أيقظَتْهُ وهي تلومُه لأنَّه لم يسألْها حتى الآن عن اسمها، كان قد مرَّت شهورٌ منذ وجدها نائمة بجوار صندوق القمامة، اعتدل وبقايا النوم والدهشة يُلوِّنانِ وجهه الطفولي:
"إيه!".
مسحتْ ضحكتها التي رنَّتْ ما علقَ بوجهها من غضبٍ، ابتسم لعينيها السوداوين اللَّامعتين وقال:
"صحيح اسمك إيه؟".
ولمسَ خدَّها بأطراف أصابعه، أبعدتْ يدَه، ورسمتْ الغضب المصطنع على وجهها مرَّةً أخرى، وقالت:
"مش هقول".
"والنبي والنبي".
"لأ".
"عشان خاطري".
"هات لي شكولاته الأول".
تلفَّتَ حولَهُ، كانت شوارعُ ما بعدَ الفجرِ خاليةً تمامًا، ومع ذلك قام، فقالت:
"خلاص، لمَّا المحلات تفتح، ياسر.. يا ياسر".
لم يردْ عليها، فكادت أن تقوم هي الأخرى وتلحقْ به، ولكنَّه توقَّف على مقرُبةٍ وراح يتبوِّل، ثمَّ عاد إليها.
في هذا الصباح حكتْ له أنَّها ما زالت تذكرُ عائلتها، خاصةً أمها، التي كانت تُغنِّي لها دائمًا، تغني وهي تحملها وترقص بها في منزلٍ نظيفٍ، أغاني عن كل شيء.. عن الحروف والسماء والعصافير، وعن الطعام، كلُّ أنواع الطعام، حكَتْ له أنَّ أمها فجأة صمتتْ، وبدأت تتركُها وحدها وتنام كثيرًا، وآخر مرَّة رأتـها فيها، كانت تحمل طفلًا وتنظر إليها وتبتسم، حكتْ له أنها لم تكن هي ابتسامة أمها التي تعرف، فقد كانت ابتسامةً شاحبةً، وكذلك كانت أمها شاحبةً جدًا وهزيلةً، وكان حولها كثيرون يتحدَّثون فيما بينهم بأصواتٍ عاليةٍ، وبعد ذلك وجدتْ نفسَها تعيش مع من عرفت فيما بعد أنها جدَّتها، جدَّتها التي لم تكن تتكلَّم معها إلا نادرًا، مع أنها كانت دائمًا ما تتكلَّم مع نفسها.
"كانت أوقات تقول لي ياماما، فأضحك وأقول لها نعم يا بنتي، وأغنّي لها".
يلاحظُ الحزن الشفيف رغم الابتسامة في وجهها المتسخ، فيتذكَّر أنها حكتْ له سابقًا عن أنها لم ترَ أمها أبدًا، وأنَّ مَنْ كان يغني لها ويحملُها ويتمايلُ بها، في حكاياتها السابقة، كان أبوها ذو الشارب الكثِّ والرائحة التي كانت تجعلها تنام ما إنْ تستقرَّ في حضنهِ.
"كنت بغني لها أغاني ماما".
أضافت، فلمسَ خصلةً من شعرِها الأسود الناعم، وقال:
"غني لي".
"لأ".
"والنبي".
وقبل أنْ يُكرِّرَها قامت مبتعدةً عنه بجسدها الصغير.
"يللا، الصبح طِلع".
ولكنَّها عادت ومدَّتْ كفَّها إليه، بسط كفَّه، جذبَته، فرأى، بعين خياله، كفَّا كبيرةً جدًا تُفلت كفًّا صغيرةً عمداً في وسط طريقٍ مزدحم.
ياسر جمعة
"إيه!".
مسحتْ ضحكتها التي رنَّتْ ما علقَ بوجهها من غضبٍ، ابتسم لعينيها السوداوين اللَّامعتين وقال:
"صحيح اسمك إيه؟".
ولمسَ خدَّها بأطراف أصابعه، أبعدتْ يدَه، ورسمتْ الغضب المصطنع على وجهها مرَّةً أخرى، وقالت:
"مش هقول".
"والنبي والنبي".
"لأ".
"عشان خاطري".
"هات لي شكولاته الأول".
تلفَّتَ حولَهُ، كانت شوارعُ ما بعدَ الفجرِ خاليةً تمامًا، ومع ذلك قام، فقالت:
"خلاص، لمَّا المحلات تفتح، ياسر.. يا ياسر".
لم يردْ عليها، فكادت أن تقوم هي الأخرى وتلحقْ به، ولكنَّه توقَّف على مقرُبةٍ وراح يتبوِّل، ثمَّ عاد إليها.
في هذا الصباح حكتْ له أنَّها ما زالت تذكرُ عائلتها، خاصةً أمها، التي كانت تُغنِّي لها دائمًا، تغني وهي تحملها وترقص بها في منزلٍ نظيفٍ، أغاني عن كل شيء.. عن الحروف والسماء والعصافير، وعن الطعام، كلُّ أنواع الطعام، حكَتْ له أنَّ أمها فجأة صمتتْ، وبدأت تتركُها وحدها وتنام كثيرًا، وآخر مرَّة رأتـها فيها، كانت تحمل طفلًا وتنظر إليها وتبتسم، حكتْ له أنها لم تكن هي ابتسامة أمها التي تعرف، فقد كانت ابتسامةً شاحبةً، وكذلك كانت أمها شاحبةً جدًا وهزيلةً، وكان حولها كثيرون يتحدَّثون فيما بينهم بأصواتٍ عاليةٍ، وبعد ذلك وجدتْ نفسَها تعيش مع من عرفت فيما بعد أنها جدَّتها، جدَّتها التي لم تكن تتكلَّم معها إلا نادرًا، مع أنها كانت دائمًا ما تتكلَّم مع نفسها.
"كانت أوقات تقول لي ياماما، فأضحك وأقول لها نعم يا بنتي، وأغنّي لها".
يلاحظُ الحزن الشفيف رغم الابتسامة في وجهها المتسخ، فيتذكَّر أنها حكتْ له سابقًا عن أنها لم ترَ أمها أبدًا، وأنَّ مَنْ كان يغني لها ويحملُها ويتمايلُ بها، في حكاياتها السابقة، كان أبوها ذو الشارب الكثِّ والرائحة التي كانت تجعلها تنام ما إنْ تستقرَّ في حضنهِ.
"كنت بغني لها أغاني ماما".
أضافت، فلمسَ خصلةً من شعرِها الأسود الناعم، وقال:
"غني لي".
"لأ".
"والنبي".
وقبل أنْ يُكرِّرَها قامت مبتعدةً عنه بجسدها الصغير.
"يللا، الصبح طِلع".
ولكنَّها عادت ومدَّتْ كفَّها إليه، بسط كفَّه، جذبَته، فرأى، بعين خياله، كفَّا كبيرةً جدًا تُفلت كفًّا صغيرةً عمداً في وسط طريقٍ مزدحم.
ياسر جمعة