عبد الفتاح القرقني - قصيد مناجاة البحر

Diapositive2.JPG

أَيُّهَا الْبَحْرُ الْمُتَرَامِي عَلِّمْنِي كَيْفَ أَحْمِلُ أَوْزَارِي دُونَ نَصْبٍ وَ تَنْكِيدِ
أَيَّ صَبْرٍ تَمْلِكُ و أَنْتَ مُنْذُ الْأَزَلِ تَصْفَعُ ضِفَافَ الصَّخْرِ فِي نَحْتٍ وَ تَشْرِيدٍ ؟
أَنْتَ يَا بَحْرُ أَلْهَمْتَنِي وَحْيَ الْجَمَالِ فَرُحْتُ أَصْدَعُ وَ أَصْدَحُ بِاسْمِهِ الْمَحْمُودِ
أَنْتَ سِرٌّ خَالِدٌ مِنْ عَالَمِ الرُّومَانْسِيَّةِ مُغْرٍ بِجَلاَلٍ وَ كِبْرِيَاء عَنِيدٍ
أَنْتَ عُبَابٌ ضَاجٌّ يَعْزِفُ عَلَى نَايِهِ أُهْزُوجَةَ حُزْنِي وَ أَحْلاَمَ نَشِيدِي
أَنْتَ حِضْنٌ دَافِئٌ لِآهَاتِي وَ زَفَرَاتِي وَ دُمُوعِي وَ قَصِيدِي
أَنْتَ يَا بَحْرُ فَلْذَةٌ مِنْ فُؤَادِي تَتَهَجَّدُ تَعْظِيمًا لِرَبِّ الْوُجُودِ
« فِيكَ يَبْدُو خَرِيفِي مَلُولاً شَاحِبَ اللَّوْنِ عَارِيَ الْأَمْلُود
جَلَّلَتْهُ الْحَيَاةُ بِالْحَزَنِ الدَّامِي وَ غَشَّتْهُ الْحَيَاةُ بِالْغُيُومِ السُّودِ
فِيكَ يَمْشِي شِتَاءُ أَيَّامِيَ الْبَاكِي وَ تُرْغِي صَواعِقِي وَ رُعُودِي»
فِيكَ تَرْتَعُ الأَسْمَاكُ الْمُزْدَانَةُ كَالْغَزَالِ مُسَبِّحَةً فِي هَمْسٍ بِاسْمِ الْخَالِقِ الْمَعْبُودِ
فِيكَ ابْتَرَدَتْ أَفْرُودِيتْ فَانْسَدَلَ شَعُرُهَا الْفَاحِمُ مُتَعَطِّرًا بِأَرَجِ الْوُرُودِ
مَا هَذِهِ البَسْمَةُ الْبَلْهَاءُ ، الْبَلْجَاءُ ، السَّاطِعَةُ كَشِهَابٍ مُتَمَرِّدٍ ، كَنُودٍ ؟
مَا هَذَا الدَّلَالُ الَّذِي يُخَضِّبُ بِجَمَالِهِ فِرْدَوْسَ نَفْسِي الْحَصيدِ ؟
زُرْقَةٌ سَاحِرَةٌ وَ مَوْجٌ رَاقِصٌ وَ نُورٌ سَاطِعٌ فِي الصَّبَاحِ الْوَلِيدِ
لِأُحَدِّقَنَّ فِي بَهَائِكَ عَاشِقَا ، مُتَأَمِّلاً بِبَصِيرَةٍ وَ بَصَرِ مِنْ حَدِيدٍ
لِأَمْلَأَنَّ صَدْرِي بِأَنْفَاسِكَ الْعَطِرَةِ لَعَلَّنِي أَسْتَرِدُّ فِي تَحَسُّرٍ رَبِيعَ قَلْبِي الشَّرُودِ
يَا بَحْرُ ، هَلْ أَلْتَمِسُ عِنْدَكَ بَلْسَمًا لِجُرُوحِي أَوْ أُلاَقِي تَحَرُّرًا مِن قُيُودي؟
يَا بَحْرُ ، هَلْ بِجِوارِكَ سَأَنْسَى مَا أُعَانِيهِ مِنْ بَلاَءٍ شَدِيدٍ ؟
يَا بَحْرُ ، هَلْ إِنَّ نَفْسِي الْحَزِينَةُ سَتَسْكُنُ وَ تَرْتَاحُ لِحُسْنِكَ الْفَرِيدِ ؟
يَا بَحْرُ ، إِلَيَّ بِرَشْفَةِ مِلْحٍ تُطَهِّرُ فِي ذَاتِي نِفَاياتِ قَهْرٍ وَ تَنْكِيدٍ
يَا بَحْرُ ، كَفْكِفْ دُمُوعِي وَ اغْرِسْ رَفِيفَ الزَّهْرِ فِي حَقِلِ عُمْرِي الْمَجْرُودِ
أَيُّهَا الرَّفِيقُ الْوَدُودُ أَيْنَ هُوَ نَوْرَسُكَ الْأَنِيقُ حَتَّى أَرْحَلَ عَلَى جَنَاحَيْهِ إلَى مَصْرٍ بَعِيدٍ ؟
أمَلِي وَطِيدٌ فِي هُجْرَانٍ جَمِيلٍ يُخَلِّصُنِي مِنَ الظُّلْمِ و التَّنْكِيلِ و التـَّسْهِيد
مَا أَسْوَءَ الاِغْتِرَابَ فِي وَطَنٍ بِيعَتْ فِيهِ خَيْرَاتُهُ وَ مُقَوِّمَاتُ عُرُوبَتِهِ بِمَالٍ زَهِيدٍ!
مَا أَتْعَسَنِي فِي وَطَنٍ دَاسَنِي فِيهِ الْحَيْفُ بِحِذَاءٍ عَمِيقِ الأَخَادِيدِ!
مَا هَذَا الشَّقَاءُ الَّذِي يُلاَحِقُنِي بِنِيرَانِ تَشَفٍّ وَ وَعِيدٍ؟
مَا مُقَامِي بِهَذَا الْوَطَنِ السَّجِينِ إِلاَّ كَمُقَامِ الْمَسِيحِ بَيْنَ الْيَهُودِ
النَّصْرُ وَ الْعِزَّةُ لِمَنْ يَأْبَى الْخُنُوعَ وَ يُخَيِّرُ الاِسْتِشْهَادَ بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَ خَفْقِ الْبُنُودِ
أَسْأَلُ الْعَفْوَ مِنْ خِلاَّنٍ نَالَهُمْ بَطْشُ قَلَمِي فِي يَوْمِ عَاصِفٍ جَحُود
آنَ الْأَوَانُ أَنْ نَسْتَعِيذَ مِنْ غِوَايَةِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَ غَطْرَسَةِ الْمَلِكِ النَّمْرُودِ
هَيَّا نَتَسَامَحْ عَنْ طِيبَةِ خَاطِرِ حَتَّى تَرْتَاحَ ضَمَائِرُنَا مِنْ تَأْنِيبٍ شَدِيدِ
يَا رَبُّ عَمِّرْ قُلُوبَنَا بِالْإِيمَانِ وَ الْحُبِّ وَ خَلِّصْنَا مِنَ الْفِتَنِ وَ الأَحْقَادِ وَ الجُحُودِ
يَا رَبُّ ثَبِّتْنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَ سَدِّدْ خُطَانَا بِالْمَعَارِفِ وَ الْعُلُومِ وَ التَّوْحِيدِ
يَا رَبُّ شُدَّ أَزْرَنَا وَ حَقِّقْ لَنَا انْتِصَارَاتِ خَالِدِ ابْنِ الْوَلِيدِ
يَا رَبُّ أَحْيِ أَفْئِدَتَنَا كَمَا أَحْيَيْتَ هَذَا البَحْرَ وَ لاَ تَجْعَلْهَا غُلْفًا ، فِي جُمُودِ
إِلَى النُّورِ فَالنُّورُ عَذْبٌ جَمِيلٌ إِلَى النُّورِ فَالنُّورُ رَايَةُ الْخُلُودِ
إِلَى الْقُدْسِ أُولَى الْقِبْلَتَيْن وَ أَرْضُ الآباء وَ الْجُدُودِ
إِلَى فَلَسْطِينَ احْمِلِنَا يَا بَحْرُ عَلَى بِسَاطِكَ الْمَمْدُودِ
فَمَا أَرْوَعَ النِّضالَ بِقَلَمٍ جَسَّارٍ، بَتَّارٍ مَنْجَنِيقُه مِنْ نَارٍ ، صَنْدِيدٍ غَيْرِ رِعْدِيدٍ !
وَ مَا أَشْرَفَ الْجِهَادَ فِي نَخْوَةٍ وَ صُمُودٍ بَعِيدًا عَنْ أُسْلُوبِ الْوَعِيدِ وَ التَّنْدِيدِ!

تعليقات

أهدي هذا القصيد إلى أستاذ الفسة محمد المؤّدّب الذي علمنا التفكير السليم عند طرح القضايا العادلة كقضية فلسطين
 
أعلى