ياسر جمعة - كان ياما كان.. قصة قصيرة

اجتاحتْها حرارتُهُ، الحافلةُ مزدحمةٌ، رائحتُه أنعشتْ خلاياها، شمِلتهُ بنظرةٍ جانبيّةٍ: عيناه طيبةٌ.. حزنُهما أصيل، وملامحُهُ منحوتةٌ. فكّرتْ أنّها تكرهُ لونَ القميصِ الّذي يرتديهِ. أغمضتْ عينيها مستغرقةً تمامًا في هذا الشّعورِ الغـــامرِ.
نزلَ، نزلتْ، التفتَ إليها، وجدَها تتطلّعُ إليهِ مبتسمةً، أبطأَ من خطوِه، اقتربتْ منهُ باسطةً كفّها وهي تسألُهُ:
- اسمك إيه؟
تصافَحا، وقبلَ أن يُجيبها قالتْ:
- اللّون التّركواز حيكون عليك أجمل من ده.
وواصلَتْ:
- فيك حاجة ضمّتْ روحي أوّل ما شُفتك.
- أنا؟!
كان مُندهشاً، وسعيداً، تلفّتت حولَها وقالتْ ضاحكةً:
- هو فيه حدّ معي غيرك!
ابتسم.
- ولعلمك.. ابتسامتك حلوة جــدًا، أنت رايح فين؟
- كنت مرّوح.
- وبعدين؟
ومسّت ظهرَه بأناملِها فطاوعَها ومشي بجوارِها وهو يقول:
- يعني.
- يعني إيه؟
- بصراحة؟
- يا ريت.
- شكلك كده محتاجة تتكلمي.
- وأنت؟
- بصراحة؟
- أكيد.
- حاسس إنّي استريحت ليكِ.
- بس؟!
- يعني.
- يعني تانــــــي!
- لأ طبعاً، يعني دي تختلف عن الأولى.
ضحكتْ عاليًا، شاركَها الضّحكَ.
كانتْ خطواطهما بطيئة، يكادا أنْ يكونا متواجِهين تقريبًا. رفعتْ خُصلةً من شعرِها القصيرِ وهي تقولُ:
- ولكن أنا شايفة في عينيك حاجة أكبر من كده.
- عينيا أنا؟!
- آه.
- وأنت... عينيكي مخبّيا إيه؟
ووقفَ ينظر في عينيها الواسعتين، فقالتْ مكسوفةً بصوتٍ حاضن:
- بس.
ودفعتْهُ خفيفًا كي يواصلا المشي وهي تقولُ:
- ما قلتش اسمك إيه؟
ضمَّ ذراعَها وقالَ:
- تتجوزينــــــــــــــــــــــي؟
تكتب حفيدتها، ابنة السبعة أعوام، الحكاية، في حصة التعبير، عن موضوع الحب، كما سردتها لها الجدة وهي في حضنها تغفو وتفيق. كما أنّها وصفت ملامحها.. ليست تلك المتغضّنة، بل هذه المشرقة في خيالها المحب، وكذلك وصفت صوتها الودود، وأضافت من خيالها شكل جدها، شهيد الحرب، الذي لم ترَ له غير صورة أبيض في أسود، شاباً كان ووسيماً، وختمتْ قصتها، بقبلة أسهبت في وصفها، من جدٍّها الشاب إلى جدتها الجميلة، فما كان من المُدرِّسة إلا أن عاقبتها، أمام أندادها، بضربٍ مؤلم.

ياسر جمعة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى