حيدر عاشور - سقوف هادي الناصر... الغارقة في عالم الخوف والرعب والوجع ..!

كتب الكثير عن مجموعة ( سقوف) للشاعر هادي الناصر، بأساليب اجرائية في تحليل النصوص ، لم تكن ذات نظرة نقدية واضحة عما يروم قوله الناصر في مجموعته الاخيرة ، وهذه النظرة السطحية في القراءة النقدية لم تطبق القوانين العامة للشعر ولغز شفرات المفردة ، ومعاصرة حدثها او تطابقها عما غيرها من المفردات التي تحاكي الوجع النفسي الخاص في عموم الوسط الاجتماعي ، دخولا في طرح الخصائص الفردية للنصوص بصورة عامة ... قرأت مجموعة الناصر بمحبة عالية وادخلتها في منظومة فكري فوجدتها تقترب من ذات الانسانية وهذا الجانب فقط من حقي الولوج فيه عن ما تحتويه المجموعة واترك النقد الشعري للمختص في قوانين العامة للصياغة الادبية او قوانين النوع التي يتميز بها الاديب الناقد وهو المختص في تشخيص الخروجات والانزياحات في مجال بحور الشعر على جميع ورودها المعروفة ضمن منطق العصر وخاصة للأشكال والمذاهب الشعرية الاخرى .
حين يقرأ الشعراء والأدباء البعيدون عن ذات هادي الناصر يسعون لفك شفرات بنية النص وكيفية اشتغالاته ،اما من عاصره عن قرب يجد الوجع الحقيقي لحياة -هادي الناصر- الذي وظف في نصه معاناته الخاصة في اغلبية المجموعة ... ويكفي حين يقول :
اله يمنحني مدنا من نرجس \
وأبناء غير معاقين ...
هذا المقطع الممتلئ بالتوسلات لله سبحانه وتعالى ان ينظر اليه لكونه فقد الكثير في حياته وهو شامخ مرفوع الرأس ومنحنه الرب الجمال في ابنائه والجيل الثاني منهم من ابناء ولده ... ورغم ذلك يصف نفسه بالغابة وما تحويه من مفاجأة وبنفس الوقت يعد بتكبر متناقضات هي فيه اصلا ... حين قال في نص (لا فرق عندي ) بين فأر وقط..!\بين اسد وحمار\ .. هنا واقع يعيش معه يتألم من خلاله يريد ان يؤكد تضحياته ليس امام الادباء ومتذوقي الشعر او النقاد بل اراد ان يرسخ تاريخ حبه لتلك الزوجة الوفية التي احتضنت كل اشيائه، وأيضا من خلال تناقض فكره المبعثر ....
لا فرق عندي \ بين امرأة ورجل \ امرأة تشد وثاقي كي تملكني \ ورجل اشد وثاقه كي يكون صديقي \وكلاهما \يمتهنان وجودي \ ...
النص واضح فالمرأة معرفة ومقربه من روحه والرجل هو ذالك الفتى الذي لا يشبه ابوه الا في شكله ...اذن هذه القصيدة تمثل المهيمنات الاسلوبية في حياته فوضفها نصا يتناقض كل التناقض بما يعيشه الشاعر وسط سقف حبيبته (سقف)عائلته وسقوف فضائاته العبثية والعشوائية والمتمردة في الكثير من الاحيان ... ففي داخل النص او الاسلوب الادبي بنيات متداليات .. بنية كبرى وهي البنية الكلية للنص وبنية صغرى وهي المتناقضات اللسانية وصياغة الجمل اما البنية العليا وهي الاشمل هي بنية الجنس الادبي المطروح .
هناك مقولة تقول (ان قيمة الادب لا تكمن في ما يقول ، او كيفية ما يقول حسب ، بل في ذلك المسكوت عنه او المكبوت الذي لم يقله ) ... وفي سقوف كانت كل المكبوتات الناصر واضحة فكان يخاطب مباشرة ابيه وامه اللذان فقدهما كأجمل سقف في وجوده، لا يعوض ، وبقية حياته مرتهنه بدوار لا يتوقف ( العائلة والحبيبه والوطن وذكريات مدينته،والقلم والسماء) كل هذه المفردات رسم لها سقف خاص من المعاناة والوجع...
\ سقفك ايتها السماء \ متى يقيني \من مطر اسود\يمارس الهطول منذ الخليقة؟\ ...
وعلى الرغم من بناء سقوف شعرية تحت مقصدية البلاغة الحديثة ومتجددة وهي وريثة البلاغة القرائية التي يجيدها هادي الناصر فقد استطاع ان يواشجها مع البلاغة الجديدة الممتدة عن البلاغة القديمة بأكثر من علاقة ومسار باختلاف الغايات والاجراءات والمفهوم ... لذلك توصل الشاعر بطبيعته الواقعية الى تقديم مسرد ببلوغرافي واضح في جميع نصوصه خاصة في نص ( أبرهن .. ربما!) وهو يتحدث بالسان ابيه ...
/ احلام أمك ازهقتها المخاض !!\ ولم تبصر ياولدي \ في زحمة ثقوب سوداء..؟\ وكيف ادونك يا ذاتي \... يدرك حتما ان السوات \ مجبولة بامتهان الطهارة !!\...
هذه النزعة تعريفية للممارسات اللاخلاقية في تصرفات الاخرين مهما كانت صفاتهم الاجتماعية وضحها باسلوبية النص وبفلسفة ورؤية نقدية بعيون شاعر مارس جزء من هذه التصرفات ... وهذه ظواهر انسانية مزجها بتزاوج بين الحالات النفسية ولغة الشعر وهذا ما لامسناه في نصوص ( المستنصرية ) و ( فاكهة السؤال) و ( اسئلة) و ( خوف) وقد فيما بين اخريات من صوره الشعرية حالات كثيرة تخضع للعلم النفس وتاثير الحالة النفسية بصورة خاصة بالشاعر فخرج من شرنقتها بالغة الشعر ووظف ماساته بهذا الجمال الابداعي ...ليعد ذاته بلغة مغايرة في نص (هكذا) يحدث نفسه ويهيم بها شعرا بتأنيب ضمير
\ فمن لي ..\ في زحمة ارتباك \يقول\ انك \ اني ؟\ ...
هنا يكمن الاسلوب الحسي الادرامي بتفاوت في نوع التمثيل ووصف متلون بفضاء التجربة الخاصة واستيعاب الافق اللغوي بسيمولوجيا تأويلية .. ولا تختلف قصيدة ( جدران) عن ( سقوف ) بجماليتها كنص شعري ممتلئ بصور الخوف والرعب من المجهول الصامت المتنوع في شكله ومظهره وقوته وضعفه وهو(الحائط) الذي استعاره الشاعر كفلسفة حين يقول:
\ لا افقه فلسفة الحائط \ والحائط لا يفقه رعبي \ هو اّيل الوثوب عليّ \ وأنا ساقط في امتحاني الازلي !!\ ...
وهذه محاولة لتلافي الخوف باستبداله بالجدار ... وبصورة عامة عن المجموعة (سقوف) نتفحص المتناقضات الى جانب المترادفات نجدها حراك ايجابي للصراع جدلي لظواهر الحياة والوجود .. ولا ضير اذا تسألت عن تكرار مفردة الاسود التي كررها الشاعر في ثلاث نصوص ففي (سقوف) متى يقيني \من مطر اسود\ اما في (أبرهن..ربما!)
\ لم تبصر ياولدي \زحمة ثقوب سود.؟\
فيما جاءت نص (احلام)
لانك غريا ولدي \سامرر خوفي اليك\ عسى تستظل به\ من جحيم اسود..!\
هل هي فلسفة سكونية متولده من الخوف ؟ ام هي ايضا استعارات شكلية تكمل الشكل والمضمون ؟ ام هي جواب للحيرة الكونية التي كتبها الشاعر في مقدمة المجموعة ؟
\ خذ من الدنيا ماشئت \ لكنك تعجز أبدا ..\ عن اصطحاب شمعة لظلامك الابدي \...
لهذا الشاعر المعجون في بحر العاطفة والغارق ببحر الخوف والرعب والوجع مجموعة شعرية صدرت عام 2007\بغداد ، بعنوان ( مرقاب خفي ) كتب عنها الكثير وكانت محل رضا المتذوقين والنقاد والاصدقاء وهذه الوليدة الثانية من مخاض الم ... صدرت عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع 2012.بالتوفيق للشاعر في استمرارية ابداعه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى