الهادي علي راضي - مونولوج أُنثى خائبة.. قصة قصيرة

قالت: أردت أن أزدريك يوماً أيها الطيف، فأنزلتُ عليك التناسي ـ تجريباً ـ يوماً، واثنين، وحين بلغتُ ليل الثالث، بان لي خطل الفكرة.
لكن أتدري؟ كان ثمة معنى لازدرائِك وأنت كامن فيّ.
محاولة ازدرائك كانت عبثاً كهذا الهراء!
أشارت إلى التلفاز، وبالتحديد إلى مُغن كان يمجدُ الأجداد في معركة تاريخية، وثمة قول أورده مؤرخ، يذهب إلى أن أولئك الأجداد كانوا يجلسون على (قيف خور أبو عنجة) ساعة المعركة موضوع التمجيد. عبث تاريخي يشبه حالة ازدرائي لك.
المهم.. إني:
أُعزُّ بك،
وحين أقتربُ،
تَعزُبُ عني..
ولما أنأى
تدنو،
يُعذّبني ذلك.
لستَ طيفاً يعبر الذاكرة كما السراب، أنت طيف يتكسر طيوفاً، يتناثر، يتكاثر أشباحاً شفيفة تمس مهجتي. الأشباح تستدعي رغبةً لرؤيا، شوقاً لعناق، حنيناً لشيء غامض تفتش عنه الروح، شيئاً كجملة شاردة تأبى الانكتاب. تَخلُّق من حلم، تحوير خيال إلى واقع ألمسه، أراه، أقبله.
مأزومة أنا أمارس اجتراح سبل بقائي. أختبئ من أعين شبقة. أعين مفترسة تشل مقدرتي على الشتم والسباب.
الأعين الشبقة تربكني.
الابتسامات المخاتلة تخيفني.
مقلٌ تنظر إليّ بنهم.. تريدني كأنثى، حتى أني كرهت الأنثى فيّ.
أحببت طيفك الذي هو أصلاً كائن فيّ.. هلام، عدم.. أحسه كذلك، وهو ليس كذلك.
أشتهيك في صحوي.
ألعنك حين أستلقي على وسادة، حين اتكئ على جزء من جسدي ناعم ورقيق.
هل أتغزلُ فيّ؟!
مأزومة أنا أعشق طيفاً. ولستُ بممزقة ثوب الحياء حين أُعلن عشقي.
حين أقول إنك ضوء في بيداء الروح يمرح.
يشع ويخبو..
يخمد ثم يسطع.
كان كذلك وليته بقي على ذلك.

***
هل حدثتك عن يوم التجسُّد؟
عيناي كانتا تتابعان سطور إعلان فيلم أجنبي، معلق عند مدخل معهد جوته. وفي لحظة، غاب الإعلان وحل طيفك مكانه. لعنتك في سري واستدرتُ أريد الخروج منك إلي رحابة الضوضاء وأبواق السيارات العابرة لشارع المك نمر.
وكنتَ هناك ـ على الرصيف المقابل ـ تنتظر عينَي.
عابراً كنت أم واقفاً لا أذكر، لكنك كنت في ذلك المكان بصحبة طفل يشبه النزق.
حالةٌ ما بين الصحو والهذيان.
منزلة بين الغياب والحضور،
الحقيقة والخيال،
أمرٌ ما بين الكشف والإشراق.
شيءٌ كما الخبر المباغت ـ سعيداً كان أم غير سعيد ـ تعمل كيمياؤه في الوجدان، و(وجدان) التي كانت تقف بجانبي قالت:
يا شيماء هيا.. تحركي، يكاد الفيلم يبدأ.
وتحركتُ صوبك.
لم ألتفت يمنة ويسرة ـ كما أوصتني المعلمة في صغري ـ حين أعبر شارعاً في الحي كان أو في قلب المدينة، بل خطوت نحوك وأنت واقف عند الرصيف المقابل.
كنتَ هناك. أُقسمُ بأنك كنت هنالك قبل أن يخترق أُذني صرير حاد وصوت وجدان تصرخ....
شيماآآآآآآآآء.

* الخرطوم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى