إليك أيها الأب الطيب , الحنون , والصديق المخلص , والحبيب الغالي .. يا أغلى وأعز الناس عندي.. يا من كنت أسمعه في جوف الليل وهو يدعو .. ويناجي مولاه فكنت أبكي لبكاه.. يا من أدّبني .. وعلمني .. ورباني .. وأهدى إليّ ملامحه وطباعة الجميلة .. وزرع فيّ الحب .. والخير لكل الناس .. وأغدق علينا ببذخ .. ولم يكن ــ في يوم من الأيام ــ بخيلاً .. أو جبان ...........
*****
أكتب إليك هذه الرسالة .. وقلبي يعصره الشوق , والحنين , وتقتله اللهفة لضمة زراعيك السمراء الحانية.. لأغيب في صدرك العريض الدافئ.. إني أتخيلك يا أبي .. وأنت تفضّ رسالتي .. لتحتضن سطورها عيناك الذابلة .. لتقرأها .. ووجهك الزاهي .. مخضّب بابتسامة عذبة رقيقة.. وصافية كوجه السماء .. في شهر مارس .. هاشاً .. باشاً .. وأنت تهز رأسك , كعادتك الجميلة .. ثم تدعو لي بالخير ..........
*****
أبي عندما قررت أن أكتب إليك .. توقفت مع نفسي كثيراً .. ووجدتني حائراً في أمري .. أتساءل مع قلمي ..." ماذا أكتب ..؟!. ".. وماذا أقول ..؟.. وما عساها تُجدي كلماتي ..؟.. وعن أي شيء أحدثك ..؟.. ترى أأخبرك بما أنا فيه ..؟ .. وأعانيه في غيابك ..؟.. وكيف أعيش مع الحزن , والأسى ..؟.. وكيف أشقى أنا وأخوتي .. وأمي العجوز المسكين لفراقك ..؟!!.. أأقول لك يا أبي : .. بأن الدنيا من بعدك سوداء قاتمة .. لا لون لها , ولا طعم , ولا رائحة ..؟.. ــ مرة كالحنظل هي الأيام من بعدك يا أبي ــ .. أأقول لك : .. بأن أمي المسكين .. تكاد تموت ألماً , وحسرةً لفراقك .. أأخبرك عن بكائها المتواصل .. في جوف الليل .. وإطراف النهار .. وعندما تراني .. أو تستشعر وجودي .. تحبس دموعها الغالية .. مع نشيجها المتقطع .. في طرف ردائها الأسود .. وتخبئ عني حزنها .. بابتسامة كاذبةٍ مصطنعة .. ثم تربت علي كتفي الصغير .. وهي تقول لي ..
ــ " الحمد لله ترككم رجالة ".. ثم تلوذ بالصمت .............
*****
أبي الحبيب الغالي .. إني أراها كل وقت وحين .. حزينة.. تقف بالساعات .. والساعات .. أمام صورتك الجميلة.. المعلقة علي الجدار .. تحدثك كثيراً ــ كما كانت تحدثك من قبل بحب ــ عن الحِمل الذي أثقل كاهلها.. والزمن الصعب وتطلب منك بأن تعود.. وتبكي وحدها.. وأنت لا تجيبها إلا بابتسامتك الصامتة .. الذي تزين وجهك الجميل .. وتملأ طرقات وجهك الأسمر الجميل.. ونظرة حانية تملأ عينيك .. وأنت تطل عليها من البرواز .. فأشفق عليها من المرض , والجنون .................
*****
أبي .. أولاد أخي الصغار , كلما أتوا إلي دارنا.. يبحثون عنك في الحجرات .. وفي زوايا المنزل ... ويسألون عنك ..؟. أين ذهبت..؟. ومتى تعود إليهم .؟! يريدون أن تلاعبهم .. وتشري لهم الحلوى .. وكسوة العيد.. وعندما أقول لهم :.. بأنك لن تعود.. يبكون عليك كثيرا .. ولا يصدقون ... فأراني أشري لهم الحلوى .. وألاعبهم .. كما كنت تفعل معهم .. وأعطيهم نقوداً كثيرةً .. إلا أنهم يريدون حلوتك أنت , ونقودك .......................
*****
ومضى عام يا أبي ... علي رحيلك ... كألف عام .. وجاء الصيف بحرِّه ... وقيظه.. يذكرني بك .. وأنت تجلس في وسعة الدار .. بجوار أمي الحبيبة. وحولكما أولاد أخي الصغار.. يلعبون .. ويضحكون.. ويتصايحون .. وأنت بهم فرحان .. وسعيد .. وتمسح حبات العرق , المتساقط فوق جبينك , البرونزي اللون كحبات اللؤلؤ .. بطرف ردائك السماوي .. ثم " تُهَوّي " به علي جبينك ... أسمعك .. تستغفر الله العظيم ... وتؤوب إليه كثيرا .. وترجوه الجنة ... وتستعيذه من النار ..........
*****
أبي ... إني اشتاق إليك .. فلماذا لا تعود ..؟!!. مازال صوتك يرن في أذني يجلجل في جنبات البيت ... وأنت تناديني .. ومازلت أسمع ضحكاتك.. ومازلت أذكر مرضك الأخير .. حين كنت لجوارك .. أرعاك .. وأقوم علي خدمتك .. حتى غلبني النوم ــ ذات ليلة ــ فغفلت عيني قليلاً .. فشعرت بيدك الواهنة .. الهزيلة من المرض .. تغطيني .. تدثرني .. تزملني .. تلفني من البرد القارص.. وأنت مريض.. تخاف علي آآآه .... حنانيك يا الله ......
*****
وما زلت أذكر .. يوم أخبرني أخي الكبير , في الهاتف .. وأنا في الجيش .. بقرب رحيلك .. كنت أرى دموعه .. وصوته المخنوق بالفجيعة.. يجري عبر الأثير .. قال لي : ..
ــ " بأنك تريد أن تراني قبل الفراق .. وتودعني الوداع الأخير.. وبأن روحك معلقة بروحي .."حينها طار عقلي .. وجن جنوني.. ويعلم الله يا أبي . كم بكيت حينها.. وعانيت .. وأتيت إليك سريعاً .. كنت أخاف أن ترحل , دون أن أراك .. وأودعك , الوداع الأخير.. وحين رأيتني , قبلتني .. وبكيت.. بحرقة تعصر القلب.. وأوصيتني يا أبي بأمي خيراً , والصلاة .. وأنت تنازع سكرات الموت.. ويعلم الله يا أبي بأني سمعتك حينها, تنطق بالشهادتين أكثر من مرة .. ثم خرجت روحك إلي بارئها ... ــ ولا نزكي علي الله ــ .. راضية , مرضية .. وحزنا لفراقك .. وبكينا .. ولكن لم نقل إلا ما يرضي ربنا .. ومُلأ الشارع عن أخره .. بالباكين .. والمشيعين.. والمعزيين
*****
أبي أحفادك الذين لم يأتوا بعد .. ولم ترهم .. ولم يلعبوا معك .. ولم تشري لهم الحلوى.. وتكسوهم .. كأبناء أخوتي الصغار.. سأحكي لهم عنك .. في كل وقت وحين .. وسأقص عليهم من إخبارك .. وسأحفر في ذاكرتهم الصغيرة .. صورتك التي لم أزال أحتفظ بها في جيبي .. وسأحكي لهم عن كل شيء .. بإسهاب ..
وإطناب .. وتزييل .. ولكم كنت أتمني يا أبي بأن تراهم ... وتلعب معهم .. وتحشوا جيوبهم بالحلوى .. والنقود .. كما كنت تفعل معنا ونحن صغار ........................
*****
أبي الحبيب .. الطيب .. الغالي .. ليتك تحدثني عن نفسك .. ترى يا أبي ــ هل تستطيع ذلك ــ كيف تأكل ..؟.. كيف تشرب ..؟.. كيف تقضي وقت فراغك ..؟.. هل لديك هناك وقت للفراغ يا أبي ..؟!!..هل عندك ليلٌ طويلٌ , وكئيب كليلنا ..؟.. والنهار يا أبي ما شأنه ..؟.. حدثني عنه .!.. هل فيه شمس كهذه .. تجلد الناس بكرابيج من الضجر .؟ .. فتجعل الوجوه كئيبة .. وهي عابسة .. كالحة .. مكشرة عن أنيابها ..؟.. خبّرني يا أبي عمّ عندك .. حدثني عن مكانك الجديد .. هل صحيح ــ كما أسمع ــ بأن لديكم سوقاً كبيراً جداً .. وجميل .. لا ينفض .. ولا ينضب.. ولا ينفذ أبداً .. ليس فيه حلف بالطلاق.. ولا أيمان كاذبة ..؟..أحقاً يا أبي الأرض عندك طيبة , وبأنها قيعان ..؟.. وفيها منازل عالية,أفضل من تلك المنازل. خبرني عن الأنهار الجارية والأشجار الوارفة الظلال.. ذات الثمار الدانية.. كيف هي ..؟. وما لونها ..؟.
" الناس يا أبي في المقابر .. كلما رأوني يتحدثون معي .. عن أشياء أخرى .. غريبة , وعجيبة .. بالنسبة لي.. لا افهمها .. يسألونني عن" الطلعة " .. "والعليقة ".. وأشياء أخرى غريبة , وغامضة لا أعرفها .. أحلتها إلي أخي الكبير فهو يعرفها ... ويفهم ما يعنون ..."...........
*****
وأخيراً يا أبي سامحني... وأغفر تقصيري... أصلي من أجلك... ليغفر الله لك ليدخلك الله فسيح جناته ... آمين ... آآآمين ....آ....مـ .. يــ . ن
ابنك البائس المسكين ...// علي حزين
*****
أكتب إليك هذه الرسالة .. وقلبي يعصره الشوق , والحنين , وتقتله اللهفة لضمة زراعيك السمراء الحانية.. لأغيب في صدرك العريض الدافئ.. إني أتخيلك يا أبي .. وأنت تفضّ رسالتي .. لتحتضن سطورها عيناك الذابلة .. لتقرأها .. ووجهك الزاهي .. مخضّب بابتسامة عذبة رقيقة.. وصافية كوجه السماء .. في شهر مارس .. هاشاً .. باشاً .. وأنت تهز رأسك , كعادتك الجميلة .. ثم تدعو لي بالخير ..........
*****
أبي عندما قررت أن أكتب إليك .. توقفت مع نفسي كثيراً .. ووجدتني حائراً في أمري .. أتساءل مع قلمي ..." ماذا أكتب ..؟!. ".. وماذا أقول ..؟.. وما عساها تُجدي كلماتي ..؟.. وعن أي شيء أحدثك ..؟.. ترى أأخبرك بما أنا فيه ..؟ .. وأعانيه في غيابك ..؟.. وكيف أعيش مع الحزن , والأسى ..؟.. وكيف أشقى أنا وأخوتي .. وأمي العجوز المسكين لفراقك ..؟!!.. أأقول لك يا أبي : .. بأن الدنيا من بعدك سوداء قاتمة .. لا لون لها , ولا طعم , ولا رائحة ..؟.. ــ مرة كالحنظل هي الأيام من بعدك يا أبي ــ .. أأقول لك : .. بأن أمي المسكين .. تكاد تموت ألماً , وحسرةً لفراقك .. أأخبرك عن بكائها المتواصل .. في جوف الليل .. وإطراف النهار .. وعندما تراني .. أو تستشعر وجودي .. تحبس دموعها الغالية .. مع نشيجها المتقطع .. في طرف ردائها الأسود .. وتخبئ عني حزنها .. بابتسامة كاذبةٍ مصطنعة .. ثم تربت علي كتفي الصغير .. وهي تقول لي ..
ــ " الحمد لله ترككم رجالة ".. ثم تلوذ بالصمت .............
*****
أبي الحبيب الغالي .. إني أراها كل وقت وحين .. حزينة.. تقف بالساعات .. والساعات .. أمام صورتك الجميلة.. المعلقة علي الجدار .. تحدثك كثيراً ــ كما كانت تحدثك من قبل بحب ــ عن الحِمل الذي أثقل كاهلها.. والزمن الصعب وتطلب منك بأن تعود.. وتبكي وحدها.. وأنت لا تجيبها إلا بابتسامتك الصامتة .. الذي تزين وجهك الجميل .. وتملأ طرقات وجهك الأسمر الجميل.. ونظرة حانية تملأ عينيك .. وأنت تطل عليها من البرواز .. فأشفق عليها من المرض , والجنون .................
*****
أبي .. أولاد أخي الصغار , كلما أتوا إلي دارنا.. يبحثون عنك في الحجرات .. وفي زوايا المنزل ... ويسألون عنك ..؟. أين ذهبت..؟. ومتى تعود إليهم .؟! يريدون أن تلاعبهم .. وتشري لهم الحلوى .. وكسوة العيد.. وعندما أقول لهم :.. بأنك لن تعود.. يبكون عليك كثيرا .. ولا يصدقون ... فأراني أشري لهم الحلوى .. وألاعبهم .. كما كنت تفعل معهم .. وأعطيهم نقوداً كثيرةً .. إلا أنهم يريدون حلوتك أنت , ونقودك .......................
*****
ومضى عام يا أبي ... علي رحيلك ... كألف عام .. وجاء الصيف بحرِّه ... وقيظه.. يذكرني بك .. وأنت تجلس في وسعة الدار .. بجوار أمي الحبيبة. وحولكما أولاد أخي الصغار.. يلعبون .. ويضحكون.. ويتصايحون .. وأنت بهم فرحان .. وسعيد .. وتمسح حبات العرق , المتساقط فوق جبينك , البرونزي اللون كحبات اللؤلؤ .. بطرف ردائك السماوي .. ثم " تُهَوّي " به علي جبينك ... أسمعك .. تستغفر الله العظيم ... وتؤوب إليه كثيرا .. وترجوه الجنة ... وتستعيذه من النار ..........
*****
أبي ... إني اشتاق إليك .. فلماذا لا تعود ..؟!!. مازال صوتك يرن في أذني يجلجل في جنبات البيت ... وأنت تناديني .. ومازلت أسمع ضحكاتك.. ومازلت أذكر مرضك الأخير .. حين كنت لجوارك .. أرعاك .. وأقوم علي خدمتك .. حتى غلبني النوم ــ ذات ليلة ــ فغفلت عيني قليلاً .. فشعرت بيدك الواهنة .. الهزيلة من المرض .. تغطيني .. تدثرني .. تزملني .. تلفني من البرد القارص.. وأنت مريض.. تخاف علي آآآه .... حنانيك يا الله ......
*****
وما زلت أذكر .. يوم أخبرني أخي الكبير , في الهاتف .. وأنا في الجيش .. بقرب رحيلك .. كنت أرى دموعه .. وصوته المخنوق بالفجيعة.. يجري عبر الأثير .. قال لي : ..
ــ " بأنك تريد أن تراني قبل الفراق .. وتودعني الوداع الأخير.. وبأن روحك معلقة بروحي .."حينها طار عقلي .. وجن جنوني.. ويعلم الله يا أبي . كم بكيت حينها.. وعانيت .. وأتيت إليك سريعاً .. كنت أخاف أن ترحل , دون أن أراك .. وأودعك , الوداع الأخير.. وحين رأيتني , قبلتني .. وبكيت.. بحرقة تعصر القلب.. وأوصيتني يا أبي بأمي خيراً , والصلاة .. وأنت تنازع سكرات الموت.. ويعلم الله يا أبي بأني سمعتك حينها, تنطق بالشهادتين أكثر من مرة .. ثم خرجت روحك إلي بارئها ... ــ ولا نزكي علي الله ــ .. راضية , مرضية .. وحزنا لفراقك .. وبكينا .. ولكن لم نقل إلا ما يرضي ربنا .. ومُلأ الشارع عن أخره .. بالباكين .. والمشيعين.. والمعزيين
*****
أبي أحفادك الذين لم يأتوا بعد .. ولم ترهم .. ولم يلعبوا معك .. ولم تشري لهم الحلوى.. وتكسوهم .. كأبناء أخوتي الصغار.. سأحكي لهم عنك .. في كل وقت وحين .. وسأقص عليهم من إخبارك .. وسأحفر في ذاكرتهم الصغيرة .. صورتك التي لم أزال أحتفظ بها في جيبي .. وسأحكي لهم عن كل شيء .. بإسهاب ..
وإطناب .. وتزييل .. ولكم كنت أتمني يا أبي بأن تراهم ... وتلعب معهم .. وتحشوا جيوبهم بالحلوى .. والنقود .. كما كنت تفعل معنا ونحن صغار ........................
*****
أبي الحبيب .. الطيب .. الغالي .. ليتك تحدثني عن نفسك .. ترى يا أبي ــ هل تستطيع ذلك ــ كيف تأكل ..؟.. كيف تشرب ..؟.. كيف تقضي وقت فراغك ..؟.. هل لديك هناك وقت للفراغ يا أبي ..؟!!..هل عندك ليلٌ طويلٌ , وكئيب كليلنا ..؟.. والنهار يا أبي ما شأنه ..؟.. حدثني عنه .!.. هل فيه شمس كهذه .. تجلد الناس بكرابيج من الضجر .؟ .. فتجعل الوجوه كئيبة .. وهي عابسة .. كالحة .. مكشرة عن أنيابها ..؟.. خبّرني يا أبي عمّ عندك .. حدثني عن مكانك الجديد .. هل صحيح ــ كما أسمع ــ بأن لديكم سوقاً كبيراً جداً .. وجميل .. لا ينفض .. ولا ينضب.. ولا ينفذ أبداً .. ليس فيه حلف بالطلاق.. ولا أيمان كاذبة ..؟..أحقاً يا أبي الأرض عندك طيبة , وبأنها قيعان ..؟.. وفيها منازل عالية,أفضل من تلك المنازل. خبرني عن الأنهار الجارية والأشجار الوارفة الظلال.. ذات الثمار الدانية.. كيف هي ..؟. وما لونها ..؟.
" الناس يا أبي في المقابر .. كلما رأوني يتحدثون معي .. عن أشياء أخرى .. غريبة , وعجيبة .. بالنسبة لي.. لا افهمها .. يسألونني عن" الطلعة " .. "والعليقة ".. وأشياء أخرى غريبة , وغامضة لا أعرفها .. أحلتها إلي أخي الكبير فهو يعرفها ... ويفهم ما يعنون ..."...........
*****
وأخيراً يا أبي سامحني... وأغفر تقصيري... أصلي من أجلك... ليغفر الله لك ليدخلك الله فسيح جناته ... آمين ... آآآمين ....آ....مـ .. يــ . ن
ابنك البائس المسكين ...// علي حزين