لم يضع نفسه في موقف العارف. كان ينفش شاربيه و ينظر بعيدا. ربما كان يستعيد على ضوء ما كان يسمعه ،خطواته الأولى على مسار صفحات غربته الطويلة. و ربما كان ينتشي لكونه ضمن الخلود في ذاكرة مخاطبه لكون الغريب لا ينسى أبدا شبيها له التقاه على عتية مسار غربته.
كان يعي أن هذا القادم في حاجة إلى من يصغي إليه بعد أيام طويلة صامتة ،صدمته خلالها المفارقات ، بعد ان وجد ترتيباته و كل حساباته أضيق من ان تسع الحياة، فكان ان حملته السيول خارج رحاب حلمه.
كان يعي أن علاقته به ستكون قصيرة ، و انه بالنسبة له أشبه بغصن ملقى على جانب نهر. سيتمسك به لحين ، ثم لن يلبث أن يجده بلا نقع، ليبحث عن مكان صلب. يثبت عليه قدميه أولا . و أنه سيحتاج لبعض الوقت قبل أن يعي أن لا أطياف الماضي، و لا رياضه مهما كانت ساحرة ،هي عاجزة عن أن تنتصب على قدر من التوازي مع مجرد لحظة وهي لم تزل بعد جنينية تتهيأ لتصبح بعد حين بساطا حياتيا حقيقيا يمكن له فيه أن يضحك أو يجري أو حتى يبكي، و ان الاستغراق في محاورة اطياف الماضي بدلا من محاورة الكائنات الحية التي تؤثث حياته هو نوع من الحماقات.
صمت الغريب بعد ان افرغ شحنته. أحس ان الوقت قد حان كي يمسح غبار السفر الطويل الذي علق بعدسة رؤيته دون ان يثير حساسيته. قال له: ما ألوم عليه الحياة هو أنها جعلتني بدون تغطية باكرا و انا ازحف في متاهات دروبها القاسية. و كان شيئا في منتهى القسوة أن تكشف لك وجهها المكشر و صلابتك لم تتشكل بعد.
الأطفال في مثل سني كانوا يعيشون حياة ترتيبها مفصل على قدر صدى أحلامهم، أما انا فقد كان الحلم عدوي اللذوذ ما لم يكن يمنحني غير الشعور بالتعاسة حين يكشف لي البون الشاسع بين الحياة التي أرغب فيها و الحياة التي أحياها. ولهذا كان العناء و الإجهاد و الإنهاك رحمة تقيني شر الأحلام لكون النوم كان يتلقفني و لا يمل من احتضاني، و تعلمت باكرا كيف أعيش بدون احلام، و تعلمت أيضا أن اليد التي لا تقوى على حمل اللقمة، يلتقطها الفم ممرغة من الأرض. ومن هذا الباب، أجدك أفضل حالا مني. لكن، هل تسمح لي بأن أقدم لك نصيحة؟
قال الغريب منزعجا: أبعد كل الذي قلته تتحدث عن الأستاذية؟.. ثم ماذا تجدي النصائح بعد كل الذي حصل؟
ضحك. ظل ينقل بصره هنا و هناك دون ان يستعجل الردُ ثم قال: ليس من باب الصدفة وُضع الرأس في أعلى الجسد. و إن كنت لم امض بعيدا في مراتب الحياة، فلأنني كنت إما رأسا بدون اطراف، و إما اطرافا بدون رأس. أما في وضعك انت، فالأمر مختلف تماما، و لا شئ يمكنه ان يحعلك تشبهني سوى ان تكون عنيدا. لأن العناد هو الطاقة الوحيدة القادرة على نسف كل ترتيبات العمر في أقل من رمشة عين. وبعد ذلك لن تجد نفسك في حاجة إلى أي رأس.
وجد الغريب كلام مخاطبه رهيبا. بدأ يفكر فيما يجعله يرفض هذا المنطق. ألأنه يصدر فقط عن نادل في مقهي و قد كان يمكن ان يقبل به لو انه صدر عن شخصية وازنة؟
نقل بصره إلى المحطة. تخيل نفسه يتخلى عن وظيفته و يعود من حيث أتي. هو متأكد أنها ستكون الرحلة الأروع في حياته. لن تكون رحلة تقاس بأماد زمانية و لا مكانية، بل ستكون رحلة بمقاس الانتماء لذاته و بين أن يظل غريبا عنها. لكن بعد ان يصل.هل سيجد ان الملامح هي نفسها التي كانت من قبل؟ وملامحه هو، هل ستظل هي نفسها؟ وهذا الشعور الذي يجده في حجم شرخ. هل سيكون بمستطاعه التخلص منه؟
أحس أنه محاصر داخل زاوية في منتهى الضيق. لا يستطيع التقدم إلى الامام، و لا يستطيع العودة من حيث أتى. تطلع إلى محاوره. بدا له أكبر بكثير من البساطة التي يبدو عليها. و تاكد لديه بالملموس أن القدرة على كشف المساحات الخلقية لا علاقة لها باتساع مآقي العيون او ضيقها. قال لمحاروه: ما الذي ستجديه نصيحتك؟
- ستمكنك من أن تخيط أشلاء هذا التمزق الذي يعتريك الآن و انت تتلمس الطريق إلى ما تعتقده عودة إلى حيث تريد أن تكون.
- أنا يا صاحبي لا احتاج إلى تهويل أكبر، فلماذا تصور العالم و كانه واقع تحت تأثير تعويذة ساحر شرير؟
ضحك المحاور و قال: أثبت لي إذن أنك انت ذاك الذي كنته قبل اليوم.
- ماذا يجدي الكلام إذن إن كان الأمر كذلك؟
- في هذا انت على صواب. لكن الأكثر جدوى هو ما بقي لك أن تنجزه.
- ماهو؟
- أن تقطع حبلك السري بنفسك و انت تدوس أهواءك، و أن تمضي بثبات إلى حيث يليق المقام بإنسان يضع رأسه في الأعلى.
كان يعي أن هذا القادم في حاجة إلى من يصغي إليه بعد أيام طويلة صامتة ،صدمته خلالها المفارقات ، بعد ان وجد ترتيباته و كل حساباته أضيق من ان تسع الحياة، فكان ان حملته السيول خارج رحاب حلمه.
كان يعي أن علاقته به ستكون قصيرة ، و انه بالنسبة له أشبه بغصن ملقى على جانب نهر. سيتمسك به لحين ، ثم لن يلبث أن يجده بلا نقع، ليبحث عن مكان صلب. يثبت عليه قدميه أولا . و أنه سيحتاج لبعض الوقت قبل أن يعي أن لا أطياف الماضي، و لا رياضه مهما كانت ساحرة ،هي عاجزة عن أن تنتصب على قدر من التوازي مع مجرد لحظة وهي لم تزل بعد جنينية تتهيأ لتصبح بعد حين بساطا حياتيا حقيقيا يمكن له فيه أن يضحك أو يجري أو حتى يبكي، و ان الاستغراق في محاورة اطياف الماضي بدلا من محاورة الكائنات الحية التي تؤثث حياته هو نوع من الحماقات.
صمت الغريب بعد ان افرغ شحنته. أحس ان الوقت قد حان كي يمسح غبار السفر الطويل الذي علق بعدسة رؤيته دون ان يثير حساسيته. قال له: ما ألوم عليه الحياة هو أنها جعلتني بدون تغطية باكرا و انا ازحف في متاهات دروبها القاسية. و كان شيئا في منتهى القسوة أن تكشف لك وجهها المكشر و صلابتك لم تتشكل بعد.
الأطفال في مثل سني كانوا يعيشون حياة ترتيبها مفصل على قدر صدى أحلامهم، أما انا فقد كان الحلم عدوي اللذوذ ما لم يكن يمنحني غير الشعور بالتعاسة حين يكشف لي البون الشاسع بين الحياة التي أرغب فيها و الحياة التي أحياها. ولهذا كان العناء و الإجهاد و الإنهاك رحمة تقيني شر الأحلام لكون النوم كان يتلقفني و لا يمل من احتضاني، و تعلمت باكرا كيف أعيش بدون احلام، و تعلمت أيضا أن اليد التي لا تقوى على حمل اللقمة، يلتقطها الفم ممرغة من الأرض. ومن هذا الباب، أجدك أفضل حالا مني. لكن، هل تسمح لي بأن أقدم لك نصيحة؟
قال الغريب منزعجا: أبعد كل الذي قلته تتحدث عن الأستاذية؟.. ثم ماذا تجدي النصائح بعد كل الذي حصل؟
ضحك. ظل ينقل بصره هنا و هناك دون ان يستعجل الردُ ثم قال: ليس من باب الصدفة وُضع الرأس في أعلى الجسد. و إن كنت لم امض بعيدا في مراتب الحياة، فلأنني كنت إما رأسا بدون اطراف، و إما اطرافا بدون رأس. أما في وضعك انت، فالأمر مختلف تماما، و لا شئ يمكنه ان يحعلك تشبهني سوى ان تكون عنيدا. لأن العناد هو الطاقة الوحيدة القادرة على نسف كل ترتيبات العمر في أقل من رمشة عين. وبعد ذلك لن تجد نفسك في حاجة إلى أي رأس.
وجد الغريب كلام مخاطبه رهيبا. بدأ يفكر فيما يجعله يرفض هذا المنطق. ألأنه يصدر فقط عن نادل في مقهي و قد كان يمكن ان يقبل به لو انه صدر عن شخصية وازنة؟
نقل بصره إلى المحطة. تخيل نفسه يتخلى عن وظيفته و يعود من حيث أتي. هو متأكد أنها ستكون الرحلة الأروع في حياته. لن تكون رحلة تقاس بأماد زمانية و لا مكانية، بل ستكون رحلة بمقاس الانتماء لذاته و بين أن يظل غريبا عنها. لكن بعد ان يصل.هل سيجد ان الملامح هي نفسها التي كانت من قبل؟ وملامحه هو، هل ستظل هي نفسها؟ وهذا الشعور الذي يجده في حجم شرخ. هل سيكون بمستطاعه التخلص منه؟
أحس أنه محاصر داخل زاوية في منتهى الضيق. لا يستطيع التقدم إلى الامام، و لا يستطيع العودة من حيث أتى. تطلع إلى محاوره. بدا له أكبر بكثير من البساطة التي يبدو عليها. و تاكد لديه بالملموس أن القدرة على كشف المساحات الخلقية لا علاقة لها باتساع مآقي العيون او ضيقها. قال لمحاروه: ما الذي ستجديه نصيحتك؟
- ستمكنك من أن تخيط أشلاء هذا التمزق الذي يعتريك الآن و انت تتلمس الطريق إلى ما تعتقده عودة إلى حيث تريد أن تكون.
- أنا يا صاحبي لا احتاج إلى تهويل أكبر، فلماذا تصور العالم و كانه واقع تحت تأثير تعويذة ساحر شرير؟
ضحك المحاور و قال: أثبت لي إذن أنك انت ذاك الذي كنته قبل اليوم.
- ماذا يجدي الكلام إذن إن كان الأمر كذلك؟
- في هذا انت على صواب. لكن الأكثر جدوى هو ما بقي لك أن تنجزه.
- ماهو؟
- أن تقطع حبلك السري بنفسك و انت تدوس أهواءك، و أن تمضي بثبات إلى حيث يليق المقام بإنسان يضع رأسه في الأعلى.
Abdellah Bakkali
Abdellah Bakkali ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit Abdellah Bakkali und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...
www.facebook.com