رزق فرج رزق - الشيخوخة

جلس الجميع على الشاطئ جماعات وأفراد ، ورغم كل ظروف الحياة القاسية الا أن الكل منتشي ، يداعب أريج اللحظة ، فأمواج البحر تعزف لحن الحياة ، وطائر النورس يرقص على أنغامها .
كل المتواجدين على الشاطئ ينصتون لذلك اللحن الرائع الضارب في عمق الزمن ، شئ ما جمع هذه الوجوه الشاردة ، وان كانت قد وضعت بعض الأصباغ ألا أن الحزن بدا واضحا على بعضها.
حاولت الجلوس بجانب رجل جالس على طاولة والسيجارة تعانق شفتيه ، وأمامه فنجان من القهوة.
استحيت في النهوض من أمامه ، ولكن لا فائدة فرائحة القهوة والسيجارة تدغدغ انفي والحساسية فتكت بخلايا الشم ، ولم اعد افرق بين رائحة القهوة ودخان السيجارة وبين رائحة الحدائق وعبيرها ، ولم يعد قلبي يفرق بين الحب و الكره.
الشمس قاربت على الغروب حتى ان ألوانها امتزجت بألوان البحر والأصداف وطيور النورس ، ورسمت وشما على جبين الماء سرعان ما تلاشي.
وقفت مودعاً الرجل ، أخذت أجُر قدميَّ في خطي بطيئة على رمال الشاطئ .
صاح طفل يقصدني يطلب مني أن أُعيد الكرة إليه ، وقد استقرت بالقرب مني ، وقفت وحملتها بين يدي ، أنتا بني شعور غريب حرك في داخلي مراكب الصبا التي قد رست في ميناء الشيخوخة السابقة أو أنها تتعالي صيحات الأطفال ، يستعجلونني في أعادة الكرة إليهم .
تعتريني نشوة قذف الكرة لكنني مؤمن بعجزي عن ذلك ، لأنني لم اعد مثل أيام زمان ، أيام مداعبة الكرة مع أطفال حي الحطية ، وقضاء أغلب الأوقات مطاردتها.
أعدت الكرة إليهم ، حينها كانت الشمس تزداد احمراراً . لتصبغ الوجوه بلون الذهب.
وعاد الأطفال يقذفون الكرة ويتبعونها بعشوائية والآباء ينفظون رمال الشاطئ المتعلقة بهم ، وأنا أصارع الشيخوخة المبكرة التي لازمتني وأنا لا أتعدي الثالثة والعشرين من عمري في ذلك اليوم المرير . كانت الأيام تمر مابين هدوء متعب في العمل وقلق مريح في المنزل ، ومع الوقت بدأت انساق ارتياحا لهذا الوضع المتأرجح حتى جاء ذلك اليوم المرير ، قد يكون نعتي له بالمرير مدحا فيما لو قورن بما هو على حقيقته . بدأ ذلك اليوم مثل غيره وكالمعتاد ، ولكن كل شئ تغير بمجرد وصولي نقطة التلاقي.
لقد كانت لحظة ماكرة تلك التي ألقيت بها ناظري صوب سطح الرصيف لأجدها ترمقني بنظرة يملؤها كل ما في الأرض من خبث ومكر معاً .
لا أذكر ماذا حدث بعدها .
كل ما أذكره هو لون بساط سطح غرفة العمليات وهو يهوي نحو وجهي



رزق فـــــرج رزق. ليبيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى