانع وزميله يوسف عبد المسيح ثروت ، وتحولها الى مخزن للخشب وورشة لصنع قوالب الأحذية، وجد الكتاب والأدباء انفسهم يتفقون على مكان يتوسط المسافة مابين " البرلمان " بصفتها مكان المجددين في الأدب و" مقهى الزهاوي " بصفتها مكان الأكاديميين والتقليديين ، فكانت "مقهى حسن عجمي" التي جاءها اغلب ادباء العراق ممن ظلوا في البلاد خلال الحرب مع ايران وصارت موعد لقاءات شبه منتظمة للقاص موسى كريدي حتى رحيله العام 199، والشاعر والناقد مالك المطلبي والقاص يوسف الأسدي الذي مات في مكان لايبعد غير امتار منها ، اي في " شارع المتنبي" ذات صباح جمعة حين يجتمع ادباء العراق لبيع مكتباتهم الشخصية ثم التحول الى " مهنة بيع الكتب " كما اجادها القاص حميد المختار قبل سجنه العام 1999، والشاعر زيارة مهدي والكاتب والمترجم غانم محمود حتى وفاته قبل شهور قليلة، والشاعر رياض ابراهيم حتى وفاته في كردستان وفي منطقة على الحدود وهو يوشك على قطع خطوة يعيدا عن البلاد.
ومن رواد " حسن عجمي " المواظبين حتى هجرتهم في التسعينات: القاص والروائي عبد الستار ناصر، والقاص علي السوداني والشاعر حسن النواب والشاعر اديب كمال الدين والشاعر عمار المطلبي ( يقيميون حاليا في الأردن)والشاعران صلاح حسن وكمال سبتي والناقد ياسين النصير والقاص عدنان حسين احمد ( يقيمون في هولندا) والشاعر زاهر الجيزاني والقاص زعيم الطائي والناقد كفاح الحبيب والشاعر جواد الحطاب ( يقيمون في اميركا ) والشاعر محمد تركي النصار والشاعر سعد جاسم ( يقيمان في كندا) والشاعر وسام هاشم ( الدانمارك) وعدنان الصائغ ونصيف الناصري ( السويد) وعشرات غيرهم .

من رواد " مقهى حسن عجمي " في بغداد اليوم : القاص وارد بدر السالم و الشعراء خليل الأسدي ، عبد المنعم حمندي ، علي حسين يونس ، عقيل علي ، عبد اللطيف الراشد ، منذر عبد الحر والناقد صفاء صنكور والقاص احمد خلف والشعراء سامي مهدي و مرشد الزبيدي و عبد المطلب محمود ، والثلاثة الأخيرون يأتون المقهى في صبيحة الجمعة وظهيرتها وذلك للمسؤوليات التي يتولون تنفيذها في المؤسسة الإعلامية والثقافية العراقية.

ولأنه مكان خانق ضيق يثير الملل فقد حاول غير اديب ان يخرج من سطوة " حسن عجمي" فكان هناك من ذهب الى " مقهى الزهاوي " الذي يعود في شهرته اصلا الى الشاعر جميل صدقي الزهاوي وكانت هناك نية لهدمه غير ان امانة بغداد استثنته من قرار الهدم واعادت ترميمه . المحاولة لم تنجح في التغيير ومن هجر" عجمي" الى " الزهاوي" راح يفتش عن مقهى اخر وهناك من وجدها في تقاطع "شارع المتنبي" و"سوق السراي" ، انها " مقهى الشابندر " ولكنه لم يجد توافقا مع هدوء تام يمثله روادها الأصليون وهم المحامون والقضاة وتجار الورق واصحاب المطابع ومخازن القرطاسية ، فكان عليه ان يختار " مقهى ابو سعد " في الميدان حيث ملتقى" قراء "او مطربو المقام العراقي وسائقو سيارات التكسي العاملة( السرفيس) على خط ( الميدان – ساحة النصر) ، وبما ان هذا غير ممكن لضجيج المغنيين وثرثرة السائقين لذا كانت الخطى تجد ضالتها في مكان قريب من جريدة " الجمهورية" في الوزيرية حيث يعمل في الجريدة التي تعتبر الثانية في العراق عدد من كتاب العراق ومثقفيه ، واصبح منتسبو القسم الثقافي في الجريدة الذي يديره الشاعر عبد الزهرة زكي وضيوفهم، رواد مقهى صغير " مقهى الجماهير" بدأ ينافس المقهى الكبير وصارت حلقة الشاعرين احمد الشيخ علي وعلي حسين يونس تستقطب غيرهما مثلما اصبحت المقهى الأدبية التي يضمها " غاليري حوار " مثار اهتمام و لقاءات عدد من التشكيليين والمسرحيين والكتاب لاسيما انها تحاذي كلية الفنون الجميلة في ( الوزيرية) .




* نشرت في ملحق"اضواء"الثقافي بجريدة "الحياة"ضمن ملف خاص عن المقاهي الادبية في العواصم العربية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى