نمر سعدي - تقاسيم على مقام الندم.. ديوان كامل

نـمر سعدي
تقاسيم عَلى مقامِ الندَمْ

قصائد

كُتبتْ هذهِ القصائد بينَ الأعوام 2015 و 2018


إهداء
إلى امرأةٍ يغارُ البحرُ منها...

مدخل

لا أُحبُّكِ كما لو أنكِ وردةٌ من ملحٍ
أو حجرُ ياقوتٍ، أو سهمٌ من قرنفلاتٍ تشيع النار:
أُحبُّكِ مثلما تحَبُّ بعضُ الأمورِ الغامضةِ
سرَّاً، بين الظلِّ والروحِ
أُحبُّكِ مثلَ النبتةِ التي لا تزهرُ
وتخبىءُ في داخلها ضوءَ تلك الزهورِ
وبفضلِ حُبكِ يعيش معتماً في جسدي
العطرُ المكثَّفُ الطالعُ من الأرضِ
أُحبُّكِ دون أن أعرف كيف، أو متى أو أينَ
أُحبُّكِ بلا مواربةٍ، بلا عُقدٍ وبلا غرورٍ
هكذا أُحبُّكِ لأني لا أعرف طريقةً أخرى
غير هذهِ، دون أن أكونَ أو تكوني
قريبةً حتى أن يدكِ على صدري يدي
قريبةً حتى أغفو حين تغمضينَ عينيكِ.

(بابلو نيرودا من "مئة سونيتة حُب" ترجمة كمال يوسف حسين)



أشعارٌ محكومةٌ بالشَغف I

خدَرُ الحُب

أخدِّرُ بالحُبِّ روحي لأكتبَ
لا شيءَ أصعبُ من أن تكونَ بلا امرأةٍ
بابتسامتها وبحزنِ يدَيها
تربِّي نوارسَ عينيكَ أو تشتهي
خدرَ الصبحِ فيكَ
ولا بحرَ أقربُ منها إليكَ
ولا رملَ أقربُ منكَ إليها
انتبهْ لحفيفِ حدائقها في المساءِ الشتائيِّ
خذ حبقَ الوقتِ من يدها
لا أصابعَ عذَّبها النايُ أعذبُ من فمها
حينَ يبكي على زهرةِ اللوزِ
خذني إليكَ تقولُ ولكنها ليسَ تعني
يراودها يأسُها الوحشُ عن نفسها
وهيَ لا تتمنَّعُ منهُ
انتهى اليومُ دع قلبَها أيُّها الحزنُ
كيْ تستردَّ المجازَ من الحلمِ
كيْ تشربَ الآنَ قهوتها
ثمَّ تنهضُ محفوفةً ببياضِ الشموسِ إلى شأنها
لا قصائدَ من جسدِ الماءِ أغربْ
أُخدِّرُ بالحُبِّ روحي وأذهبْ.

**********

روحٌ في البحيرة

هاتي فراشاتِ النهارِ وكفكفي عني كوابيسي
لعلَّكِ تنصتينَ الى يديَّ وتفهمينَ بكاءَها الرعويَّ
روحٌ في البحيرةِ أنتِ.. أوفيليا التي يبكي عليها الماءُ..
وحدي في القصيدةِ مثلَ قلبِ الشاعرِ المدفونِ حيَّاً..
كنتِ صندوقَ الحنينِ ومعجمَ الأسرارِ
فيما كنتُ أصرخُ كلَّما تهوي
أصابعُك المضاءةُ بالزنابقِ في الظلامِ أمام عيني
كفكفي حزني الجميلَ بما توهَّجَ فيكِ من حسنٍ حزينْ
من أيِّ بئرٍ جاءَ هذا الحزنُ يا أمَّ البنينْ؟

********

قبسٌ من الرؤيا

قبَسٌ من الرؤيا
يقولُ عليكَ أن تحيا
بلا ندَمٍ وجوديٍّ السؤالِ
وأن تكونَ يداكَ هاتفكَ الذكيَّ
وربَّما حاسوبَكَ الشخصيَّ..
بوصلتينِ للقلبِ المعذَّبِ
شبهَ نائمتينِ ليلاً في مهبِّ الريحِ
في زمنِ الحداثةِ والجمالِ
فلن تموتَ لأجلِ لاشيءٍ وبالمجَّانِ
حرقاً خلفَ قضبانِ البرابرةِ الحقيقيينَ
لن تجدَ الظلامَ متى انتبهتَ
ولن تكونَ ضحيَّةً عبثيَّةً
في رحلةٍ جويَّةٍ لسمائكَ الأولى
ومنخوبَ الجبينِ أو الضلوعِ بطلقةٍ خرقاءَ
والمحكومَ بالإعدامِ قربَ البحرِ
في أجواءِ رومانسيَّةٍ
لا شيءَ ينقصها سوى السينما
وايقاعِ الدمِ الحافي على جمرِ الحياةِ
ولن تموتَ سوى على أعلى صليبٍ
ناضحٍ بمرارةِ العطرِ المفخَّخِ والمصفَّى
من يدِ امرأةٍ أطحتَ بقلبها الأعمى
وأنتَ إلى نبوَّتكَ الأخيرةِ
أو بطولتكَ الأثيرةِ
يا ابنَ دمعتكَ الكبيرةِ ذاهبٌ
في منتهى هذا السرابِ الآدميّْ.

********

تسائلُ عاشقةٌ نفسها

ستنقصُهُ لغةٌ في الأصابعِ

كيما يفسرَّ ما فيهِ من قلقٍ عاشقٍ

وسحابةُ صيفٍ ليغفو قليلاً

ويرتاحَ من تعبٍ كافرٍ آخرَ اليومِ

فيما تسائلُ عاشقةٌ نفسَها

وهي تكتمُ حُبَّاً جديداً بسريَّةٍ مُعلنةْ

مَرَّ من دونِ أن يتمرأى بعينيَّ شخصٌ غريبٌ

فماذا وجدتُ به دونَ كلِّ الرجالِ إذنْ؟

فهو في نزقٍ دائمٍ

هل وجدتُ حنانَ أبي مثلاً؟

أو روائحَ طفليَ؟

لا لستُ أدري..

وجدتُ أنايَ على راحتيهِ

ولم أجدْ الحبَّ فيهِ ولا لعنةَ الأمكنةْ.

********

علَّمَتْني كما لم تعلِّمْ سوايَ

ليسَ في يدها قبضُ ماءٍ ولا خمرةٌ

بل رمادُ الخطيئةِ أو جمرةُ الفاجعةْ

وأنا لم أكن مرَّةً قيسَ

كي أتحلَّق حولَ خلاخيلها

وأبوسَ السهامَ المضيئةَ تلكَ التي

قدَّتْ القلبَ من قُبُلٍ

والتي علَّمتني (كما لم تعلِّم سوايَ)

قراءةَ سفرِ المزاميرِ والجامعةْ

واضحٌ شغفي مثلُ شمسِ الضحى

ودمي مثلُ ضحكةِ ليلى الطفوليةِ النبرِ

لا يرتدي الأقنعةْ

********

سمكٌ طائرٌ


لها الآنَ أكتبُ لكنها ليسَ تدري

لمن أكتبُ الآنَ هذا الكلامَ البسيطَ..

فهل فكَّرتْ أنني قد نسيتُ إنارةَ وحدتها بالقصائدِ

أو بشموعِ دمي..

أو ضَللتُ طريقَ الرجوعِ الى قلبها..؟

وأنا لا بشيءٍ أفكِّرُ إلا بدمعةِ طفلٍ

ستقهرُ أعتى الطغاةِ..

لها الآنَ أكتبُ وهي بنسيانها المرِّ تشطبُ

كلَّ أغاني الحياةِ

تفكِّرُ قلبي تغيَّرَ والقلبُ في يدها

طوعَ نيرانها وهواها

تربِّيهِ وردةَ فلٍّ على مهلها تتفتَّحُ

أو قُبلةً في الشفاهِ

جاءَ من نسلها سمكٌ طائرٌ في الفضاءِ

وأسرابُ طيرٍ تجوبُ المياهْ

********

من أورثني سواهُ هذا الشَغف؟


في القفصِ الصدريِّ

طيرٌ طائشٌ أعمى.. سرابيٌّ..

أنينُ البحرِ في أصدافِ عينيهِ

وفي رملِ شراييني وفي احتراقهِ الأزرقِ

من أورثني سواهُ هذا الشغفَ الناصعَ

أو شرارةَ الغوايةِ الأولى

بكاءَ الجسدِ.. الضلالَ في أوديةِ المجازِ

ملحاً في دمي يجهشُ

نوَّاراً غريباً كزهورِ الغيبِ في آذارَ

عشقاً غامضاً

وغيمةً بيضاءَ حولَ هالةِ اليدينِ

تيهاً في صحارى الشِعرِ

أو شبهَ حلولٍ في خواتمِ الندى الليليِّ

أو أصابعِ الرمادِ؟

لا يفضي إلى معنى

ولا يتركني أرتاحُ من طائرةٍ مائيَّةٍ في عصبي تئنُّ

أو يحملُ عني وردةَ الغبارِ أو فراشةَ الحديدِ

في ظهيرةٍ بيضاءَ...

هذا الطائرُ الشاعرُ كلَّ لحظةٍ

يطلعُ من منحوتةٍ فضيَّةٍ لامرأةٍ عاشقةٍ

في متحفِ الفنونِ

أو ينسلُّ من ركامِ فكرةٍ عن الحبِّ

ومن حطامِ ألواحِ الوصايا العشرِ

أو من دمعةِ السماءْ

********

آن سكستون


الآنَ لو صادفتُ آن سكستون تذرعُ شارعاً حذوي

فماذا قد أقولُ لها؟

تُرى سأبوحُ حينَ أرى أصابعها النحيلةَ

وهيَ تصنعُ قهوةَ الايقاعِ

أني ليلةً ما من ليالي العمرِ

وحدي كنتُ أشربُ صوتها الرقراقَ

وهو يفيضُ في اليوتيوبِ؟

هل سأقولُ في عفويَّةٍ وبجرأةٍ العشَّاقِ

كم أحببتها يوماً على عصبيَّةٍ فيها

وحزنٍ ليسَ تشفى منهُ...؟

ماذا كنتُ أطلبُ من يديها

في مهبِّ العمرِ والنوستالجيا؟

سيجارةً أم قبلةً أم نظرةً خرساءَ أم أيقونةً لفظيَّةً؟

أم يا تُرى تلويحةً لي من ضفافِ حنانها

وجنانها لجهنَّمي الحمراءِ؟

لكن آنَ ما كانت لتعبأ بي

ولو عاتبتها بلطافةٍ وبهمستينِ

على طريقتها المريعةِ في انتقاءِ الانتحارِ

وربَّما مرَّت مسارعةً خطاها

مثلَ أنثى الأقحوانِ

ولم تُعِر قلبي شعاعاً واحداً

أو تلتفتْ لي.

********

مجازُ الحنين


تقولُ لي: (كأنَّ عصفورةً

في صوتها الأزرقِ عصفُ السنينْ)

دعْ كلَّ ما في الدُرجِ من أنجمٍ

خضراءَ في الريحِ ومنسيَّةٍ

في غبَشِ الأحلامِ قد تهطلُ

حدائقُ الأشعارِ سريَّةٌ

يطلعُ منها قمرٌ مهمَلُ

أزهارهُ العمياءُ ممهورةٌ

للماءِ.. لا تزهرُ أو تذبلُ

تصيحُ بي قصيدةٌ لم يزلْ

من ألفِ عامٍ طيرُها يرحلُ

أطلق من الغبارِ مسجونةً

ضاقَ بها الليلكُ والمنزلُ

دعْ نهرَها يرقصُ ملءَ السماء

وشَعرَها في مطرٍ يوغلُ

أنا التي أصرخُ في كلِّ ما

كتبتَ.. أو أضحكُ أو أسألُ:

فراشةٌ عنيفةٌ أم يدٌ

تأكلُ من يديَّ ما تأكلُ؟

لـمِّعْ بعينيكَ مجازَ الحنينْ

فصدأُ الحياةِ مُسترسلُ

*****

طلَليَّة


قفا نبكِ.. قالَ

وحدَّقَ في يدهِ

لا ليمسكَ خيطَ القصيدةِ في غابةِ الليلِ

بل ليرى ما تخبِّئُ أشعارُهُ من تآويلَ...

كانَ على طللِ الغيبِ ينهرُ أشباحَهُ

ثمَّ يفتحُ بابَ قصيدتهِ للرياحِ

ويبدأ: يا ليتني حجرٌ

ثمَّ يصمتُ...

يا ليتني شجَرٌ

والدمُ المتخثِّرُ ينزفُ حتى

من الشجرِ المقتنى كاليبابِ

قفا نتأمَّلُ فوضى الخرابِ

قفا لنودِّعَ أيامَنا

وقفا لنشيِّعَ أحلامَنا

وقفا بي مليَّاً على طلَلٍ مُوجعٍ

مثلَ وشمٍ بخاصرةِ الأرضِ يلمعُ

كي أذرفَ الدمعَ والشِعرَ والقلبَ...

لنْ أتشمَّسَ في بحرِ آذارَ

أو أتأملَّ فلسفةَ الحبِّ

أو أبتني دارةً من سحابٍ لأنثى الغيابْ.

********

امرأة


مثلاً لو فتحتُ نباحَ الكلابِ البعيدةِ

ماذا تُرى سأرى..

غيرَ بحرٍ فسيحٍ يُزوِّجُ زرقتهُ للسماءْ؟

وماذا سيخرجُ لي من صياحِ الديوكِ

وعرسِ الفراشاتِ في آخرِ الحيِّ غيرُ البكاءْ؟

وهل لو أقشِّرُ تفاحةَ الوقتِ

أو ثمَرَ الرغبةِ العاطفيَّةِ بالفمِ والمقلتينِ

فماذا سأجني سوى قبضةٍ من هواءْ؟

وحدَها امرأةٌ في القصيدةِ

تحملُ في يدها كوكباً لليمامِ

وخبزاً لفصلِ الربيعِ

وفي قلبها قمراً من غناءْ

وحدَها امرأةٌ في الحنينِ العموميِّ. . لا كالنساءْ.

*********

شغفٌ مُجرَّد


مطرٌ ربيعيٌّ وسريٌّ يهبُّ على حديقتها

وشمسٌ في يديها الآنَ يا قلبي..

وسبعُ زنابقٍ

وكتاب كافكا الساحليُّ

ودمعةٌ فضيَّةٌ..

ومحارةٌ تحوي ارتطامَكَ في الطريقِ بنجمةٍ رمليةٍ

في الكرملِ السحريِّ

حينَ رأيتُها تمشي على عجَلٍ

وتنظرُ مثلَ وردٍ في الظهيرةِ باتجاهِ البحرِ..

تنحتُ من صدى الفرحِ النظيفِ صخورَ ضحكتها..

وكلُّ كلامها في الصفحةِ الزرقاءِ يُبكيني..

سرابُ مدينةٍ بحريَّةٍ هيَ.. لمَّعتْ عطشي المجرَّدَ؟

أم بقايا غيمةٍ في الشِعرِ؟

أم عطَشُ الحقيقةِ للمجازِ..

وما تجمَّع في دمي الصيفيِّ من نُقَطِ الجَمالِ؟

********

لَسْعُ بنفسَج


لعنقاءِ هذا النهارِ الربيعيِّ ما تشتهيهِ

ولي أن أقولَ

الغريباتُ هنَّ الجميلاتُ

لسعُ البنفسجِ في الخاصرةْ.

********

قصيدةٌ عبثيَّة


قاسمتني كوابيسَها مثلَ تفَّاحةٍ

والحديثَ الطويلَ المُملَّ عن الأدبِ العبثيِّ

وقصَّةِ (فنَّانِ جوعٍ)..

وعطرَ الأكاسيا وخبزَ الفراغِ..

وأشياءَ أخرى

ولم تنسَ في جسدي شوكَها المتوجِّسَ

لم تنسَ أغنيةَ الماءِ.. أو فلَّها

أنا من نسيتُ دمي في حرائقها

والحدائقَ في جسمها.. كلَّها.

********

شاعرٌ حديثٌ


الشاعرُ الحديث لا يبحث عن شيءٍ أبداً

ولو كانَتْ نظرتهُ تُغري بأنهُ

يبحثُ عن شيءٍ ما خفيٍّ

فهو قد استقالَ من مهنةِ حملِ المزامير

والطوافِ بها من وادٍ لآخرَ

ولقدْ تشقَّقتْ قدماهُ

من كثرةِ ما مشى في بريَّةِ الريحِ

وعلى شهوةِ الماءِ

هو فقط يبحثُ بعينيهِ المنكسرتينِ مثلَ قوسَيْ قزحٍ

والمشتعلتينِ بثلجٍ أسودَ

عن مدنٍ جديدةٍ يتعلَّقُ بها

تعلَّقَ الطفلِ بأمِّهِ

ونساءٍ مرحاتٍ يدفنُ فيهنَّ قلقَهُ

الذي أورثتهُ إياهُ حبَّةُ التفاحِ الأولى.

*****

غَيمَةٌ في الأصابع II

أكتبها بالحنين


نصفَ نائمةٍ تنقرُ الهاتفَ الخلويَّ وتبسمُ..

ترهفُ أعضاءَها للنسيمِ

وما يتنادى على ساحلِ البحرِ

من مطرٍ هائجٍ لطيورِ السنونو

وترشدُ ضلِّيلها القلبَ للطابقِ العُلويِّ

هنا في قطارِ المساءِ..

أشاعرةٌ هي لا تكتبُ الشعرَ أم غيمةٌ في الأصابعِ

أم ذئبةٌ في القصيدةِ..

أم زرقةٌ لا تفسَّرُ أم وردةٌ في الغروبْ؟

أنا الآن أكتبها بالحنينِ الوجوديِّ..

هل أطمئنُّ الى أنني أنتمي لكآبتها فرَحاً

ولكلِّ العصورِ وكلِّ الشعوبْ؟

*********

هاتي وردةً ويداً لأنسى


سأُعيدُ قولَ أبي

فما هذا الربيعُ الهامشيُّ بمُنطقي

أو مُطلقي من قيدِ نفسي

في يدي ستصبُّ شمسي عندَ هاويةِ المجازِ

ومن دمي العفويِّ والحافي

سيطلعُ بُرعمُ الوجَعِ المقفَّى في هواءِ البحْرِ

يا حيفا الحبيبةَ لا تنامي أوَّلَ الليلِ الطويلِ

وتتركيني في مهبِّ القهْرِ

هاتي وردةً ويداً لأنسى

دمعةً ذهبيَّةً في الدربِ

أو موتي بحربِ الطائفيين اللعينةِ

أو فماً لأشدَّ رأسي

بحديقةِ المشفى إليهِ..

وحكمةً لا خيرَ في غدها

الذي أرجأتهُ لرمادِ أمسي

سأعيدُ قولَ أبي

فما هذا الربيعُ الهامشيُّ بمُنطقي..

طوبى لمن يغفو بغمِّ الأمسِ أو همٍّ قديمْ.

********

وِحدَة


ثمةَ كائنٌ تعيسٌ في مكان ما من هذا العالم.. تعيسٌ بوحدتهِ إلى أبعدِ حدود التعاسة.. لكن.. أينَ يهربُ من وحدتهِ يا الله.. وكلما قصدَ مكاناً قصيَّاً من هذه الأرضِ وجدَها بانتظارهِ.. رغم المئات من الذين يحيطون به إلا أنه لم يتخلَّص بعدُ من اطلالةِ وجهِ وحدته القبيحِ على وجوده. الوحدةُ هي أفظعُ عذابٍ في الحياة.

هكذا كانَ يتحدَّثُ مع نفسهِ الرجل الخمسينيُّ في مكان ما.

**********

الطُغاةْ


الطُغاةُ إذا دخلوا قريةً أهلكوها.. الطغاةْ

شربوا خمرةً من دماءِ الضحايا ودمعِ القلوبِ

وسوَّوا الجبالَ مع الأوديةْ

الطغاةُ رمادٌ مريضٌ

ستذروهُ يوماً يدا طفلةِ الشمسِ في الهاويةْ

الطغاةُ عناكبُ سوداءُ يابسةٌ

سوفَ يجرفها بوحُ نايٍ

وتحرقها أُغنيةْ.

*****

ألفُ عامٍ لأنساكِ


يلزمني ألفُ عامٍ لأنساكِ

يا وردةً من دماءٍ ولحمٍ

ومن غيمةٍ في غصونِ الأراكِ

تشرَّدتُ في الحرَمِ الجامعيِّ

وفي الأرضِ لا طالباً للعلومِ

ولا شاعراً ضلَّ في الحبِّ عشرينَ عاماً

وقُبلتُكِ المشتهاةُ مع الريحِ قِبلتُهُ

الآنَ في المطعمِ الجامعيِّ

المطلِّ على جنَّةِ الأرضِ حيفا

أفكِّرُ وحدي بلا شيءَ

أمشي لأنسى

أدخِّنُ بعضَ السجائرِ

أجهلُ من أنتِ.. أجهلُ نفسي.

*********

دمعةٌ من كربَلاء


بالدموعِ نكلِّمهُ:

أنتَ قطَّعتَ أيديَنا فبماذا نعانقُ أحبابنا

يا يزيدُ ولا... لاتَ حينَ عناقْ؟

أنتَ صلَّبتنا في الشآمِ وقتَّلتنا في العراقْ

ستنامُ بقلبٍ مواتٍ وعينينِ مسجورتينْ

لأنَّ دماءَ الحسينْ

تحرقُ الآنَ روحكَ...

تخلقُ من كلِّ طفلٍ حُسينْ

*********

نعمةُ الصمت


لو أنَّهُ ظلَّ صامتاً

ذلكَ الرجلُ الثلاثينيُّ الساهمُ والمتعبُ

من غيرِ عملٍ شاقٍ يقومُ بهِ

لو أنَّهُ ظلَّ صامتاً

ولم يبدِّدْ سعادةَ حياتهِ في صحراءِ الثرثرةِ

وهو يحدِّقُ في كفِّ نهرِ الفراغِ كعرَّافٍ فاشلٍ

لكانَ عرفَ عندما انسابتْ وردةُ الحقيقةِ من حديقةِ قلبهِ

الفرقَ الكبيرَ بينَ شوكةٍ زرقاءَ في دمهِ

وقبلةٍ يطيِّرها على أطرافِ أصابعهِ لامرأةٍ مجهولةٍ

تجلسُ في أقصى زاويةٍ في مقهى مكتظٍ برائحةِ السماءْ.

*********

أغاني تروبادور مجهول III


تحوُّل


ربمَّا كانَ اسمها ايزابيلا

وربمَّا كانت تحتسي قهوة الكابوتشينو بكلِّ نشوةٍ

وربمَّا أيضاً دخلتْ في حالةٍ مشابهةٍ

لحالةِ غريغوري سامسا

في روايةِ التحوِّل لفرانز كافكا

فظنَّت نفسها فجأةً أنها تحوَّلت إلى حمامةٍ هائلةٍ

فقزت من نافذةِ مكتبها في برجِ جامعةِ حيفا

لترتطم بصخرةِ موتها

وبعبارةِ ت س اليوتَ المشهورة

(نيسانُ أقسى الشهورِ)

كلَّ يومٍ تعبرُ من أمامي وأنا أجهلها

أراها بعينِ الشاعرِ

بكاملِ بياضها وزينتها ومرَحها وجمالِ قلبها

ولكنني للأسف لا أرى شعاعَ الكآبةِ النابضَ في عينيها

وهذهِ مشكلةٌ حقيقيَّةٌ

أن ترى كلَّ شيء ولا ترى الكآبةْ

سأدلقُ فنجانَ قهوتي على الأرض

وألغي برنامجَ قراءتي لهذا اليومِ

حداداً على الحمامةِ التي لا أعرفها.

********

لا تثقي بغيرِ نشيدِ نيرودا


حتَّى أبو تمَّامَ يُربكها بهذا البيتِ فهيَ تعيدُهُ

(نقِّل فؤادَكَ حيثُ شئتَ من الهوى

ما الحبُّ إلاَّ للحبيبِ الأوَّلِ)

الآنَ انتبهتُ لنجمةٍ صفراءَ في يدها

وشبهِ وصيَّةٍ محفورةٍ في قلبها بالماءِ

والقلقِ الحديثِ.. وما تقولُ الياسمينةُ للخريفِ..

وفي صباحاتِ الغيابِ لها:

اذهبي وتناولي ديوانَ شيرازي

ولا تثقي بغيرِ نشيدِ نيرودا

فمن فرطِ الحنينِ أو الكآبةِ حينَ نعتزلُ الكتابةَ

لن نصدِّق غيرَ تشارلز بوكوفسكي

وعوائهِ الأبديِّ في جسدِ القصيدةِ

في توجُّعها الأخيرْ.

*******

بُكائيَّة إلى حسين البرغوثي


لم أجد حجرَ الوردِ يا حسين..

الحجرُ الذي كانَ يجلسُ القرفصاءَ في قريتكَ كوبرَ كانَ يبكي بصمتٍ مقهورٍ

سياتلُ البنتُ لم تعنِ لي يوماً أيَّ شيءٍ سوى أنها آخرُ مدينةٍ على سجَّادةِ الأرضِ المستطيلةِ.. أو القبضةُ الحديديَّةُ لأمريكا الصاخبة.

فيما بعد صارتْ ترمز لقبر بروسلي.. أقصدُ الإنسانَ الشاعرَ وليسَ فقط المقاتلَ..

في حديثهِ الأخيرِ على اليوتيوب كانَ يريدُ حسين أن يتركَ أيَّ أثرٍ على هذه الأرضِ.. بعد تخلِّيهِ عن اكتمالِ حلمهِ..

أيَّ أثرٍ ولو كانَ خيطاً رفيعاً من الدمعِ يلمعُ على جسدِ هذهِ الأرضِ..

أيَّ أثرٍ ولو كانَ قُبلةً من ضوءٍ..

حيفا همستْ في أذني البارحة: عن أيِّ أثرٍ تبحثُ سوى أثرِ الفراشةِ..؟

عن أيِّ روحِ قمرٍ تبحثُ في ترابِ الليل؟

********

يا زهرةَ الرُمَّانْ


قلبي الملولُ ونورساتُ البحرِ..

عاطفتي الرفيعةُ كالصراطِ

وساعةٌ رمليَّةٌ صمَّاءُ في رأسي

وحبرٌ لا يُرى ويُمَّسُّ

أصبحَ فائضاً عن كلِّ حاجاتِ القصيدةِ..

يبدأُ الطيرانْ

حجَرٌ سماويُّ الندى بيديهِ من قاعِ الخرافةِ

فاستعيديني من الكثبانْ

يا حكمةً بيضاءَ

أو يا قُبلةً للماءِ تنبضُ في شراييني وفي عينيَّ

يا قلَقي الذي يخضرُّ في تشرينَ

يا وشماً بخاصرةِ الحبيبةِ فسَّرَ التحنانْ

يا زهرةَ الرمَّانِ كوني لي

لأحملَ نجمتي يا زهرةَ الرمَّانْ.

******

نسيان


أنا أنسى فاكتبي لي اسمكَ

في كلِّ رقاعِ الأرضِ حتى أتمرَّدْ

ضدَّ روحي..

وأناديكِ كما يحلو..

أحلُّ الصدفَ المعقودَ في كفَّيكِ

عن نهرِ الزبَرجَدْ

أنا أنسى.. أتناسى..

أتعافى عندما تأتينَ من حزني

كأني الباحثُ الدهريُّ في عينيكِ

عن شيءٍ محدَّدْ.

********

يا زهرةَ الصُبَّار


يا زهرةَ الصُبَّارِ لا تبكي على الماضي

فقلبي مضغةٌ من نارْ

سيكونُ متسَّعٌ لنا لو في شقوقِ الوقتِ..

لو في فجوةٍ صغرى رأتْ وجهَ الضحيَّةِ في دموعِ الدارْ

لا تقطفي قلبي ولا تتحرَّجي مني

فأنتِ أختُ الذين تعذَّبوا وتشرَّدوا في الأرضِ

أنتِ حنينُ أنفاسي لمنديلٍ عصيِّ الريحِ

أو شغفي بعطرِ العشقِ في أيَّارْ

فقصيدتي كُتبتْ على عجَلٍ

وهذي قهوتي شُربتْ على عجَلٍ

وحامَ دمي على الأنهارْ

يا زهرةَ الصُبَّار لا تبكي على ما ضاعَ..

كوني لي لأطلقَ زفرتي يا زهرةَ الصُبَّارْ.

********

طريقٌ عموديَّةٌ


حياتي طريقٌ عموديَّةٌ

ونهارٌ بلا زنبقاتٍ ثلاثٍ

وليلٌ بهِ ضجَرٌ مرعبٌ

يقضمُ الآنَ تفاحةَ الآخرةْ

وأحلامَهُ واحداً واحداً

وهو في شرفةٍ يتناولُ فنجانَ قهوتهِ

بيدٍ من بكاءٍ ويشربهُ

ويفكِّرُ مثلَ التماثيلِ باليقظةِ الماكرةْ

حياتي طريقٌ سماويَّةٌ

للمضائين بالندَمِ الساحليِّ

وللشعراء اليتامى.. وللفرسِ النافرةْ

أنتِ كلُّ القصيدةِ يا امرأةً

لم تكنْ أبداً مرَّةً شاعرةْ.

*********

هيَ ما أريدُ الآنَ من حبقِ الشقاء


أشعارُكِ الزرقاءُ والسيجارةُ الأولى أمامَ البحرِ

واللانداي والغزَلُ الايروسيُّ القديمُ

وغمغماتُ نوارسٍ قربي

ولعنةُ نثركِ الروحيِّ في مجرى دمائي

هيَ ما أريدُ الآنَ من قلقِ الحياةِ المُرِّ

أو حبقِ الشقاءِ

هاتي بلاداً لم أزرها مرَّةً وخذي سمائي.

********

زليخَة


ذابتْ من الشهواتِ شمسُكِ يا زليخةُ

ذابَ جسمُكِ في الشفوفِ وفي القلائدِ

وانتهتْ كلُّ الحروبِ الآدميَّةِ

والسنابلُ لا تزالُ رقيقةً خضراءَ

والقمرُ الحرونُ مسوَّراً بالغيمِ في نيسانَ

وحدَكِ في القصيدةِ والحياةِ

وفي بداياتِ التأمُّلِ أو نهاياتِ الظنونِ

تجفِّفينَ قميصَ هاويتي

بماءٍ في الأصابعِ مثلَ لذعِ النارِ

قُدِّي ألفَ قلبٍ لي لعلِّي

من ظلامِ البئرِ سوفَ أطيرُ حيَّا

فبكاؤكِ العفويُّ في الأحلامِ

يصرخُ بي نبيَّا.

*********

عطرُ الموريسكيَّات


هل كلَّما حدَّقتُ للأعلى

لأكملَ ما تناقصَ من كلامِ البَحرِ

في هذي القصيدةِ

أو لأسقي ما ذوى في القلبِ

من شفقِ البنفسجِ

أو لأقطفَ نجمةً خضراءَ عن شجرِ الترابْ

نبتتْ زنابقُ في يديَّ

وحلَّقتْ بي فكرةٌ نحو السرابْ؟

سيكونُ وصلٌ ما بأندلسٍ

وليلٌ مشبعٌ بالعطرِ

من أثرِ الموريسكيَّاتِ.. يا قلبي..

ولو طالَ العذابْ.

********

أُمسية شِعريَّة

قبلَ الذهابِ إلى الأمسيةِ الشعريَّةِ الأخيرةِ قتلتُ أفعى صغيرةً جميلةً وطيِّبةً وندمتُ بعدَ ذلك.. تمرَّنتُ قليلاً على الإلقاءِ كي لا أتعثَّرَ بلفظةِ شهريار.. ولكنني فعلا تعثَّرتُ.. في الأمسيةِ التي لم يحضرها سوى بضعةِ أشخاصٍ أغلبهم لا يعرفُ العربية.. لم أنجحْ بتقليدِ ألن غنسبيرغ وهو يلقي قصيدةَ (عواء) في هواءِ الحياةِ الطلق.. كان غنسبيرغ آخرَ أنبياءِ الشِعرِ بينما أنا آخرُ صعاليكهِ.. ونحنُ نخرجُ من الصالةِ الضيِّقةِ قلتُ لامرأةٍ لا تكتبُ الشِعرَ.. أنتِ هيَ القصيدة.

*********

أريدُ ذاكرةَ النسيان


تلكَ التي تركتْ عطرَ الفراشةِ في

أسوارِ قلبي وما قد شفَّ من يدِها

كانتْ تؤثِّثُ في غرناطةٍ ندمي

وفي بلنسيةٍ محرابُ معبدِها

أبوسُ أزهارها الأولى فتحرقني

في أوَّلِ الصيفِ أو آلاءِ مولدِها

فوَّلتُ عينيَّ شطرَ الريحِ في قلقٍ

كُرمى لأصغرِ نجمٍ في تشرُّدِها

لا شِعرُ لوركا بهِ غيتارةٌ صدحَتْ

في الليلِ يُنقذُ روحي من تبدُّدِها

لا شَعرُها وهوَ في مرمى نوارسهِ

يُحيي زنابقَ جسمي قبلَ موعدِها

دمي وأمسي موريسكيَّانِ.. كيفَ إذنْ

أريدُ ذاكرةَ النسيانِ من غدِها؟

********

تحتاجُ رومنسيَّةً لتعيشَ


تحتاجُ رومنسيَّةً منسيَّةً لتعيشَ

أو بحثاً عن الايقاعِ

أو لا شيءَ كيْ تنسى

وتذكرَ نبتةَ النعناعِ

قلباً جيِّداً تحتاجُ

يُرشدُ من يضلِّلها السرابُ

أو الغيابُ

إلى الصدى الأبويِّ في النايِ البعيدِ

وزهرةً بحريَّةً بيضاءَ في حيفا

وليسَ هناكَ في المنفى

وخاصرةً مزنَّرةً بقمحِ الصيفِ

في أوجِ الشتاءِ

ورغبةً عمياءَ أو وحشيَّةً لبكاءْ.

********

دُلِّيني على ليلٍ طويل


سأقولُ دُلِّيني على ليلٍ طويلٍ ساحليٍّ

أو على قمَرٍ إضافيٍّ لأكتبَ ما أُحبُّ

من المزاميرِ القصيرةِ..

آهِ دُلِّيني على صحراءَ خاويةٍ

لأصبحَ شاعراً يحيا بقلبٍ هادئٍ

وبجمرةٍ ثلجيَّةٍ سوداءَ في عينيهِ

بعدَ شتاءِ هذا الحُبِّ

ما كانت شراييني حبالَ سفينةٍ خضراءَ

ينعسُ فوقها قمرٌ حليبيٌّ..

تركتُ حرائقي خلفي

فكيفَ أُضيءُ صمتَ الظلمةِ الصفراءْ؟

********

إقرأ لنفسكَ


ضعْ نرجسيَّتكَ الجريحةَ جانباً

واقرأ لنفسكَ أوَّلاً

لترى هُبوبَ اللفظِ في المعنى

وتسمعَ وقعَ زرقتهِ

كأنكَ لستَ من كتبَ القصيدةَ

أو أحبَّ بنشوةٍ صوفيَّةٍ..

خذْ ما تشاءُ من الحنينِ أو الغموضِ

ودعْ لآدمَ كلَّ تفاحاتهِ

ونحيبكَ المثقوبَ بالندمِ السماويِّ الجميلِ

ليستردَّ مكانَهُ الضلعُ المسافرُ

منذُ بدءِ الخلقِ

في الأرضِ اليبابِ ولا وصولْ.

********

نايٌّ أندلسيٌّ IV


ثمَّة ملحٌ بطيءٌ يضيءُ الشرايينَ..

قالَ الطبيبُ الذي زرتهُ في المساءِ

احترسْ من خطاياكَ والضغطِ والعصبيَّةِ

والدهنِ والسُكرِّيْ

فقلتُ لهُ هاتِ لي شاعرا واحداً لم يمتْ

بالجمالِ وبالوجعِ الشاعرِّيْ

*

ثمَّةَ سيِّدةٌ في الروايةِ لا في الحياةِ..

مسيَّجةٌ بمزاميرِ عهدٍ قديمٍ

وطيِّبةٌ كحمامِ الجليلِ

ولكنها حينما جعلتْ قبضةَ القلبِ غيتارةً

لأناشيدها..

والضلوعَ امتداداً لناياتها..

لستُ أدري لماذا كفرتُ بها

*

مثلاً ما الذي سوفَ يحدثُ

لو أنني...

نظرتُ إلى ساعةٍ غيرِ مرئيَّةٍ في يدي

ورجعتُ إلى قرطبةْ؟

ما الذي سوفَ يحدثُ لو أنني

عشتُ خمسَ دقائقَ في زمنٍ آخرٍ

وتوَّغلتُ في التجربةْ؟

*

أرى الحبَّ في بصمةِ العينِ

والحربَ في وردةٍ متعبةْ

فلا تكلوني إلى أفلاطونَ التعيسِ

لكيلا أسبَّ الحروبَ أو المرأةَ الطيِّبةْ

*

أيها الغامضُ المتوجِّسُ

يا شاعراً ليسَ يعرفهُ أحدٌ

قلتُ ليسَ هنا جوهرُ المسألةْ

أنا اليومَ شاعرُ نفسي..

أنا الولدُ الضالُّ في أوَّلِ الماءِ

أو آخرِ السنبلةْ

ما انتظرتُ مجاملةً من أحدْ

*

طابَ جرحي ولكنَّ روحي تفيضُ على جانبيها

*

أقولُ لشمسي الحبيبةِ لم يبقَ إلاكِ لي

*

أقولُ لصلصالِ جسمي تخفَّفْ قليلا من الماءِ

قدرَ الأنوثةِ..

واشربْ كما شئتَ من سمِّها المشتهى السلسلِ

*

الكتابةُ سرُّ الندَمْ

وغبارُ الحقيقةِ..

صوتُ الألمْ

*

طريقي إلى الأندلسْ

تمرُّ مصادفةً من إرمْ

**********

قصيدةٌ إلى خليل حاوي


شاعرٌ لحزيرانَ

وقتٌ لطعمِ الرمادِ

وزنبقةٌ في فمِ البندقيَّةِ..

تعويذةٌ في كتابٍ قديمٍ لحبٍّ مواتْ

*

عاشقٌ دونما امرأةٍ واحدةْ

تربِّي لهُ حزنَهُ

قلبُهُ كالفراشةِ في ليلِ نيسانَ

يبحثُ عن نجمةٍ في سباتْ

*

محترقُ الدمِ.. مكتئبٌ.. عصبيُّ المزاجِ

لماذا أفاقَ من الحلمِ هذا الصباحَ؟

لماذا أعدَّ القصيدةَ في البهوِ للحبِّ؟

هل كي يتمَّ انتحاراً تأخرَّ عنهُ قليلاً

وينقصَ وردتهُ غيمَةً

أخطأتْ قلبَهُ كالرصاصةِ

في أجملِ الشرفاتْ؟

*

القصيدةُ ظلَّت على حالها في انتظارِ يديهِ

وفنجانُ قهوتهِ ظلَّ أيضاً

ولكنهُ بالاشارةِ أو بمجازِ الندى كانَ ماتْ

*

لا تقلْ يا خليلُ كلاماً أخيراً

(أنا لا أحبُّ الكلامَ الأخيرَ)

ولا تفتح القلبَ للنسوةِ الأخرياتْ

*

سيضيءُ لكَ العشبُ في كوكبٍ آخرٍ

وبعفويَّةٍ سوفَ تغفو على صدركَ الأغنياتْ

*

شاعرٌ لحزيرانَ.. طيرٌ لفاتحةِ الصيفِ يصطادهُ غضبٌ نافرٌ

في طريقِ الصلاةْ

**********

تقاسيم عَلى مقامِ الندَمْ V


تقتصُّ مني لمسةٌ شمسيَّةٌ

أو نقرةُ العصفورِ حينَ تحطُّ في قلبي

المسوَّرِ باليقينِ وبالظنونْ

تقتصُّ مني الحكمةُ السوداءُ..

(نزوةُ شاعرٍ في الأرضِ فانيةٌ

وكلُّ الأغبياءِ مُخلَّدونْ)

تقتصُّ مني وردةٌ ناريَّةٌ بيضاءُ

تشبكها الحياةُ بشَعرها الغجريِّ..

ناعمةٌ وقاسيةُ الحقيقةِ والعيونْ

*

على يدي حجرٌ قاسٍ يصيرُ إلى

عبيرِ سوسنةٍ.. لو زارَ مخدَعَها

على شفاهي رمادٌ شعَّ.. في جسدي

ماءٌ يعلِّمُ موسيقايَ أضلعَها

تقولُ آخرَ هذا اليومِ: خُذ بيدي

من أوَّلِ الرعشةِ الصغرى لأسمعَها

كأنَّ روحيَ في الكونينِ ما لمستْ

سرَّاً بأصبعها إلاَّ ليوجعَها

تحتاجُ قلباً سلوقيَّاً لتتبعَهُ

حتى سماءِ الأغاني لا ليتبعَها

أقسمتُ باللهِ لو جُرِّدتُ من شبَقي

لصرتُ خيطَ هباءٍ ذائبٍ معَها

لو دمعةٌ هيَ في آجرِّ قرطبةٍ

لأحرقتْ قلبَ من في الأمسِ ضيَّعَها

ما من وصولٍ حقيقيٍّ أو امرأةٍ

تعطي لأبعدَ حزنٍ فيَّ أذرعَها

*

غرِّري بي كالحياةِ وكالقصيدةِ ما دمتُ واجهتكِ بطيبةِ قلبي وبوردةِ صراحتي البيضاء.. لم أكن أعرف أنكِ بحاجةٍ إلى قدرٍ غيرِ قليلٍ من المكرِ والمراوغة والحيلة..

سأغتابكِ بقلبي بعفويَّةِ المسافرِ الضجر وعصبيَّةِ الشعراءِ المزاجيِّين.. فماذا يفعلُ شاعرٌ بطيبةِ قلبهِ في هذا الزمنِ الوغد؟ يأخذها إلى بيتهِ أو إلى الركنِ القصيِّ في مقهىً أو معبدٍ ويحضنها طوالَ الليلِ؟

*

كانَ لزاماً على القلبِ أن يعتذرْ

لسيِّدةٍ زوَّجتْ غيمةً لينابيعها

ولهاويةٍ شبهِ بحريَّةٍ

ولرملِ المتاهةِ أو للمعلَّقةِ العاشرةْ

وكان لزاماً عَليْ

أن أتمَّ القصيدةَ في آخرِ الصُبحِ

أو أقرأ البحثَ عن سرِّ رائحةِ الجسدِ الأنثويِّ

وتأثيرِ دورتهِ القمريَّةِ ليلاً على العطرِ

أو حينَ يشربهُ القلبُ في جرعةٍ من ظمأْ

كان يجدرُ بي أن ألمِّعَ معنى الصدأْ

بماءِ المجازِ وبالرعويَّاتِ أو بدمِ العاشقةْ

ولكنني دون جدوى أكافحُ انفلونزا الزهورْ

منذُ شهرٍ ونصفٍ..

وحُبَّ حزيرانَ أحلى الشهورْ

*

لسعةُ السخريةْ

تتحرَّشُ بي وتقودُ دمي

في مهبِّ الفراشةِ أو في قطارِ المساءِ

إلى عبثٍ نزِقٍ قد يؤدِّي أخيراً إلى التوريةْ

*

شكرا إلهي على كلِّ نورسِ ماءٍ

لهذا النهارِ الجميلْ

مسَّ قلبي وطارَ بغيرِ احتراقٍ..

وشكرا إلهي على كلِّ شيءٍ

خصوصاً على وردةِ اليأسِ

حينَ تشقُّ بأشواكها القلبَ

شكراً على ندمٍ من دمٍ

وعلى صخرةٍ تنهشُ الصدرَ

في شمسِ مكَّةَ

شكراً على المستحيلْ

*

مرَّةً وأنا أتجوَّلُ في حقولِ إحدى القرى الريفيَّةِ

تطلبُ مني امرأةٌ أن أصطادَ لها الغريري

الذي سطا على كلِّ دجاجاتها الحمراءْ

ولكن كيفَ أصطادُ حيواناً جميلاً كالقطِّ

يبكي فيشبهُ صوتُهُ بكاءَ الأطفالْ؟

*

النجمةُ هيَ روحُ قصيدةٍ انفصلتْ عنها

قبلَ ملايينِ السنينِ الضوئيةِ

وتحوَّلت إلى حجرٍ مضيءٍ على حافةِ الكونْ

بينما البحرُ هو جسدُها المشرَّدُ في السماءْ

*

الفكرةُ تولدُ من قلبي ومن وجعِ الأشجار في الذاكرةْ

*

عزيزي يا ديكَ الجنِّ

دواءُ كآبتكِ الشهريَّةِ

صومُكَ عن شفتَينِ من التوتِ المعقودْ

عن جسدٍ تعصرُهُ شهوتُكَ السوداءُ

كعنقودِ العنبِ الحِصرِمْ

وصياحُكِ في الفجرِ المشهودْ:

يا حوريَّةَ قلبي.. يا وردةَ أعضائي.. يا وردُ..

الماءُ تيبَّسَ في جسدي

مذْ صامَ دمي عن تمرِكِ

منذُ تكسَّرَ آجرُّ الرغبةِ في صدري..

يا ديكَ الجنِّ

تأمَّلْ وردتكَ البيضاءَ

تأمَّلْ غيمةَ عانتها في أوجِ الصيفِ

تأمَّلْ وردَ وضوءَ محارتها الزرقاءِ وطرْ

عن جرحٍ جمالٍ يتوَّجعُ أو عن ثغرٍ يفتَّرْ

يا ديكَ الجنِّ كسَرتَ بأفعالكَ ظهري

ومزجتَ رمادَ أنوثةِ من أحببتَ

بخمرِ الشِعرِ..

ألا تندمْ؟

*

الطواويسُ تسهرُ حتى الصباحِ معي

قربَ شبَّاكِ غرفةِ نومي على شجَرِ السنديانِ..

تنادي على امرأةٍ غائبةْ

*

هيَ لم تقلْ شيئاً

أنا أيضاً نسيتُ ولم أقلْ شيئاً

ولكني بكيتُ بغيرِ ما سببٍ

شعرتُ بوخزةٍ في القلبِ

أو وجعٍ خفيفٍ في المفاصلِ..

ثمَّ قامتْ في رؤايَ

فناولتني شهدَها بالزنجبيلِ

وبالبنفسجِ في العيونِ

وألقمتني زهرةً بريَّةً

ثمَّ اختفتْ

فشربتُ من كأسي على مضَضٍ

ونمتُ على ثرى وجعِ

البنفسجِ في العيونْ

*

للكمنجةِ قلبٌ وللنايِ دربٌ فسيحٌ

ولي فكرةٌ غيرُ شِعريَّةٍ

حولَ أشياءَ لا تنتهي

تكملُ الآنَ سهرتَها في مجونْ

ويكملُ حشدٌ من الناسِ

في هذهِ الأرضِ

حرباً إضافيَّةً في سكونْ

*

ضاقَ قلبي ليتسعَّ البحرُ

والأرجوانُ قليلاً

وليلُ القصيدةِ

حتى حدودِ السنابلِ..

يا لهبَ الأقحوانةِ.. يا شَعرَها الغجريَّ الطويلْ

كن لوجهي ملاذاً

وكن لشفاهي رذاذاً

فإنَّ فمي زنبقٌ ذابلٌ في براري الجليلْ

*

كنتُ في صغري أنحني مثلَ غُصنٍ وديعٍ

لأسرارِ سيِّدةٍ من رخامْ

تعلِّمني كيفَ أجعلُ من جرَسٍ في الحديقةِ

ليمونةً لأصابعِ نعناعها المتوهِّجِ حتى البكاءِ

ومن حجرِ الوردِ دمعَ الغمامْ

وترشدني في طريقي الى النزواتِ الصغيرةِ..

تطعمُ قلبي الذي جاعَ مليونَ عامٍ وأكثرَ

خبزاً دحتهُ على خصرها بحليبِ الكلامْ

كنتُ في صغري أستغيثُ بأنهارها

وبنخلِ جدائلها

وأعيشُ حياةَ الحمامْ

*

كم الساعةُ الآنَ يا ذئبُ؟

قلبُكَ مُنتَهكٌ

واشتهاؤكَ في كلِّ أرضٍ مشاعُ..

تأجَّلَ موتُكَ كُرمى لسيَّدةٍ

في المزاميرِ تلهو وتلعبُ..

وانفرطَ الخرزُ الدائريُّ بأسفلِ ظهركَ..

يسهرُ إيقاعُ عينيكَ في الصخرةِ الساحليَّةِ

يرثيكَ ليلٌ مُضاعُ

سوفَ تقضمُ تفاحةَ الشهوةِ الآدميَّةِ

يوماً بكلتا يديكَ

وتشربُ نهرَ الجمالِ بأكملهِ

وهو يشطرُ صحراءَ روحكَ ظُهراً

إلى كوكبَيْ عطشٍ نادمينِ

ولن ترتوي أبداً...

لن يقودَ دماءكَ حتى النهايةِ

إلاَّ جنى الشجرِ المشتهى

وستخرجُ منكَ شعوبٌ جياعُ

*

هل لكِ أظفارُ مهاةٍ أم أضغاثُ ورودٍ حُبلى؟

*

العبثُ المرئيُّ الأسودُ والصامتُ

يجعلني لا أقرأ شيئاً ممَّا أقرأُ..

*

الكآبةُ الخفيفةُ أحيانا تجعلني لا أفقهُ شيئاُ ممَّا أقرأُ

حتى لو كانَ ما أقرأُ كتابَ اللاطمأنينة لفرناندو بيسوا

أو روايةَ ساعي بريد بابلو نيرودا لأنطونيو سكارميتا

أو قصائدَ لوركا الغجريَّةِ.. أو الكوميديا الإلهيَّة لدانتي

*

من مشرقِ الشمسِ حتى مغربِ التيهِ

طارتْ بزورقِ أشواقي قوافيهِ

هل من سحابةِ وصلٍ فيكِ يا امرأتي

تأتي الكآبةُ منها كالكتابةِ إذ

أنسى الشراكَ وأنسى الوقتَ..؟ كيفَ إذنْ

أرضى بأصغرِ أظفارِ المهاةِ..؟ ألمْ

أنزعْ لها ضلعَ تحناني وأرميهِ؟

*

يتركُ الشاعرُ العاشقُ الحرُّ دمعتهُ فوقَ خدِّي

وفوقَ يديَّ ويذهبُ حتى أقاصي المطرْ

شاعرٌ ليسَ يعرفني وأنا لستُ أعرفهُ

قلبُهُ مثلَ نجمٍ صغيرٍ يضيءُ وجوهَ الشجرْ

شاعرٌ..

واسمهُ في كتابِ الندى وسرابِ المجرَّاتِ

غسان مطرْ

*

قلقي الوجوديُّ العظيمْ

لا القدسُ.. لا حيفا ولا يافا الجميلةُ

خفَّفتْ منهُ..

ولا المدنُ/ النساءُ

ولا شوارعُها / الغيومْ

قلقي مقيمٌ ها هنا وأنا مقيمْ

وكأنَّ ضوءَ اللهِ في قلبي

وشبهَ حمامةٍ روحي تحومْ

*

مهما تخفَّيتَ

سوفَ تدلُّ عليكَ دموعُ المكانْ

ومهما رشوتَ الطريقَ

لتحملَهُ فوقَ ظهركَ

سوفَ يدلُّ عليكَ دمُ الأقحوانْ

*

كمستسلمٍ لنسيمٍ يهبُّ على جمرةٍ

في الأصابعِ بوحَ الندى تذرفُ

حشدتُ من الشِعرُ ما ليسَ أعرفُ أو أعرفُ

ولكنَّ جيدَ الغزالةِ -يا للخسارةِ- ليسَ يُنالُ

وليس يقالُ ولا يوصفُ

أطفأ الليلُ قنديلَهُ

والمجازُ على حالهِ...

*

لن يكفي الشاعرَ عمرٌ واحدْ

قد يحتاجُ إلى حيواتٍ أخرى

كي يتسكَّعَ في بلدانِ رواياتِ الحُبِّ

ويكتبَ مرثيَّةْ

لحبيبتهِ الأولى المنسيَّةْ

ويبحثَ عن فمها في الفجرِ البحريِّ

وفي أبعدِ كوكبْ

يحتاجُ الشاعرُ ألفَ حياةٍ

كي يركضَ خلفَ امرأةٍ واحدةٍ

في كلِّ نساءِ الأرضِ

ولا يتعبْ

*

تهذي بأشعارِ لوركا كانتْ امرأةٌ

تقولُ للزنبقِ المحمومِ: خُذ شَغَفي

وخُذ دموعي التي في اليمِّ أنثرها

وخُذ أنينَ دمائي.. والأنينُ خَفي

ينسابُ شهدُ طيورِ الوردِ من رئتي

وتخفقُ النجمةُ الزرقاءُ في غُرَفي

خمسونَ عاماً على قلبي وما ارتفعتْ

فراشةُ القمرِ الفضيِّ عن كتفي

*

سيكونُ طائرُ نورسٍ أعمى

ينقِّرُ ذكرياتكِ في مدى الأفقِ البعيدِ

وخصلةٌ زرقاءُ تلمعُ في كتابِ الريحِ

يا فروغ فرخزاد الجميلةُ..

كانَ زهرُ الفُلِّ أزرقَ في قصيدتكِ الأخيرةِ

كانَ زهرُ القلبِ أحمرَ في كتابكِ

ناعماً ومجفَّفاً

وكأنهُ من ألفِ قرنٍ..

كانَ قبرُكِ في الغلافِ اللازورديِّ الأنيقِ

يضيءُ لي عينيكِ في ليلِ المجازِ

وزرقةَ الفُلِّ المحرَّقِ في العروقْ

*

تركتُ ورائي منكِ ألفَ زليخةٍ

لقَدِّ قميصٍ خيطَ من شَهوةٍ ودمْ

وجئتُ كأنكيدو لبابكِ حاملاً

حدائقَ قلبي.. قاضماً وردةَ الندَمْ

مُري نشوةً في الضلعِ حتى تقودني

إذا ثمرُ التفَّاحِ قادَ إلى الألمْ

*

مثلما جاءَ راحْ

زهرةُ البرتقالِ تفتِّحُ عينيهِ

تنذرهُ لهبوبِ الجراحْ

هو لم يقترفْ أيَّ ذنبٍ جميلٍ

ولم يكترثْ بعويلِ الرياحْ

مثلما جاءَ راحْ

*

علَّمني اللغوَ وما علَّمني الأسماءْ

علَّمني ضلالةَ النرجسِ

حزنَ القصبِ المائيِّ

نورَ اللهِ في الأشياءِ..

هذا الهُدهدُ الآليُّ

بالتفاحةِ استضاءْ

بدمعةِ النايِ التي تسيلُ في الهواءْ

بدودةِ القزِّ التي حاكتْ لمولانا جلالِ الدينْ

بردتهُ الشمسيَّةَ الخضراءَ..

هذا الهُدهدُ الضلِّيلْ

منطقهُ الجُناسُ..

والغنَّةُ في بيتِ العتابا ساعةَ المساءْ

من دمهِ تسيلْ

يدينُ بالحُبِّ الإلهيِّ

كشيخِ قاسيونَ

وبأسرارِ الرضابِ الحلوِ

والحبُّ الإلهيُّ بهِ يدينْ

علَّمني ما لم أكن أعلمُ

واستنارةَ الظلامِ بالوردةِ

والقصيدَ بالنساءْ

علَّمني الحبَّ..

وما أشاءْ

*

أُتركِ الوردَ في دفترِ الشِعرِ عشرينَ عاماً

لتنمو حدائقُ عينَيْ حبيبتكَ الغائبةْ

أُتركِ الغيمَ في الأرضِ

والماءَ في الظلِّ

والملحَ في الجرحِ

والقلبَ في شَجَرِ الدَوحِ

والنهرَ في حَجرِ اللوحِ

والنثرَ في عتمةِ الدُرجِ

والطيرَ في لوحةِ الموجِ

كيْ تستردَّ صداكَ من الصدفِ الأنثويِّ

وروحَكَ من لغةٍ ذاهبةْ

آهِ من تلكما المهرةِ السائبةْ

*

كاميرا الحدَسِ المتجوِّلِ لم تلتقطْ

في النهارِ المواربِ غيرَ ابتسامتيَ الشاردةْ

فكيفَ إذنْ سوفَ أُفلتُ

من خُدعةِ الضوءِ والولعِ الزائدةْ؟

*

بالقلبِ.. بالنفَسِ العميقِ.. بسُبحةِ الخفَقاتِ

أنقاها وأصفاها خصوصيَّةْ

أُصغي لزرقتكِ السماويَّةْ

*

هَرِمَ الحنينُ ولم أقُلكِ أيا

أشهى لغاتِ الحلمِ سريَّةْ

*

حُطِّي كزهرةِ صُبَّارٍ على عُنقي

وأطلقي فرَساً.. جسمي لها عرَبهْ

كلُّ البحيراتِ نامتْ في السرابِ.. وذا

سِفرُ الأناشيدِ قد أغفى على الكنَبهْ

عليكِ لن يقصصَ الرؤيا سوايَ.. فلا

تُصدِّقي لغوَ أفلاطونَ أو كَذِبَهْ

*

البلادُ التي كنتُ أحببتُها

تُشبهُ امرأةً طيَّرتْ في القطارِ

لعينَيْ فتىً ليسَ تعرفهُ

شوكَ قُبلتها الذابلة

آه من فتنة لا تقالُ

ومن نزوةٍ في دمي قاحلةْ

*

طلبتُ خبزَ حليبِ الماءِ من فمها

فصارَ ألفَ حرامٍ حِصرمُ الثمَرِ

سألتُ عن ثوبها الماوَرْدَ مشتعلاً

وصدرَها عن هبوبِ الطيرِ في الشجَرِ

وضلعَ نايٍ قديمٍ عن أصابعها

وثلجَها عن حُلولِ النارِ في الزَهرِ

فلم تجبني المرايا.. كيفَ لامرأةٍ

تنهدَّتْ في خساراتي على حجَرِ؟

بيضاءُ والعنبُ العطريُّ مكتنزٌ

فيها.. ومُشمسةٌ في غمرةِ القمَرِ

من أَسكنَ القلبَ منها للندى وتراً

وأَسكنَ الوجعَ الفضيَّ في الوتَرِ؟

*

ما الذي سوفَ أفعلُ بالزمنِ الوغدِ

وابنِ اللعينةِ كي أنتقمْ

سوى أن أبوحَ لتقويمِ أسنانكِ العذبِ أو تبغكِ المشتهى:

كلمَّا لحتِ لي في كتابِ الوجوهِ

بعينيَّ أقضمُ جمرَ الندمْ؟

ما الذي سوفَ أفعلُ بالشمسِ كي أنتقمْ

سوى أن أعودَ إلى البيتِ من نزهةٍ في الجحيمِ

وأشكو لبردِ المكيَّفِ ما طالني من ألمْ؟

*

ضيَّعتُ عمري وأنا أرسمُ أحزاني السرياليَّةَ التي أخذها عاشقٌ معهُ إلى حفرةٍ ملأى بالأشجارِ وغبارِ الطَلعِ والنوَّارِ الصيفيِّ.. كنتُ أركضُ خلفَ فان غوخ ومراثي إرميا وأناشيدِ السيَّابِ في كلِّ ظهيرةٍ.. وأبدو ظاهريَّاً متناقضاً مع قصيدتي بينما أربِّي سُلالاتِ براكينَ وينابيعَ صغيرةٍ في قلبي.

*

ظلُّ عطركِ يرسمُ لي ما يشاءُ

بمكرِ ثعالبَ حمراءَ تسكرُ في كرمةٍ

يترصَّدني ويدبِّرُ لي..

ليسَ عطراً تماماً

ولكنه محضُ ضوءٍ غريبٍ

لهُ ظلُّ بحرٍ وليمونةٍ

لا يُرى.. ويُرى..

لا يُمسُّ وتلمسُهُ الحاسةُّ الواضحةْ

أسميِّهِ...

لا أعرفُ الآنَ ما هوَ هذا الغموضُ

الذي يتفتَّقُ عن شهوةٍ

كلَّما عضَّتْ القلبَ عصفورةُ الرغبةِ الجارحةْ

لن أعوِّلَ بعدَكِ إلا على جسدِ الرائحةْ

*

رمتكَ غوايةٌ في الجُبِّ ليلاً

فما حدَّقتَ في العمقِ الرمادي

وكنتَ كما المسرنمِ في المرايا

وعيناكَ المنادى والمنادي

تطيرُ وراءَ سنبلةٍ ووجهٍ

يطلُّ عليكَ من قمرِ الفؤادِ

أتذكرُ أيَّ شيءٍ فيهِ حتى

دعا شوكَ الحنينِ إلى الحيادِ؟

*

لم أقترفْ ذنباً ولم أسألْ طريقي

أينَ يمضي الناسُ كلَّ عشيَّةٍ

متخاصمينَ وتارةً متخاصرينْ؟

فالناسُ كانوا طيِّبينَ معي

ويبتسمونَ حتى من وراءِ دموعهم لي

يضحكون ويمزحونَ ويجهشونَ

بما تيسَّرَ من بكاءٍ صالحٍ

حتَّى لتربيةِ الأكاسيا في العيونْ

حجرٌ إلى بيتِ الصلاةِ

وآخرٌ يمضي إلى المبغى...

وكانوا طيبِّينْ

*

صرخةُ لوركا الحمراءُ امتزجتْ بدموعِ أبي عبد اللهِ

المطرودِ من الفردوسِ لتزهرَ في آخرِ ديوانْ

لا غالبَ إلا الله الواحد يا جندَ الأسبانْ

فارموا بالنارِ النافورةَ والشمسَ الليليَّةَ والوردةَ والأنهارَ

ولوحةَ بيكاسو الزرقاءَ وسنبلةَ امرأةٍ

يفرطُها الوجعُ الغجريُّ بقلبي الطائرِ

فوقَ كرومِ الزيتونِ الغرناطيِّ أو الرمانْ

يا جندَ فرانكو الشجعانْ

لا تنسوا قمرَ الشاعرِ والأشجارَ ورائحةَ الحبِّ الحرِّيفِ

وفنجانَ القهوةِ والبحرَ

وهذا العصفورَ الفضيَّ العالقَ في ذيلِ الفستانْ

*

الفضاءُ الذي مدَّ كلتا يديكِ لبريَّتي

ضاقَ حتى صرختُ:

لمنْ سأزوِّجُ من بعدِ مائكِ رمليَّتي؟

*********

جيتارةُ حنينٍ أزرق VI


الطريقُ التي لا تسيرينَ فيها

لا تقودُ إلى أيِّ تيهٍ هنا

سوى لحدائقَ بحريَّةٍ

من رمادٍ وطينْ

*

تركتُ المدينةَ

مكتظَّةً برسائلِ عشَّاقها

ولا شيءَ فيها يزيِّنُ روحَ النهارِ

بأوراقِ ماءٍ وريشةِ نوستالجيا الغائبينْ

*

الحنينُ الخفيُّ على حالهِ

والنحيبُ المضيءُ

وزهرُ الغبارُ

ونهرٌ يطيرُ إلى مشتهاهُ

وقلبٌ يُرجِّعُ أغنيةً

في مَحارِ الشغفْ

*

التفاصيلُ غامضةٌ كالصُدَفْ

والتماثيلُ تبسمُ في السرِّ لي

وهي تأوي إلى أمِّها آخرَ الليلِ مشتاقةً..

ولا شيءَ يُغري العصافيرَ

كي تتنزَّلَ من لوحةٍ حيَّةٍ

وتحطَّ على راحةِ القلبِ..

والشعراءُ السكارى

يضيئونَ أوجاعَهم بالكحولِ الرخيصةِ

أو يبحثونَ عن امرأةٍ

لا يُكمَّلُ نقصانُها المختلفْ

*

لا شيءَ يُغري بشيءٍ بتاتاً

ولا أستطيعُ

التخلَّصَ من لغتي كي أصفْ

*



العاشقاتُ اللواتي استدرنَ إلى الخلفِ

أهدينَ تلويحةً لسدومِ الغريقةِ

أو قبلةً في الهواءْ

والشاعراتُ اللواتي انتحرنَ

من الغضبِ العاطفيِّ ومن ذكرياتِ الهباءْ

لم يجدنَ مَصبَّاً سعيداً لأنهارهنَّ التعيسةِ

أو مشجباً واحداً في الظلامِ لثوبِ البكاءْ

*

كلُّ قصائدِ الحريَّةِ لا تجعلُ من دمٍ ماءً

ولا تجعلُ من حلمٍ وطناً

كلُّ قصائدِ الحنينِ لا تعيدُ الطفولةَ ولا تقرِّبُ البعيدَ

كلُّ قصائدِ الحُبِّ ومزاميرَ الغَزلِ

لا توقفُ قطارَ الزمنِ الذي مرَّ

على جسدِ حبيبتي في السابعةِ صباحاً

*

شاعرٌ ينادي على دواوينهِ التي لم يقرأها أحدٌ

والموزَّعةِ على قاراتِ الوجعِ الإنساني

فتأتيهِ على هيأةِ أسرابٍ من الطيرِ

تحملُ حبَّاتِ قمحِ وقطراتِ قوسِ قزحٍ

تحطُّ على وجههِ في غفلةٍ منهُ

*

تعالي إليَّ يا كلَّ مراثي الشعراءِ

فقلبي حصَّالةٌ للدموعِ

*

لا انتهاءَ لها

لا سماءَ لأسرارها

لا شتاءَ لأشعارها

لا أصابعَ تبكي فراشاتِها

وهيَ تمضي إلى الشمسِ

أو تتغلغلُ في عزلتي آخرَ اليومِ

وحدي أفتِّتُ صلصالَ قلبي

على ركبةٍ من غيومِ الشموعِ

*

هل الأبديُّ إذنْ

أن أعلِّقُ معنى اشتهائي

على لفظكِ الجسديّْ؟

*

ما الذي يربطُ الرملَ بالماءِ

وامرأةً بالقصيدةِ

والحُبَّ بالزرقةِ المُبهمةْ

ما الذي يربطُ الجسرَ بالأغنياتِ

وصيفَ المدينةِ بالأخرياتِ

وعينيَّ بالحَبقِ العاطفيِّ

وزهرَ البنفسجِ بالجُمجمةْ

سوى العطشِ الشاعريِّ

الذي في دمي

وسوى اللسعةِ المُلهمةْ؟

*

مهما فعلتِ.. مجازُ الريحِ في لغتي

لا يطمئنُ وقلبُ الشِعرِ ليسَ يعي

تقودني هاوياتُ الطينِ في جسدي

أعمى من الشغفِ الناريِّ والولعِ

*

إذا انسلَّ قلبُكَ كالطيرِ من بحرهِ

ثمَّ طارَ بعيداً

فمن يا تُرى سوفَ يمنعهُ

ثمَّ يُشعلُ للمشتهى أضلعَكْ؟

تفقَّدْ مراياكَ يا آخري

إنَّ قلبي معَكْ

*

بالبراهينِ أم بالغوايةِ

أم بحفيفِ يديكِ إلى آخرِ السردِ

أم بالفراشةِ في ثوبِ قلبكِ

أم بالحريرِ الذي انسابَ من جسدِ المفردةْ

تُنقصينَ الروايةَ خيطاً من الماسِ

أو ما يقايضُ قلبي بليمونةٍ واحدةْ؟

*

إلى جلجلةٍ في السرابِ

يقودني قلبي من يدي

وعلى صليبٍ غيرِ مرئيٍّ

أتخيَّلُ نفسي مسمَّراً دائماً

حتى من دونِ أن أُحبَّ

أو أكتبَ الشِعر

*

ثمَّةَ عطرٌ يدوِّخُ في غيمةِ التبغِ

ياقوتةً لا تنامُ من القهوةِ العربيَّةِ

ثمَّةَ نايٌ يئنُّ من البردِ في الدورةِ الدمويَّةِ

ثمَّةَ نافورةٌ قربَ بيتِ اليمامِ

وتعويذةٌ للغيابِ الذي يتناسلُ

من ورقِ الغارِ أو قيظِ آبْ

*

عشرونَ قلباً في الطريقِ إلى حدائقها

المعلَّقةِ الخرابِ ولستَ تنسى

هرمتْ قصائدُكَ الجميلةُ

وانطفأتَ من العذابِ

وفعلِ تزجيةِ الحنينِ المُرِّ يأسا

لا شيءَ كانَ عليكَ من وجعِ التأمُّلِ

في ذبولِ الحُبِّ أقسى

*

بلاغتُها تتحوَّلُ كلَّ صباحٍ

إلى سيوفٍ صغيرةٍ تنزلقُ بمهارةِ متزلِّجٍ

على ثلجِ خاصرتي الاستوائيَّةِ

تقدُّ قميصَ القلبِ من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ

*

طالما لم يروِّضْ دمي شوكَ شهوةِ ياقوتها

فسأمشي على فضَّةٍ في يديها وفي صوتها

*

تقولُ الأغنية الشعبيَّةُ:

أُلمسي بأصابعكِ النحيلةِ قلبي

ليضيءَ لكِ كأوَّلِ قنديلٍ

ويدي لتتحوَّل نافورةَ فراشاتٍ

وقصيدتي لتصبحَ نورساً أزرقَ

وعينيَّ لتصبحا سماءً

*

أعرفُ أنكِ كنتِ ضائعةً

في الغزليَّات الأندلسيَّةِ

وفي بكائيَّاتِ لويس أراغون

ومدائحِ ماريو فارغاس يوسا

ومرحلةِ بابلو بيكاسو الزرقاءِ

ولكني أجهلُ كونَكَ

وردةَ خوان ميرو السرياليَّةَ

التي أحبُّها حدَّ الولهِ

*

قدمايَ تحنَّانِ لتجوالٍ بلا هدَفٍ

والناياتُ التي في دمي تحنُّ لأصابعكِ

والقُبلُ الطافيةُ في بحيرةِ القلبِ تحنُّ لفمكِ

ويدايَ لتحطيمِ ألواحِ وصايا أفلاطونَ

التي لم تعجبُكِ أبداً

*

خُذها من الماءِ.. من ملحِ الغناءِ ومن

أقصى الدماءِ ومن أنشودةِ الوجَعِ

وكن أنينَ يديها أو مَحارتها

وما تقولُ رمالُ البحرِ للبجَعِ

*

أغنيَّةُ الغجريَّةِ

حبالٌ من نعاسِ النعناعِ

ومن عطرِ الليمونِ وحبائبِ القمرِ

تستدرجُني إلى الخرائبِ المعلَّقةِ

في فردوسها المُموسَقِ

*

إلامَ سأقضمُ وردةَ صلصالها

وتفَّاحَها الساحليَّ الأنيقْ

وأحمي غبارَ الندى من يديها

وأنشقُ نرجسَها الآدميَّ..

إلامَ بلهفةِ خلخالها

أنادي الملائكةَ الطيِّبينَ

وأغمدُ أحجارَها في العروقِ

وأنهارَها في النهارِ / الحريقْ؟

*

كصفصافةٍ في الخريفِ

أقولُ الكلامَ الخفيفَ.. وأمشي

بغيرِ ارتباكٍ إلى آخرِ الشِعرِ...

عيناكِ أحلى مرايايَ

ثغرُكِ في القلبِ أجملُ نقشِ

*

عندما أرجعُ لبيتي في مساءٍ

مُثقلٍ بشَعركِ القمحيِّ

لن يكونَ ثمَّةَ برابرةٌ في انتظاري

لن أجدَ سوى يدكِ لتسندَ وجهي

الضائعَ في المدنِ والنساءِ والقصائدِ

كما تسندُ صوَّانةُ الوادي الأقحوانةَ

وكما تسندُ قطرةُ ماءٍ في صحراءَ ملتهبةٍ

منقارَ عصفورٍ متشرِّدٍ ينقرُ يدَ قلبي

*

ينتابني السيَّابُ هذا اليومَ

لا كهبوبِ عصفورٍ على عينيَّ

يغمسُ قلبَهُ في الدردنيلْ

بل مثلَ موجِ الوجدِ..

مثلَ دموعِ عاشقةٍ

ترى المعشوقَ في قمَرِ النخيلْ

ينتابني السيَّابُ

حينَ أغيبُ عن حبقِ المنازلِ

في الطريقِ الساحليَّةِ..

حينَ لا ترقى يدايَ إلى قناديلِ الحديقةِ

والغوايةِ والزمانِ المستحيلْ

ينتابني السيَّابُ

حينَ أكونُ أبعدَ من أنينِ البحرِ

في الحَبَّارِ والمنفى

وحينَ أكونُ قابَ غمامةٍ بحريةٍ

أو نثرِ أغنيتينِ

راحَ يضيءُ في غوريهما

قلبُ الجليلْ

*

لو رصاصُ الطغاةِ رأى حزنَ عينيكِ

ما كانَ يوماً ليشطرَ قلبَكِ..

لو عانقَ الغازُ أنفاسَ تفَّاحكِ العسليَّةَ

ما كانَ منكِ اقتربْ

لو أفاعي السكاكينِ

طافتْ بخصركِ

ما نفثَّتْ سُمَّها في العنبْ

*

هيَ أختُ القصيدةِ

رميةُ نردٍ طقوسيَّةٌ

وانتظارُ الذي لا يجيءْ

صوتُها يثقبُ القلبَ..

أوتارُها النرجسيَّةُ ترتقُهُ

بهواءٍ يئنُّ..

ونثرٍ يضيءْ

*

ضجَرُ السبتِ مُنسدلٌ كالترابِ

على نجمتي الساحليَّةِ

فيما أنا كنتُ منشغلاً باصطيادِ الندى

وبنزعِ المساميرِ من قدميَّ

ومشيي على الماءِ..

كانَ فمي للسرابِ

وكانَ دمي للصدى

*

أطعمتُ قلبي لاشتهائكِ

مثلما تُلقينَ قُبلتَكِ الأخيرةَ

للذئابِ الضارياتِ وللقصائدِ

لا مباليَةً.. كأنكِ شهرزادُ

بجيدها الذهبيِّ

والوجهِ الذي لسعَ الدماءَ بفتنةٍ تبكي

وبالشَعرِ الذي تركتهُ أقمارُ السوادِ

على سجيَّتهِ أمامَ فمي المراهقِ..

كنتِ تندلعينَ في عينيَّ

أو لغتي الصغيرةِ كالندى

لا شهريارُ ينالُ طيفَكِ في المرايا الخُضرِ

أو يرقى لكَرمكِ كي يودِّعهُ على عجَلٍ

ويغرسَ ظفرَهُ في الريحِ..

نامَ رذاذُ صيفكِ في أصابعهِ التي احترقتْ من الحرمانِ

والقلَقُ الوجوديُّ استوى في جسمهِ

شجراً من الصَوَّانِ تسرحُ فيهِ غربانُ الرمادْ

يستلُّ منكِ الرمزَ والمعنى

بلمسةِ خصركِ المُضنى

بحنَّاءِ الندامةِ والبروقِ

وتنحني أحلى زنابقهِ على سيفِ القتادْ

**********

سِفرُ المراثي VII


لا ينبغي لي أن أقولَ

بأنني شخصٌ مزاجيٌّ

تعيسُ الحظِّ.. مكتئبٌ

غويُّ القلبِ.. ضلِّيلٌ

هوائيٌّ وناريٌّ..

على شفتيَّ خَتْمُ الجُلنَّارِ

وفي دمي تستنبتُ الرؤيا

حدائقها من البركانِ

لا.. لا ينبغي لي أن أُلمِّعَ

بعدَ هذا العمرِ قلبي

بابتساماتِ النساءِ العابثاتِ

أو اللصوصِ الأتقياءِ

وأن أضمَّ بقُبلةٍ شطريهِ

من سِفرِ المراثي والبكائيَّاتِ

مثلَ محارةٍ كانت لتجميعِ الدموعِ من المرايا

أو لتقطيرِ البنفسجِ في إناءِ الكحلِ..

قلبي زاجلٌ يدنو من الشُبَّاكِ

أو قمرِ القصيدةِ في النهارِ الهامشيِّ

فلا يراهُ النائمونَ فراشةً بيضاءَ

في قمرِ النهارِ المستحيلِ..

أنا سعيدٌ أو مُحبٌّ موجَعٌ

لا ينبغي لي أن أقولْ

لا ينبغي لي أن أقولْ

*

طوفي بجمرةِ قلبي وانثري جَسَدي

على المياهِ.. وبيعي الحُبَّ في السوقِ

أنا رجيمُكِ.. منكِ الوردُ في عُنقي

شوكٌ ونارٌ وأظفارٌ لتمزيقي

لا أنتِ أكثرُ من ليلى ولستُ أنا

أقلَّ من شاعرٍ يبكي على النوقِ

لكي أحبَّكِ أحتاجُ الصراخَ على

حزني.. وهاويةً أنثى لتحديقي

لكي أرى دمَكِ النثريَّ يلزمني

دمٌ من الوجَعِ الشعريِّ موسيقي

*

ليلي الخريفيُّ موشومٌ على يدها

شمساً تغنِّي.. وأشجاراً من التعَبِ

هل كنتَ وحدكَ يا قلبي على شفةٍ

من الرياحِ.. ومصلوباً على الخشَبِ؟

تسري الفراشةُ كالأفعى وأنتَ كمنْ

يضمُّ زهرةَ عينِ الحُبِّ بالهُدُبِ

بخفقةٍ في دمِ الصلصالِ موجعةٍ

وحاسَّةٍ تمزجُ الأحلامَ بالغضَبِ

لا أنتَ أنتَ.. ولا هذا الخريفُ.. ولا

خمرُ الحقيقةِ من كرمي ومن عِنَبي

*

رجلٌ ما إذا بلغَ الأربعينَ يصيرُ دخاناً

بهيئةِ ذئبٍ يجوبُ البراري

قلبُهُ حجرٌ أخضرٌ

بينَ عينيهِ شمسٌ ترابيَّةٌ

في يديهِ رمالُ النهايةِ

أو ملكوتُ النهارِ

وإن بلغَتْ فتنةَ الأربعينَ امرأةْ

تضيءُ بغيرِ احتراقٍ

دمَ الأغنياتِ السعيدةِ..

تبعثُ من أسفلِ البئرِ

وجهي السرابيَّ

أو وردةَ الشهوةِ المُرجأةْ

*

لا ثعلبٌ ينسابُ في شفتي ولا

عنقودُها أضحى هواءً فارغا

أحتاجُ أكثرَ من يدينِ ومن فمٍ

لأضمَّ موجاً خادعاً ومراوغا

*

كوردةٍ من زجاجِ اللهفةِ انكسرَتْ

على الطريقِ.. كماءٍ قالهُ حجَرُ

من الغيابِ.. كتمثالٍ بهِ أرقٌ

أظلُّ أنظرُ للأعلى وأنتظرُ

ما لا يجيءُ.. كأنَّ البحرَ أغنيتي

وأصدقائي الصدى والشمسُ والمطَرُ

وحدي.. تمرُّ مزاميري أمامَ فمي

كما يمرُّ بغرناطيَّةٍ قمَرُ

من أجلِ حبَّةِ تفَّاحٍ تطاردني

من أوَّلِ الدهرِ حتى المنتهى.. سَقَرُ

*

المسافةُ بيني وبينكِ نسبيَّةٌ ومعقَّدةٌ

لا أجيدُ أنا وصفَها..

فهيَ حيناً حقيقيَّةٌ كالسحابِ

الذي يتساقطُ في أوجِ أيلولَ فوقَ الغصونِ

وحيناً خياليَّةٌ كالسرابِ..

وحيناً بلا أيِّ معنىً..

معقدَّةٌ كالحياةِ ونسبيَّةٌ...

مثلاً عندما يتشابكُ وجهي ووجهكِ

في حلمٍ غامضٍ واقعيٍّ بسيطٍ

تعرِّي فتاةٌ أنوثتها في مكانٍ بعيدٍ

ويخفقُ سربٌ من الطيرِ فوقَ حقولِ الشعيرِ..

المسافةُ بيني وبينكِ نسبيَّةٌ

وقصائدُ من ندَمٍ غيرُ مرئيَّةٍ في كتابٍ

كأن تذهبي دونَ أن تتركيني..

كأن تحملي وجعي الشاعريَّ

كنوَّارِ ليمونةٍ في حزيرانَ..

أو تغفري زلَّةَ القلبِ حينَ أحبَّ

وحينَ أرادَ اختبارَ العذوبةِ

في جسدٍ من عذابِ

*

تُرى لو قلتُ: جندٌ أعدموني

كلوركا في الضحى.. أتصدِّقوني؟

وهل لو فاتكٌ ثانٍ زنيمٌ

ترصَّدني.. أكُنْ كابنِ الحُسينِ؟

وهل لو عدتُ حيَّاً من مهاوي

نساءِ المشتهى.. أتكذِّبوني؟

ثقوبٌ في يَدَيْ قلبي تغنِّي

ونارٌ في الشفاهِ وفي العيونِ

*

قصيدتي سقطتْ مني كما سقطتْ

عن شَعرِكِ الوردةُ الحمراءُ..

كنتِ معي..

ولم تكوني..

كأني هائمٌ وعلى

وجهي فراشتُكِ الصفراءُ هائمةٌ

في القدسِ

من أوَّلِ الليلِ النديِّ..خذي

منيِّ حنيني إلى النسيانِ..

محترقٌ

دمي عليكِ

وتسفو الريحُ لي سُفني

أبكي بلادَكِ.. ماتَ الياسمينُ بها

وأنتِ تبكينَ من قهرٍ على وطني؟

********

ايماءاتُ خريفِ المعنى VIII


انتظاري لك على مفترقِ القصيدةِ أصعبُ الأشياءِ وأجملُها معاً.. يعلِّمني كيفَ أصنعُ من قصبةٍ تنمو في أصابعي ناياً لفمكِ الخائفِ كدوريٍّ في الربيعِ وكيفَ أحوكُ من غيمةٍ قميصاً لنومكِ المغسولِ برذاذِ الخريفِ.. مشكلتي الوحيدةُ أنني على عجلةٍ من أمري دائماً ولا وقتَ لديَّ لانتظاركِ

*

أيلولُ شهرُكِ.. حاجاتٌ مؤرَّقةٌ

إلى النحيبِ.. وكم أخلفتِ لي وعدَهْ

أيلولُ شهرُكِ.. تختالينَ فيهِ ولا

يبتلُّ صوتُكِ بالغيتارِ والوردةْ

أيلولُ فتنتُنا الأولى ولعنتُنا

ورِدَّةٌ في أغانينا عن الرِدَّةْ

أيلولُ ثالثُنا الأحلى.. بلا سببٍ

يبكي النبيذُ على أبوابهِ وحدَهْ

أيلولُ سلكٌ نحيلٌ كانَ وتَّرهُ

دمي لآخرِ نجمٍ فيكِ إذْ مدَّهْ

*

سأبيعُ أعوامي على الطُرقاتِ

مثلَ أتيلا يوجيفَ التعيسِ

لصائدٍ أعمى

يرى ما لايراهُ الناسُ

أو للسائقِ الضجرِ السمينِ..

لبائعاتِ الخبزِ في الفجرِ المرصَّعِ بالمـَحارِ..

لسربِ عُشَّاقٍ سَكارى

للجسورِ وللأزقَّةِ

للفراغِ الساحليِّ

وللنهاراتِ الجريحةِ في القصائدِ

للصدى الملهوفِ

للصدأِ النظيفِ...

مباركٌ هذا الترابُ

خطيئتي وبراءتي هذي البلادُ

مهادُ قلبي عشبةٌ بريَّةٌ

نامتْ على دربِ القطارِ

*

لا أريدُ الكلامَ ولا الصمتَ

فيدُكِ التي أغلقتْ على يدي كزهرةِ لوتسٍ متوحشَّةٍ

أصبحتْ عصفورةً حجريَّةً في الحديقةِ العامَّةِ

وخصرُكُ المصقولُ كقمرٍ وحيدٍ

منذُ البارحةِ وأنا أسمعهُ يبكي من بعيدٍ كطفلٍ

فيصيبني بندَمٍ عظيمٍ على قصائدَ لم أكتبها

أو مزقتُها وبذرتها حولَ بيتي

لتنبتَ كالحشائشِ البريَّةِ في نيسانَ

أو لأنني لم أبُسْ في زيارتي القصيرةِ

كلَّ حجرٍ أو وردةٍ مهملةٍ في الطريقِ إليكِ

لا أريدُ شيئاً

أريدُ فقط أن أعرفَ معنى الزرقةِ

*

لم يعرفوا ماذا أريدُ وأشتهي

من كُحلِ عنقائي

ومن أسرارِ تفَّاحِ الغوايةِ

فالضلالُ يقودني نحوَ البحيرةِ

مثلَ أعمى النايِ...

ما انتبهوا إلى أني مصابٌ

بالجناسِ وبالعتابا الساحليَّةِ

والرنينِ الأنثويِّ..

تأمَّلوا فيما وراءَ النصِّ من أبديَّةٍ عذراءَ

أو بجعٍ خرافيٍّ

يحطُّ على رمادِ الماءِ..

لم يتحمَّلوا عفويَّتي

بخطابِ قُبَّرةٍ.. وماتوا واقفينْ

*

لا لفظَ يُفضي إلى الرؤيا

فكُن ليَدي

يا أيُّها الغيبُ.. يا معراجنا الأبديّْ

كن طائراً في مدى عينيَّ..

كن حَجَراً

يمشي إلى النهرِ في قلبِ المحارةِ.. لا...

محارَ يُفضي إلى نهرٍ..

أرى شجراً

في لوحةٍ ينحني للريحِ

أو لمقامِ الوردةِ/ الرَصَدِ

لا نأمةٌ فوقَ غيمِ الدربِ.. لا حبقٌ

فوقَ النوافذِ..

قلبي كانَ بوصلتي

إلى سدومَ التي حلَّتْ أصابعُها

عُرى القميصِ وفكَّتْ حُبسةَ الجَسَدِ

يدايَ طيرانِ منفيَّانِ في بلدٍ

من الرمادِ.. ومن أهواهُ في بلدِ

أخافُ من قمَرِ الموتى ومن ندَمٍ

يعيشُ في القلبِ مثلَ الرغوِ في الزبَدِ

*

تكبرينَ كما تكبرُ الأغنياتُ

بلا سبَبٍ في حقولِ الذرةْ

كما تتكوَّرُ بعضُ النجومِ

على السطحِ مثلَ الثمارِ

كما تتكوَّنُ حولَ يديكِ

غيومٌ مسائيَّةٌ لرنينِ الطيورِ

كما يتجمَّعُ حولَ الينابيعِ

شِعرُ النسيبِ القديمُ

كجندٍ حيارى

كما تقتفي الزهرةُ الحجريَّةُ

وجهيَ حولَ ندى الخاصرةْ

تكبرينَ بلا سبَبٍ

قربَ فردوسِ آدمَ

ينتعلُ الشوكُ قلبَكِ

يقتسمُ الجندُ ثوبَكِ..

لا يهرمُ الرملُ حولَ خطاكِ

ولا تكبرينَ سوى في المـَجازِ وفي الذاكرةْ

*

تخفَّفْ من اللغةِ الكاذبةْ

من أغاني الرعاةِ الخفيفةِ

من نزَقٍ عابرٍ في القصيدةِ

من وقتكَ العاطفيِّ

ومن زنبقاتٍ ثلاثٍ تطلُّ عليكَ

كما تقفُ القُبَّراتُ على خيطِ رغبتكَ الذاهبةْ

وممَّا يقولُ المسافرُ للظلِّ عندَ الحديقةِ..

يا آخري أو أنايَ.. انتبهْ

أنتَ حوذيُّ حلمكِ

تمشي إلى ما تريدُ

وتدخلُ في الجهةِ الغائبةْ

كلَّما أزهرَ الفلُّ في كاحلِ امرأةٍ

أكلتهُ كلابُ قصائدكَ السائبةْ

*

تقاسَمتكَ بلادُ الأرجوانِ هنا

من مسقطِ القلبِ حتى آخرِ المنفى

فكلَّما زادتْ الأشعارُ قافيةً

تزدادُ وجداً خريفيَّاً ولا تشفى

أمامَكَ العوسجُ الطينيُّ مشتعلٌ

وأنتَ تحجبُ عن عينيكَ ما شفَّا

تخطُّ نصفَكَ في زهرِ الفراشةِ أو

تمحو عن الماءِ أو لوحِ الصدى نصفا

إقرأ كتابَكَ.. ضوءُ الملحِ ينزفُ من

جرحِ اشتهائكَ في هذا المدى نزفا

*

سأصعدُ ذلكَ الدرجَ الرخاميَّ

المغطَّى بابتساماتِ الصبايا الفاتناتِ

ونبتةِ الدفلى الحزينةِ

في نهارِ الكرملِ الورديِّ..

حتى أقطفَ الدهشةْ

عن الشفةِ الرقيقةِ مثلَ زهرِ الحورِ

عن شفقِ الشبابيكِ العتيقةِ

ثمَّ أرمي بالبنفسجِ مثلَ جنديٍّ تعيسٍ

بعدَ خُسرانِ الحبيبةِ والمعاركِ..

روَّضَ الوحشةْ

*

الشاعرُ البدويُّ ضلَّ غناءَهُ الرعويَّ

ضلَّ سماءَهُ الأولى وسبعَ قصائدٍ.. وانحازَ للنسيانِ

أو ربَّى قطيعَ ثعالبٍ في قلبهِ البحريِّ والمعنى القريبْ

ما زالَ يبحثُ عن سرابٍ آدميٍّ

سوفَ يُرشدهُ إلى تُفَّاحةٍ في عُهدةِ الأفعى

وعن ذهَبٍ يُلمِّعُ ما اختفى

في أجملِ الكلماتِ والنظراتِ

من صدأِ القلوب

*****

مطرُ الغريب IX


غيمٌ في الماء


غيمٌ دمي في الماءِ، هل شيءٌ تغيَّرَ فيَّ؟ هل شيءٌ تكسَّرَ؟ هل سيُغمى في الطريقِ على الأغاني؟ هل سيخفقُ وردةً فوقَ الصليبِ دمي؟ أُفكِّرُ.. لا أُفكِّرُ، نسوةٌ يعبرنَ في المعنى، ولا ينصعنَ للتفَّاحِ، سيِّدةٌ تمسِّدُ شَعرها بالضوءِ، آنيةٌ لحفظِ تنهدَّاتِ الظلِّ، غيمٌ مالحٌ، ما الفرقُ بينَ اللفظِ والرؤيا وبينَ أصابعِ التأويلِ والمرآةِ؟ أو ما الفرقُ بينَ قصيدةٍ رعويَّةٍ وبكاءِ أنكيدو؟ وبينَ زنابقِ الوادي وبينَ فمي؟ دمي غيمٌ وأشجاري التماعاتُ الظنونِ، تكوِّرُ امرأةٌ قصيدتها لأنساها، وتفركُ جسمها بالآسِ أو بالزنجبيلِ الحيِّ، موسيقايَ باردةٌ وهذا الليلُ لا يُصغي إلى جرحِ الكلامِ ولا يميطُ عن الجميلاتِ اللثامَ، الليلُ وغدٌ، كالرجالِ الخائنينَ وكالنساءِ العاهراتِ، ضجرتُ من نفسي لأنكَ لم تكن يا آخري في عزلتي هجسي، لأنكِ لم تكوني مرَّةً قمري ولا شمسي، لأني لم أُرتِّبْ فيكِ فوضى الأبجديَّةِ وانسحبتُ من الظلالِ كأنني شبحٌ يكابدُ فيكِ رغبتهُ، ويبني من بقايا دمعةٍ حجريَّةٍ منفاهُ، طوَّحتْ المعلَّقةُ الأخيرةُ بي على مرأى امرئِ القيسِ الذي لفَّ استداراتِ الأُنوثةِ بالسرابِ وبالتوجُّعِ عندما أخفى الثيابَ وعندما أرختْ ضفائرها على موجٍ فتاةُ الحيِّ، أو راحتْ تلمِّعُ خصرها بالزعفرانِ وبالقرنقلةِ الأخيرةِ نهدها.

*

مطرُ الغريب

مطرٌ لا يثيرُ المشاعرَ أو لا يقولُ الحقيقةَ في الخارجِ الآنَ، لن أستعيرَ قناعَ الصعاليكِ حتى أرى ما وراءَ السطورِ ولا معطفَ المسرحيِّ لأكتبَ عن حائطٍ خائفٍ في الروايةِ، لا شيءَ.. لا شيءَ، حطَّتْ على شفتي نحلةٌ وعلى لغتي قبَّراتٌ ثلاثُ ولا شيءَ، زوجا حمامٍ يعودانِ في أوَّلِ الليلِ للبيتِ، سبُّورةٌ غيرُ مرئيَّةٍ في الظلامِ، هواءٌ معافى، وتعويذةٌ للصغيرِ، تركتُ الغيابَ على حالهِ ثمَّ نمتُ، تركتُ الكتابَ لفنجانِ بُنِّ المساءِ وأبحرتُ في التيهِ، لا مطرٌ سيقودُ خطايَ ولا وترٌ في الكنايةِ أو في صدى النهوندِ، سأطوي النهارَ كسجَّادةٍ وسأكتبُ نثراً لإحدى حفيداتِ طاغورَ، أو شبهَ مرثيَّةٍ لنساءٍ تسلَّلنَ من لوحةٍ فوقَ حائطِ مشفى ومن حبقٍ أُنثويٍّ لفروغ فرخزادَ، أو من حروبٍ ستأتي عليهنَّ، ثمَّ تقطَّرنَ كالخلِّ في المزهريَّةِ، أو ذبنَ مثلَ النداءاتِ فوقَ الأسرَّةِ أو في الشرايينِ، دمعاً على أربعاءِ الرمادِ، رماداً على وردةٍ في الأحدْ.

*

ما أنتَ تبحثُ عنهُ يبحثُ عنكَ

لي سرُّ آدمَ في تعلُّقهِ بحوَّاءَ الوحيدةِ، وانجذابُ يديهِ للضلعِ اليتيمِ، وخصفُ ريحِ الأرضِ، لي ورقُ الترابِ ولي غصونُ التينِ والزيتونِ، حينَ نظرتُ للأعلى رأيتكِ، كنتِ ماثلةً على لوحِ السماءِ، مضاءةً بندائكِ العلويِّ، ملتُ على يديكِ فقشَّرتني كائناتُ البرتقالِ وفسرَّتني بالعواصفِ، لا مجازَ اليومَ لي، وستدخلينَ إلى تفاصيلي الصغيرةِ عنوةً، لطريقةِ الشعراءِ في التدخينِ أو في الانسحابِ من الزنابقِ والهبوبِ على رصيفِ الأبجديَّةِ، للتمعُّنِ في اكتئابِ الشاعراتِ، وفي غموضِ جمالهنِّ وسرِّ احداهنَّ في معنى اختيارِ الانتحارِ، ستدخلينَ حديقةً منسيَّةً وتأمُّلي سربَ الطيورِ وهجرةَ الغزلانِ، أبحثُ عن خطايَ على البحيرةِ أو صدى روحي بصحراءِ المجرَّاتِ البعيدةِ، لم أجدْ غيري يحاربُ ظلَّهُ ورؤى طواحينِ الهواءِ، ولا عبارةَ غيرَ نقشٍ غابرٍ (ما أنتَ تبحثُ عنهُ يبحثُ عنكَ) لكن لم أجدكِ ولم أجدني.

*

فكرةٌ / فراشةٌ

يأتي صياحُ الديكِ من حيٍّ بعيدٍ، أو نباحُ الكلبِ مختلطاً بصوتِ الريحِ، بي ضجرٌ من السرديِّ والشعريِّ، هل أمضي لأجلسَ في حديقةِ صوتِ أنثى؟ هل أُدرِّبُ صوتها يوماً على الطيرانِ أم أُعطيهِ بعضَ صدايَ؟ لا أدري.. تعبتُ من الوقوفِ على المطالعِ والطلولِ الأنثويَّةِ، قلتُ للمثليِّ حينَ قرأتُ سيرتهُ: ابتعد عني ولا تلمسْ يديَّ، الآنَ تدخلُ كالفراشةِ فكرةٌ وتحطُّ فوق ملاءةٍ صيفيَّةٍ زرقاءَ، تقرأُ في كتابِ الحُبِّ سيرتها وتغرقُ في سريرِ النومِ، هل عربيَّتي الفصحى تساعدني على وصفِ التي في البردِ تولمُ للحيارى جسمها وتضيءُ سرَّتها لينطفئَ الدجى والزمهرير؟

*

ريشةُ النار

ريشةُ النارِ ترسمُ في الأزرقِ اللا نهائيِّ حوريَّةً خصرُها يتزنَّرُ بالقمحِ أو بفمٍ جائعٍ، آهِ يا شهرزادُ انزلي من علٍ واحملي سلَّةَ التينِ أو أجِّلي الصبحَ حتى تخلِّصَ سيِّدةٌ نفسها من شراكِ الحكايا ولوحِ الوصايا، وكي تتمرأى صبايا البلادِ بما فاضَ عنكِ من الماءِ أو من صراخِ المرايا، سماءُ قصيدتكِ الآنَ صافيةٌ كبصيرةِ هوميرَ، هادئةٌ كالسواحلِ أو كظهيرةِ شهرِ حزيرانَ، لا همسةٌ للنسيمِ ولا نأمةٌ للمياهِ، وليستْ معي نزواتُ المحبِّ الصغيرةُ، ليستْ معي في طريقِ النوارسِ أو في ظلامِ الذئابِ بقيَّةُ نثرٍ أخيرٍ ليبتزَّهُ شهريار.

*

أبجديَّةُ العشق

في البدء كانت أبجديَّةُ عاشقٍ منحوتةً في الصخرِ والبرديِّ، كانَ تأخُّرُ امرأةٍ عن البستانِ أو وعدِ الحبيبِ يشتِّتُ المعنى ويربكُ طائرَ الدوريِّ، ما هذا الذي في الكأسِ؟ ما صلتي بأفلاطونَ أو سقراطَ؟ هذا اليومَ عشبٌ في الرخامِ استوقفَ المتراكضينَ إلى النهايةِ، قطَّةٌ ترنو إليَّ، وشاعرٌ يهذي، وساعٍ للبريدِ يعيدُ للصندوقِ زفرتهُ ويشردُ، لن أدورَ على مسلَّاتِ المساءِ ولن أعودَ إلى سدومَ لكي أرى تمثالَ ملحِ خيانةٍ أُخرى وكيفَ يخلِّدُ الحبَّ الجحود.

*

بعدَ مُنتصفِ الليلِ

بعدَ مُنتصفِ الليلِ، أقصدُ بعدَ الهزيعِ الأخيرِ من الليلِ، بعدَ ذهابِ الجميعِ إلى النومِ، بعدَ الحنينِ لصلصالِ حوَّاءَ، بعدَ انطفاءِ النجومِ التي في دمي، بعدَ أن أقرأ المثنويَّ، وأغفو وحيداً على غيمةِ القمحِ، أفتحُ نافذتي كي تمرَّ طيورٌ مهاجرةٌ ورياحٌ خريفيَّةٌ لا تنادي على أحدٍ ضلَّ منذُ زمانٍ بعيدٍ، وأتركُ نايَ الرعاةِ لأغنيةٍ في الجبالِ، وأنسى الصدى في المرايا، وموجَ الهديلِ على غصنِ ليمونةٍ، والضبابَ على السطحِ، والأسطوانةَ والفيلمَ والوردَ في المزهريَّةِ واللغةَ السيميائيَّةَ والتبغَ والماءَ، من أجلِ أن أتقرَّى بكفيَّ حزنَ السكارى الوحيدينَ جدَّاً وأقرأَ ما يكتبونَ هنا بعدَ منتصفِ الليلِ.

*

دومينو في الأحلام

لا حُمَّى تُغويني كي أتبعَها في هذا البردِ إلى المجهولِ، ولا حالةَ إغماءٍ تلكَ تجيءُ على هيئةِ راقصةِ الفلامنكو تهمسُ بكلامٍ أزرقَ بينَ حدودِ البحرِ وبينَ غموضِ الرؤيا، للعاشقِ أو للشاعرِ أو للبَّكاءٍ المتوجِّسِ من رائحةِ القرفةِ في الغزلِ العذريِّ ومن عطرِ العنقاءِ، ستنقصني موسيقى موتسارتَ لأُصبحَ رجلاً آخرَ لا تعنيهِ الهفواتُ ولا الأخطاءُ ولا تشعلهُ أو تطفئهُ امرأةٌ في الشارعِ، لا حُمَّى تغويني، لا تمثالٌ منسيٌّ تحتِ المطرِ الليليِّ يُشيرُ إلى حزني الأبديِّ، ولا أحتاجُ لأكثرَ من لغةٍ أتماهى في ألوانِ جسدها، أو أُسندُ رأسي في الليلِ على نعناعِ يديها، لا أحتاجُ لأنسى أو لأُحبَّ لأكثرَ من خمسِ دقائقَ أجمعُها وأُفرِّقُها كالدومينو في الأحلام.

*

في مثلِ هذا اليومِ

في مثلِ هذا اليومِ قبلَ روايتينِ طويلتينِ وصحبةٍ رعويَّةٍ لقصائدِ الأمطارِ، قبلَ علاقتينِ وزهرةٍ في السورِ تحرسُ ظلَّها وسرابها، قبلَ السرابِ وبرعمينِ تفتَّحا في الريحِ وانسلَّا من الفصحى ليمتحنا كلامهما الطريَّ على مواجهةِ العواصفِ بالمجازِ وبالبلاغةِ كانت امرأةٌ بلا ندمٍ يعذِّبها ويسحبها برفقِ وصيفةٍ شرقيَّةٍ في الليلِ من يدها ومن غدها لتمسحَ عن زجاجِ الذكرياتِ غبارَ رغبتها القديمةِ أو تحجُّرَ كحلها عن محجريها كالنعاسِ الصلبِ، تطلقُ قهقهاتٍ دونَ معنىً حينَ تقرأُ في الظهيرةِ شِعرَ ييتسَ وحينَ ترفعُ نخبها لليلِ أو للأصدقاءِ، وفي قرارةِ قلبها رجلٌ وفي دمها اصطفاقٌ للخريف.

*

ظهيرةٌ بحريَّةٌ

تسكَّعتُ كلَّ الظهيرةِ في شاطئٍ مُمطرٍ، راكبو الموجِ يبتسمون لسربِ النوارسِ، والعابرونَ سراعاً يقولونَ: عمتِ صباحاً لحوريَّةٍ لا أراها ويمضونَ، بلَّلني الماءُ، بلَّلَ ظهري وساقيَّ، هل أتذكَّرُ أسطورةً عن قداسةِ ماءِ الشتاءِ؟ المطاعمُ خاويةٌ والشواطئُ إلَّا من العاشقينَ ومن راكبي الموجِ، في المطعمِ الآسيويِّ القديمِ كأنَّ الزجاجَ المطلَّ على البحرِ شفَّ وصارَ مرايا دواخلنا، ها هنا عابرٌ أجنبيٌّ يقولُ لسيِّدةٍ تتأمَّلُ في شاطئٍ مُمطرٍ: كم أُحبُّكِ.. كالبحر ،أعمقَ، أبعدَ، أعلى، وأجملَ من كلِّ شيء.

*

قمَرُ اكتمالِ السُهْد

أشتاقُ نبضَ يديكِ حولَ يديَّ، نبضُ يديكِ كالعصفور يخفقُ قلبُهُ ظمآنَ أو ولهانَ، لا أحتاجُ أدرنالينَ في هذا النهارِ لأنَّ شعلةَ جسمكِ المائيِّ توقدُ معنيانِ على الطريقِ وفي كياني، معنيانِ يتمِّمانِ رؤى الوصولِ إلى أُنوثتكِ اليتيمةِ، معنيانِ يفسرِّانِ خطايَ بالغيمِ الخفيفِ وبالسنابلِ، معنيانِ.. الأوَّلُ الحاني عليكِ حنوَّ أُمِّكِ أو أبيكِ على طريقِ رجوعكِ الجبليِّ، والثاني استدارةُ خصركِ الورديِّ مثلَ حديقةٍ في آخرِ الدنيا، فكيفَ إذن أحبُّكِ؟ كيفَ أشربُ ماءَ نثركِ أو سرابكِ في الظهيرةِ للقرارِ ولا أُحبُّ الكردَ؟ كيفَ وأنتِ منهم لا أحبُّ الكردَ يا عبَّادَ شمسِ الروحِ يا قمرَ اكتمالِ السُهدْ؟

*

قصيدةٌ عن ليلِ المعنى

لا سبيلَ لكي أُفهمَ الطارئينَ بأنَّ الطريقَ إلى ليلِ معنايَ أصعبُ من صخرةٍ أتأبَّطها كالكمنجةِ أو مثلَ سيزيفَ، هل ذرَّةُ الملحِ أكبرُ من وردةِ اليأسِ؟ هل وردةُ اليأسِ أصغرُ من وجعِ الماءِ في وترٍ لا يُرى في كمانِ الرياحِ، أعيدي لأكتبَ ما قلتِ لي اليومَ كي يصلحَ الشِعرُ ما أفسدَ الدهرُ، والأغبياءُ سأكنسهم واحداً واحداً بعدَ هذا النهارِ، أعيدي لأنسى الذي قلتِ لي يا صديقةَ قلبي، حياديَّةٌ أنتِ كالمسرحيَّةِ حينَ تخاطبُ شخصاً غريباً تأخَّرَ عن موعدٍ فتعثَّرَ بامرأةٍ وبحلمٍ قديمٍ، شتائيَّةٌ أنتِ مثلَ الرواياتِ، هل من سبيلٍ لكي لا تجوعَ أصابعنا لغناءِ الطيورِ؟ وهل من سبيلٍ لنمحو عن الرملِ رغوَ اشتهاءاتنا كي ندلَّ على بعضنا في الأساطيرِ أو في سرابِ الأسرَّةٍ؟ من يُفهمُ الآخرينَ بأنَّ الغصونَ التي تتشابكُ في الميجنا وبقايا الطلولِ لغاتٌ حريريَّةٌ يتعانقُ فيها الندى بالصدى القرمزيِّ وأغنيةٌ بالأصابعِ؟ من يُفهمُ الحالمينَ بأنَّ القصائدَ طينٌ لأقدامِ من عبروا من هنا؟

*

سأغسلُ وجهي بصوتكَ

(إلى الشاعر اللبناني زغلول الدامور)


شركٌ أنتَ لي، قدرٌ زاجلٌ، مطرٌ فيهِ ترقصُ شاعرةٌ من بقايا قبائلِ أفريقيا، ساحرٌ بارعٌ يرقصُ الأرزُ حينَ يغنِّي ويهدلُ، أو حينَ يصنعُ من خشبٍ مهملٍ زورقاً يتهادى المحبُّونَ في ليلهِ، وخواتمَ عُشَّاقهِ من حديدِ الحروبِ، نداءٌ على شجرٍ أنثويٍّ تناهى وغابَ، سأغسلُ وجهي بصوتكَ، لا ماءَ عندي، ولا دمعَ كي أستضيءَ بهِ، هل أُسمِّي نساءَكَ في الميجنا والعتابا التي من نحيبِ الجبالِ على امرأةٍ شَعرها طائرٌ في الأساطيرِ أو في كتابِ الأغاني، أو امرأةٍ خصرها شمسُ داليةِ العنبِ السكريَّةِ؟ يا عندليبَ الكنايةِ كيفَ أخذتَ من النايِ أطولَ أنهارهِ واستدرتَ إلى الخلفِ تحملُ عن كاهلِ المتعبينَ رذاذَ البنفسجِ أو ذكرياتِ الحروبِ؟ سأغسلُ وجهي بصوتكَ أو بصدى رفرفاتِ المواويلِ في سهلِ قمحٍ فسيحِ العناقِ، هنا انتبهتْ زهرةُ الليلِ لمَّا مددتَ لها غصنَ قلبكَ كيما تطيرَ إلى ظلِّها، وهنا نفضتْ كحلها وردةُ الحورِ واشتعلتْ وحدها في أعالي الكلامِ.

*

الحُبُّ خبطُ خطىً

الحبُّ خبطُ خُطىً على وجهِ البحيرةِ، نقرةٌ أو نقرتانِ على الزجاجِ، ظهيرةٌ ورديَّةٌ، وقصيدةٌ في الصبحِ، نحلٌ في الأصابعِ والضلوعِ، ولعنةٌ أبديَّةٌ تأتي على كبَرٍ، وسبتٌ هادئٌ أو ممطرٌ، أو ربَّما لا شيءَ، محضُ فقاعةٍ بيضاءَ صابونيَّةٍ، أو رقصةٌ ليليَّةٌ في البارِ، أو شمعٌ يضيءُ الكهرمانَ وعتمةَ الـتأويلِ لامرأةٍ على بوليوودَ تخرجُ من ستائرِ شهوةٍ مثلَ الفراشةِ، أو تُعيدَ الماءَ للمرآةِ والزبدَ المنافقَ للرمادِ وللمَحارةِ، ناوليني خيطَ قلبكِ يا ابنةَ العنقاءِ يا امرأةً على بوليوودَ أو طرفَ العبارةِ، واحمليني فوق أمواجِ الضفائرِ والنداءِ العذبِ في نهرِ المرايا.

*

أُنشودةُ أوديسيوس

أمامي مدى البحرِ، حوريَّةٌ من ايثاكا تغنِّي لأتبعها، وأمامي ربابةُ هوميرَ منقوشةً فوقَ خصرِ الغزالةِ بالزعفرانِ، أمامي كتابُ السرابِ وبحَّارةٌ ينزلونَ، وخلفي الحرائقُ والوقتُ والذكرياتُ الحرونُ، ولا شيءَ في البالِ، لا موجَ في آخرِ السطرِ، لا نثرَ يأخذني من يدي، البحرُ مرآةُ من لا مرايا لهُ، وهو نصفي المسائلُ والمتردِّدُ، نصفي النهاريُّ، شعلةُ روحي، ولا طيرَ خلفي سوى الريحِ، لا ريحَ خلفي هنا، من أنا لأُربِّي الصدى في جرارٍ من الطينِ أو في المَحارِ لأُبصرَ صوتي وأنسى وأحفظَ عن ظهرِ قلبٍ طريقَ الحنينِ؟ وكيما أدُلَّ الذئابَ على قلبِ أُنثى وأمحو الظلالَ، هنا لا ظهيرةَ لي، لا زنابقَ تنمو على مهلها في القصيدةِ أو في أصابعِ احدى اللواتي عبرنَ مصادفةً من نشيدِ الأناشيدِ حتى ضفافِ المراثي الحديثةِ، لا خيطَ ماءٍ ألفُّ بهِ قدمي أو يدي في طريقي لبنلوبَ، لا حجرٌ أحتمي خلفهُ من غناءِ العذارى، ولا قمرٌ ساحليٌّ يدلُّ على امرأةٍ وحدها، الشعراءُ يتامى استعاراتهم، وندامى وحيدونَ حتى الأبدْ.

*

كأني مخلوقٌ من ضلعِ امرأة

ليتَ لي طائراً بدلَ القلبِ أو غيمةً بدلَ الروحِ بيضاءَ من دونِ ضوءٍ، على رسلها تقتفي أثرَ الريحِ، يا ليتَ لي ما تريدُ النساءُ من الكحلِ والماءِ، قلتُ لخلخالِ أُنثى: انتبهْ للزمانِ وإيقاعهِ، ولساقيةٍ في الربيعِ: اتبعيني إلى أينَ شئتِ، فقالتْ فتاةٌ لأشباحها في ظلامِ الشتاءِ: أُتركوني ويأسي، هنا يتدَّثرُ قلبي بأوجاعهِ في السريرِ كقطٍّ صغيرٍ، هنا توقدُ النجمةُ الساحليَّةُ حبري وشمسي، هنا يتراكضُ ظلُّ الثعالبِ ما بينَ ليلٍ طويلٍ يضيءُ هبوبَ أغاني الرعاةِ على الرغبةِ الأنثويَّةِ أو جهةِ البحرِ في ثوبِ إحدى النساءِ وبينَ سرابي وحدسي.

*

ذهبَ الذينَ تحبُّهم

ذهبَ الذينَ تحبُّهم، ذهبوا، وبعضٌ لا يزالُ يساومُ الدنيا على حجرِ ابتسامتهِ، أو امرأةً على خبزِ الحنينِ، فهل سُدىً فسَّرتَ نصفَ الحلمِ أو قشَّرتَ نصفَ البرتقالةِ في الظهيرةِ دونَ أن تنصاعَ للحرفيِّ والضمنيِّ، هل ذهبوا؟ هل انطفأوا كبعضِ الذكرياتِ، وكالصدى ذابوا فصدَّقتَ السرابَ ولغوَ فلسفة الجمالِ وما تقولُ حبائلُ الشيطانِ للغاوينَ؟ صدَّقتَ السرابَ كأنهُ رؤياكَ فاصعدْ هوَّةَ النسيانِ من أقصى دمائكَ واحترقْ لتضيءَ دربَ الحالمينَ ولا تثقْ بخطاكَ فوقَ الماءِ أو بخريفكَ النثريِّ مثلَ قصيدةٍ زرقاءَ من فرطِ التشَّهي، لا تثقْ بالماءِ حينَ يمرُّ من وجعِ العبارةِ، لا تثقْ بالمرأةِ / الأفعى ولا بفحيحِ رغبتها الذي يبكي مع الناياتِ، فلتذهبْ وراءَ الريحِ سهماً في الظلامِ يئنُ، ولتشربْ ثمالةَ كونها امرأةً لكي تشفى أنوثتها من التحديقِ في الماضي، فما دامَ الذينَ تحبُّهم ذهبوا ستبقى في ظلامِ الليلِ وحدك.

*

في غرفتي مطرٌ

في غرفتي مطرٌ وشمسٌ تشربُ البنَّ المعطرَّ، فوقَ سطحِ البيتِ ضوضاءٌ مرتبَّةٌ كما لو أنَّ جمعاً للهنودِ الحمرِ يحتفلونَ رقصاً في الأعالي، قلتُ في نفسي: سأرسمُ في المدى فزَّاعةً وعلى يدي طيراً تطاردهُ الظلالُ ولا مفرُّ، وقلتُ في نفسي سأهجسُ أنني أمحو حدودَ الأرضِ بالرقصِ القصيرِ وبالغناءِ، فربَّما يتداخلُ الروحيُّ في الجسديِّ أو يتعانقُ المتخاصمانِ لبرهةٍ في الشارعِ الليليِّ، أو احدى نساءِ الحيِّ تمسحُ عن ضفيرتها غبارَ تنهدِّ المحبوبِ أو ما ظلَّ فوقَ الوجهِ من مسحوقِ قبلتهِ، وتتركُ في الجدارِ نيابةً عني فراشتها وتنفخُ في تلابيبِ الهواءِ قصيدةً سريَّةً وعلى المرايا لهفةً محفورةً بأظافرِ امرأتينِ أو بتموُّجاتِ الظلِّ في نيسانها العاري، وتمزجُ ماءها بالسهدِ والسهرِ المجنَّحِ كلمَّا طارتْ زنابقُ في حديقتها إلى الأعلى، أو انطفأتْ جهاتٌ لا تقودُ الحائرينَ إلى يديها.

*

لا تجرح امرأةً

لا تجرح امرأةً ولا رجلاً غريباً عنكَ بعدَ اليومِ، لن تنساهُ إن صادفتهُ في الشارعِ الشتويِّ كالضلِّيلِ، أو في المطعمِ الشرقيِّ يلتهمُ الفلافلَ ساهمَ العينينِ في ذاكَ الصباحِ وحائرَ القلبِ الوحيدِ أو الملوَّعِ، ثمَّ جاءكَ نعيُهُ بعدَ الظهيرةِ، ما الذي ستقولُ عنهُ؟ وما الذي ستحسُّ فيهِ؟ الناسُ لو فكَّرتَ فيهم لحظةً ستغيِّرُ الأفكارَ عنهم، ذلكَ المسكينُ كيفَ قضى حزيناً نحبَهُ ومضى على عَجَلٍ؟ من البشرِ الحياديِّينَ كانَ، أظنُّهُ لم يعشقْ امرأةً يقولُ لها: اغسلي وجهي بوجهكِ لا بزنبقةِ الندى، أو مسدِّي شَعري بثغركِ أو بخصركِ، أو تماهي في الضبابِ الأنثويِّ، فلم يزلْ أيَّارُ يسكنُ في خيالاتِ النساءِ وفي قصائدهنَّ، لكن لم أجدْ أيَّارَ حينَ صحوتُ من حلمِ الحياةِ ولم أجدْ أنثايَ، لا.. لا تجرح امرأةً وإن جرحتكَ، فالشعراءُ كالبشرِ الحياديِّينَ، لا يتورَّعونَ عن الحنينِ إلى السرابِ وعن مقايضةِ النساءِ وطعمِ فاكهةِ الأنوثةِ بالسجائرِ والشرابِ، وربَّما لا يكتبونَ سوى لمن لا تستحقُّ، وربمَّا لا يعشقونَ سوى نساءٍ متنَ من زمنٍ بعيدٍ في الحقيقةِ والمجاز.

*

وُلدتُ لأجعلَ من جسدي حوضَ ورد

(وُلدتُ لأجعلَ من جسدي حوضَ وردٍ، ومن زفراتي سنابلَ أو طعمَ لوزٍ على شفتيْ رجلٍ)

غنَّت امرأةٌ.. فتنكَّبتُ عن صوتها المتوهِّجِ في الليلِ كيْ يستضيءَ بهِ شبقٌ ضائعٌ في الفلاةِ وفي المطرِ الاستوائيِّ.. كوني حياديَّةً يا شفاهي إذا ما قرأتِ كتابَ الندى، فالنساءُ اللواتي يقطِّرنَ ماءَ اشتهاءاتهنَّ بأجسادهنَّ

يُصبنَ بلعنةِ معنى الجمالِ وسرِّ احتمالاتِ أقسى الحروبِ، وكالأُخرياتِ يسمِّينَ فعلَ الوقوعِ المحيِّرِ في الحبِّ

خبطَ الفراشاتِ ملءَ القلوبْ.

*

كتابُ الوجوه

أفتحُ سِفر الحياةِ الجديدةِ أو ما يُسمَّى مجازاً كتابَ الوجوهِ، لكي أتفقَّدَ من ظلَّ حيَّاً من الأصدقاءِ، ومن ماتَ، حتفَ الحروبِ وحتفَ كوابيسهِ، واستقالةِ عينَيْ حبيبتهِ من كتابِ الندى، ويديهِ من الأرضِ أو من معانقةِ المشتهى قبلَ أن أشربَ الشايَ وحدي، وأفتحَ نافذةً للكلامِ الخصوصيِّ جدَّاً مع النفسِ، تنقرُ خاصرتي دمعةُ امرأةٍ في البريدِ: (أتكتبُ من أجلِ عَينيْ فلسطينَ؟).. من صوتها كانَ يأتي خيالُ فلسطينَ مثلَ بدايةِ حُبٍّ ومثلَ النعاسِ البريءِ، يضيءُ بليمونهِ القمريِّ دمي وشفاهيَ والساعدينْ.

*

لا تجرحي الماءَ

لا تجرحي الماءَ في المزمورِ.. قلتُ، فلم تفهمْ مجازي سوى ريحٍ تعلِّقُ قمصانَ الغناءِ على سروٍ تكابدُ معناهُ الطيورُ سُدىً في الليلِ تحملهُ إلى خريفٍ بعيدٍ.. هل نسيتُ يدي في ثوبِ عبَّادِ شمسٍ في الظلالِ؟ وهل نسيتُ مفتاحَ قلبي في يدِ امرأةٍ من الشمالِ لها جسمٌ كعاصفةٍ من الورودِ ومن دمعِ السنابلِ..؟ لا تُحمِّلي لغتي ما لا تطيقُ.. ولا تفسِّري عطشَ الصلصالِ فيكِ بأنهارٍ يجرِّدُها صيفٌ من القُبَلِ.

*

بالحدسِ أكتبُ نثراً عن الحُبِّ

بالحدسِ أكتبُ نثراً عن الحُبِّ والريحِ، أشطبُ أوَّلَ هذي القصيدةِ بالحدسِ، أذهبُ فيما وراءَ المعاني وأشربُ بالضوءِ أو بالعبيرِ المكثَّفِ قهوتيَ العربيَّةَ، أندبُ حظَّ المساكينَ في وهجِ هذي الظهيرةِ، أعرفُ من سوفَ تفتحُ لي قلبها، حينَ أضربُ بحرَ أنوثتها بعصايَ التي يتوَّكأُ شعبٌ من الشعراءِ عليها، وبالحدسِ أجهلُ تفسيرَ معنى العناقِ.

*

شكراً لنوَّارِ ليمونةٍ

ستصبحُ حُرَّاً إذا ما استطعتَ التخلِّي عن الأمسِ، أو قلتَ شكراً لنوَّارِ ليمونةٍ واعتذرتَ لمن عذَّبتكَ مراراً بلا سببٍ، وتركتَ زنابقَ ذابلةً في شقوقِ جدارٍ قديمٍ، ستصبحُ حُرَّاً إذا ما استطعتَ البكاءَ على ركبةٍ امرأةٍ خنتها، وستصبحُ حُرَّاً إذا ما تنشَّقتَ ثوبَ حديقتها كالغريبِ، ستصبحُ حُرَّاً إذا ما استطعتَ إدارةَ ظهركَ لامرأةٍ كنتَ أحببتها.

*

ايقاعات رعَويَّة X


(1)

لا أسحبُ من قصيدةٍ يديَّ في الليلِ

ولا أغفو لأستريحَ من لواعجِ النهارِ

لا أمشي لكي أبلغَ ايثاكا وكي أُقارنَ الصدَّ بمعنى الوصلِ

أو جرحي بوردِ الريحِ

هل تسحبُ غالا عطرها من زرقةِ الشبَّاكِ في لوحةِ دالي

وهي في أقصى حنينِ الروحِ؟

هل تغمضُ إلسا وردةً في قلبها من غيرِ أن يكونَ فيها وجهُ أراغونَ؟

كلُّ امرأةٍ إلسا

لها من رغوةِ التفَّاحِ جسمٌ هائجٌ

ومن حفيفِ الماءِ صوتٌ ناعمُ الفحيحِ

يستديرُ نصفُ قمرٍ في وجهها النائمِ كالمهزومِ بعدَ الحربِ..

لا يشيرُ للأعلى لا ينوحْ

*

(2)

لا أتبعُ الغاوينَ، لا يتبعني غيري

أنا الهائمُ بينَ المتنِ والهامشِ، بينَ الصوتِ والصدى

وبينَ امرأةٍ تولدُ من جمالها، وشاعرٍ يولدُ من مجازهِ

لا أتبعُ الغاوينَ، لا يتبعني الغاوونَ

لي من آخري المسكونِ بالناياتِ تأويلٌ

ولي تفَّاحةٌ عذراءُ لا تقربها حوَّاءُ

لي ضفيرةٌ صغيرةٌ مطويَّةٌ في آخرِ الديوانِ

لي أنوثةُ النثريِّ في (مدامِ بوفاري)

ولي الشعريُّ في (نهايةِ التاريخِ) أو في (معجمِ البلدانْ)

*

(3)

ليسَ يا دو موسيه بالضرورةِ أن يجعلَ الألمُ الفذُّ منَّا عظاماً، أتذكرُ جورج صاندَ يا أتعسَ العاشقينَ؟ أنا أتذكَّرُ كلَّ شبيهاتها العابثاتِ، وأعرفُ كلَّ وريثاتها، لا تقل لي بأنَّكَ ما زلتَ تعشقُها، لا تقل لي بأنَّكَ... لا شيءَ، لا شيءَ، قلبي عليكَ، لأنَّكَ قطَّرتَ من أجلها كلَّ كحلِ لياليكَ حبراً يضيءُ، لو أنَّكَ كنتَ قسوتَ قليلاً على من تحبُّ، لو أنَّكَ عالجتها بالفراقِ، وعاجلتها بالعناقِ، لخلَّصتَ قلبكَ من مخلبِ الحبِّ في جسمها، ولنمتَ قريرَ الرؤى في سريرِ الأبدْ

*

(4)

رجلٌ إلى امرأتينِ في امرأةٍ يقولُ لمن تعالجُ بالصدودِ غيابهُ عنها: احملي عني الغيومَ لبرهةٍ كي أستريحَ من الوقوفِ على طلولِ الذكرياتِ..

يقولُ للأخرى: انزلي من برجكِ العاجيِّ كيْ تخضرَّ هذي الأرضُ بعدَ مرورِ أنكيدو.. انزلي من شهوةٍ بيضاءَ في سفرِ المزاميرِ.. انزلي من قطرةِ الصلصالِ

في أثوابِ آدمَ.. من بكاءِ العطرِ.. أو من دمعةِ التفَّاحِ يا حوَّاءَ أحلامي..

أراكِ الآنَ فيَّ وفي الظلالِ تعانقينَ الصيفَ..

أشربُ عزلةَ الشعراءِ والمتسوِّلينَ

وأنتِ كالمتأملِّينَ البحرَ ترتشفينَ قهوتكِ المضاءةَ بالنعاسِ وبالنيونِ

أعيشُ منقطعاً عن الأشعارِ، فيما أنتِ تنشغلينَ بالأزهارِ عن كلِّ الحروبِ

وتبحثينَ عن المرايا المستحيلةِ والفوارقِ بينَ شكلِ يديكِ والسونيتِ

قلتُ كشاعرٍ يهذي: الوحيدةُ في الحياةِ وفي النساءِ هيَ الجميعُ

هيَ الحديقةُ والصديقةُ والرقيقةُ كالفراشةِ والأنيقةُ كالعروسِ

هيَ المصابةُ بالسنابلِ والمحاطةُ بالسواحلِ والشموسِ

فقلتِ: لا النعناعُ يكفي كي أُقطِّرَ من ندى عطري ولا الليمونُ

عالجْ رغبةَ امرأةٍ برائحةِ الزنابقِ كيْ ترى..

أو عاجلْ امرأةً تُسمِّيها القصيدةَ.. بالصُدودْ

*

(5)

الحياةُ التي لا تكونُ قصيدةَ حبٍّ على شفتيْ عاشقينِ

أو امرأةً سكبتْ شهدها لطيورِ الشمالِ..

الحياةُ التي لا تكونُ طريقاً عموديَّةً للطفولةِ

أو وردَ شاعرةٍ يتفتَّحُ في ليلها

ويعانقها وحدها ثمَّ يقفلُ أكمامهُ

هيَ ما لا أفسِّرُها بالكؤوسِ التي فرغتْ آخرَ البارِ..

لا بالرياحِ التي أعولتْ في الدماءِ

ولا بسكارى السواحلِ والراقصاتِ النحيلاتِ..

تلكَ الحياةُ التي لا تكونُ سوى قُبلةٍ في كتابٍ.. وما بعدها

*

(6)

الجميلاتُ يتركنَ سهواً رسائلَ عشَّاقهنَّ

ويذهبنَ للصيفِ أو لاصطيادِ الندى..

لستُ عرَّابهنَّ.. ولستُ الوصيَّ على شهدِ أجسادهنَّ..

الجميلاتُ يتركنَ للشعراءِ صدى الماءِ خلفَ الصحارى

أو القمحَ خلفَ الأغاني

يقلنَ لعشَّاقهنَّ: عناقيدنا المشتهاةُ قناديلُ أجسادكم..

لا تروموا سوانا

فلن تجدوا في مدينتكم نسوةً غيرنا

*

(7)

نادلةٌ خضراءُ العينينْ

ترسمُ فوقَ الحائطِ أشجاراً وبحيراتٍ تنضحُ بالدفلى

وتئنُّ لأنَّ حبيباً ما ودَّعها في النصفِ الآخر من نهدِ الكرةِ الأرضيَّةِ..

كالظبيةِ يتبعها منِّي شبحٌ يتوزَّعُ في ذئبينِ

فتدخلُ في إحدى لوحاتِ الحائطِ هرباً

أو تأكلُ تفَّاحةَ شهوتها خلفَ حديقةِ بيكاسو ليلاً

وتراني من برزخها الجسديِّ

أُطيِّرُ غيمةَ قبلتها وحدي في الصيفِ كطائرتي الورقيَّةِ

فيما ترمقني من غيرِ مبالاةٍ وبنظرتها البلهاءِ

تحاولُ أن تمسحَ رغوةَ غزلي عن قدميها

وأنا أطفئُ شغفي بأصابعها الولهى عن بُعدٍ

مشتعلاً بالوجدِ ومسكوناً بالحُمَّى في الما بينْ

*

(8)

لظهيرةٍ خضراءَ أو للقطَّةِ البيضاءِ أكتبُ

للفراشةِ، للحنينِ وللصدى الأبديِّ في أقصى الهشاشةِ

لاحتراقاتِ المحبِّ

لما يشفُّ الماءُ في تنهيدةٍ عن ضوئهِ الجسديِّ.. أكتبُ

للرمالِ البيضِ تغمرُ ساحلَ امرأةٍ

تقولُ لشمسها: انتظري لأكبرَ أو تعالي نشربُ الليمونَ بالنعناعِ

أكتبُ «للرياح العاتياتِ كأنها تعوي بأسماء النساءِ الميِّتاتِ هناكَ من زمنٍ طويلٍ»

أو بأسماءِ الرجالِ الميِّتينْ

*

(9)

لغتي لا تعبِّرُ عن أيِّ شيءٍ

ولا تتناسبُ مع شكلِ حبٍّ حديثٍ

وينقصها كي تلائمَ تسريحةَ امرأةٍ

وتصاميمَ قمصانها وفساتينها

سهرٌ عائليٌّ على السطحِ

أو غزلٌ جاهليُّ المديحِ

وينقصها كيْ تقولَ الذي لا يقالُ

خريفٌ سريعُ الزوالِ

غموضُ الأنوثةِ في الأربعينَ

الكثيرُ الكثيرُ من الماءِ والأقحوانِ

وخبطُ الفراشاتِ في أوَّلِ الصيفِ

أو رقصةُ اثنينِ في الظلِّ

طعمُ اشتباكِ الأصابعِ فوقَ السريرِ

بكاءُ الحريرِ على رغوةِ البحرِ

تنهيدةُ الأربيعنيِّ لامرأةٍ في القطارِ

حديقةُ قلبِ المتيَّمِ

تفَّاحةُ الليلِ

أو ملتقى جسدينِ يصبَّانِ في ساحلٍ ناحلٍ

واحتراقٌ بلا أيِّ نارٍ وأضغاثُ حلمٍ وريحٍ

وبيتٌ يقولُ: أُحبُّكِ أو لا أُحبُّكِ حبَّينِ

لكنني أتخفَّفُ من نزوتي إذ أحبُّكِ

أنتِ تفاصيلُ يومي الصغيرةُ

أنتِ تشرُّدُ روحي وأنتِ مصبُّ الجسدْ

*

(10)

في كلِّ عامٍ ينضجُ الصُبَّارُ في النسيانِ

أو تنحلُّ خاصرةٌ من الضوءِ الكثيفِ

ويقتفي جسدٌ شبيهٌ بالرخامِ عروقهُ في نبتةِ الكاذي

وفي معنىً يضيقُ عن الحديقةِ

واتِّساعِ اللفظِ في ليلِ التخاطبِ..

لي خريفُ النايِ

لي جيتارةٌ بحريَّةُ التكوينِ

لي في كلِّ أُغنيةٍ يدانِ تسرِّحانِ ضفيرةً

لا ريحَ تنهرها عن الجريانِ

أو لا شخصَ يبصرها

تؤلِّفُ بينَ سهلٍ سنابلٍ عطشى

وماءِ زنابقٍ حيرانْ

*

(11)

الشوقُ ملحُ حياتنا العسليُّ أو أثرُ البنفسجِ في الدماءِ

توهُّجُ الرغباتِ، أنصافُ المكائدِ في النساءِ

حبائلُ التُفَّاحِ، فوبيا الماءِ والتقبيلِ

رائحةُ الحُداءِ العذبِ

موجُ القمحِ، تمُّوزُ الشهيُّ

طفولةُ الشعريِّ في الأشياءِ

ذاكرةُ الندى

وغموضُ فعلِ الحُبِّ في يونيو

هروبُ مراهقاتِ الصيفِ للعُشَّاقِ

والنثريِّ للايقاعِ

والجيتارِ للأحلامِ

والأزهارِ للأحداقِ..

كيفَ عناقنا الأبديُّ يحطمنا كنملٍ حائرٍ فينا

وتجمعُ شملنا وتضيئنا الأشواقُ؟

*

(12)

الرحيقُ المقطَّرُ ريقُ امرأةْ

في الحديقةِ تقرأُ كونرادَ أو تتململُ من شدَّةِ القيظِ

تضحكُ حين أغازلها مازحاً:

من ندى الأقحوانِ رضابكِ يُلصقُ حدَّ اللفافةِ

تبغكِ عطرُ قرنفلةٍ تتعرَّى لتسبحَ

في ماءِ إحدى مراياكِ...

*

(13)

لا تورِّطني بما فيكَ من الليلكِ واللهيبِ

قالتْ.. وانحنتْ حديقةُ اللوزِ على ركبتها البيضاءِ

قلبي ضائعٌ ما بينَ وشمينِ ضروريَّينِ للأُنوثةِ العنقاءِ

من فراشةِ الصدرِ التي تحاولُ التحليقَ كالمعنى

إلى أفعى اشتهاءِ الخاصرةْ

لا تورِّطني بما فيكَ فإني حائرةْ

كالرماديِّ الذي في الحُبِّ..

أو شاعرةٌ لا تكتبُ الشِعرَ

لكيْ تشفى من التحديقِ في الرؤيا وتنسى أثرَ القبلةِ

أو تبكي بلا دمعٍ لتسريحَ..

فيما أنتَ لا تكتبُ فيَّ الشِعرَ

كيْ تنثرني في الريحِ أو تقتصَّ من عينيَّ.. أو تُدخلني في الظلِّ

بل لهدفٍ آخرَ في القصائدِ الزرقاءِ..

كم من وردةٍ ما بينَ ساقيَّ تناديني، وشمسٍ في ضبابِ الذاكرةْ

*

(14)

يظنُّ الجميعُ بأنَّ هنالكَ من يكتبُ الشِعرَ لي

لا لأني تلعثمتُ في أوَّلِ البيتِ

قلتُ: سياجٌ من الشوكِ حولَ استعاراتِ قلبي

وأعني عناقاً مع الظلِّ خلفَ القصيدةِ..

أو قلتُ لامرأةٍ في الطريقِ: استريحي من الحُبِّ

أو من جمالٍ يعذِّبُ صاحبهُ

مثلما يستريحُ الجنودُ من الحربِ

والناسُ من حزنهم، والمغنِّي من المفردةْ

وليسَ لأني خسرتُ الرهانَ مع الطائرِ المتصابي

تقمَّصتُ إحدى المرايا وأبحرتُ

ثمَّ منحتُ خطايَ لعاشقةٍ مقعدةْ

وليسَ لأني دللتُ الحيارى على وردةِ الريحِ

كنتُ الغناءَ المضيءَ

وكنتُ مصبَّ احتراقي الأخيرِ على الجسدِ / المائدةْ

*

(15)

ثمَّةَ عطرٌ يفوحُ

وبابٌ على قرمزيِّ الأُنوثةِ ينفتحُ

الماءُ قالَ قصيدتهُ

وانتظرتُ الجمالَ لكيْ يتنزَّلَ من قمرٍ للبنفسجِ

ثمَّةَ عطرٌ ينادي عليَّ

وثمَّةَ ريحٌ خريفيَّةٌ في دمي لا تجيبُ النداءْ

هل تموتُ النساءُ الجميلاتُ؟ لا

لا تموتُ النساءْ

*

(16)

كانتْ حقولُ السنابلِ صفراءَ كالذهبِ المتلألئِ في الشمسِ مدَّ البصيرةِ والقلبِ

لكنها لم تكنْ

للصغارِ الذينَ من الجوعِ كانوا يمدُّونَ مثلَ فراخِ الحمامِ مناقيرهم للسماءِ..

وكانَ الوطنْ

مثلَ شاةٍ حلوبٍ تُربَّى لطاغيةٍ واحدٍ.. والرعيَّةُ لا تجدُ الماءَ والخبزَ..

قلبي على الشامِ

قلبي على بردى وهو يبكي على أهلهِ الطيِّبينَ

وقلبي على الفقراءِ المضائينَ ليلاً.. نهاراً بأحزانهم كالشموعِ

وقلبي على امرأةٍ غمَّستْ خبزها بالدموعِ التي اختلطتْ بالترابِ.. الدموعِ التي اختلطتْ باللبنْ

تُقحمُ الكاميرا في القصيدةِ والحلمِ، في الحُبِّ.. لا في بياضِ الكفنْ

وتصرخُ في وجهِ ريحِ المذلَّةِ والظلمِ: لا..



(من وحي قصة روتها المناضلة السوريَّة مي سكاف في لقاء معها نُشر على موقع يوتيوب)

*

(17)

منذ طفولتي، وأنا أتجوَّلُ في موجةٍ تضجُّ بالأسماكِ الطائرةِ

والقناديلِ البحريَّةِ

أنامُ عندما أتعبُ كالبدو الرحَّلِ على قارعةِ الليلِ والمعلَّقاتِ

في قلبي جيتارٌ

وعلى أصابعي قبلةٌ حجريَّةٌ

التماثيلُ التي تشبهني

تغادرُ الحديقةَ في الظهيرةِ

كي تتزَّلجَ على زمنٍ متجمِّدٍ

أُراقبها كالسائحِ

ولا أُكملُ قصيدتي عن عبَّادِ الشمس

*

(18)

الشاعرُ متسوِّلٌ بقلبٍ معطوبٍ

يقايضُ قصائدهُ بتأفُّفِ السابلةِ

وهو يعرفُ أنهُ حصانُ رهانٍ خاسرٍ

يقولُ لامرأةٍ: أتذكرينَ عندما قطفتُ فمكِ الزنبقيَّ في حياتي السابقةْ؟

فتبهتُ ولا تقولُ شيئاً.. فهيَ تعرفهُ جيِّداً

وتعرفُ الجروحَ غير المرئيَّة التي سبَّبها لها

عندما كانَ حبيبها في حياتها السابقةْ

كانَ شعارُهُ (لا تجرح امرأةً) أشبهَ بشوكةٍ حريريَّةٍ في خاصرةِ اللغة

لم تعبر امرأةٌ في قصيدةٍ لهُ إلَّا مجروحةً

الشاعرُ متسوِّلٌ ودونجوانٌ ضلِّيلٌ...

*

(19)

القميصُ الذي ترتدينْ

غيمةٌ.. فاحتويني لأنساكِ أو أتذكَّرَ أني سجينُ صداكِ..

المرايا التي تجلسينَ قبالتها تحبسُ الماءَ عني

لأشربَ شجوَ القصيدةِ من عطشي

أو أنادي على شجرٍ هائمٍ في الفلاةِ على وجههِ

مثلما هامَ في القلبِ طيرُ الأنينْ

*

(20)

تركتُ المعنى المؤَّجلَ في عُهدةِ قوسِ قزحِ الليلِ

وعناقيدَ الأنوثةِ في عُهدةِ قطيعِ ثعالبَ حزينةٍ

ماذا أفعلُ يا دونكيشوت بسيفي الخشبيِّ؟

فهو لا يقوى على مقاومةِ الندى

وكيفَ أردُّ عني ابتساماتِ طواحينِ الهواء التي توجعني؟

وبأيِّ العباراتِ أُخفي يأسَ سانشو من الظهيرة؟

*









(21)

قولي كلاماً ضبابيَّاً لعلَّ فمي

يؤثِّثُ الأرضَ باللبلابِ

يرسمُ أسرابَ الحمامِ على الأطلالِ

يجعلُ من علاقةٍ بينَ زهرِ اللوزِ والحجَرِ

طريقهُ.. كيفَ أحمي فيكِ أسئلتي

من الفراغِ ومن طينِ الهشاشةِ؟

من يدلُّ قلبي على عينيكِ؟

بي قمرٌ

يمشي على الماءِ...

كي أرثيكِ تنقصني

غزالةٌ وسحابٌ في يديَّ

وعصفورٌ من الورقِ الورديِّ والمطرِ

*

(22)

قصيدتي إن قلبي صارَ يوجعني

لأنَّ مزولةً مالتْ على جسدي

لأنَّ ناياً فقيراً ماتَ

أو عثرتْ

مجرَّةٌ بخطابِ النهرِ أو بيدي

لا شيءَ في نشرةِ الأخبارِ.. لا امرأةٌ

في الأرضِ تصرخُ: ردُّوني إلى العنبِ

لا شاعرٌ يتهاوى في مفاتنها:

قصيدتي إنَّ قلبي صارَ يوجعني

لأنَّ ما فيكِ من كيدٍ يُغرِّرُ بي

*

(23)

سكنتُ في دمعةِ المعنى، تركتُ صدى

ضوءِ الخريفِ على بلَّورِ نافذتي

فكيفَ أُوقدُ تحتَ الصدقِ؟ أخيلتي

تفرُّ من برزخي الفضيِّ..

بي شغفُ الأعمى إلى الشمسِ

أو خبطُ الفراشةِ في قلبِ الغريبةِ

طولَ الليلِ للأرقِ

مُرِّي ولو شبحاً يمشي / يطيرُ على

وجهِ البحيرةِ وانحلِّي أو احترقي

*

(24)

لا تكتبْ اسمكَ في خانةِ البحثِ

لا ترسمْ اسمكَ ظلَّا على الصخرِ والماءِ.. أو

حصاناً يجرُّ القصيدةَ في لوحةٍ

إنَّ رؤياكَ أوسعُ من حُلُمٍ

والعبارةَ أضيقُ من قُبلةٍ تتسكَّعُ في ليلِ معناكَ

تشعلها امرأتانِ ويطفئها الذئبُ..

لا تكتبْ اسمكَ وانقشْ زفيركَ في خصرِ هذي القصيدةِ

من سمكٍ يتوهَّجُ في بحرِ عينيكَ صيفاً

إلى حبقٍ لنساءٍ تعافينَ من وجعِ الطمثِ

لا تكتبْ اسمكَ.. لا.. لن تعيشَ القصيدةُ خارجَ جسمكَ

لن تقتفي أثرَ النايِ من دونِ أن تتهجَّى

أصابعَ احدى حفيداتِ فينوسَ..

لن تتوزَّعَ بينَ الضفائرِ والشمسِ

بينَ البحيرةِ والغابِ.. بينَ الصدى والسرابِ.. ولن

تعيشَ كأرملةٍ وحدها

*

(25)

هنالكَ قلبانِ لا يتعبانِ لكلِّ امرأةْ

يشمَّانِ رائحةَ الزنجبيلِ

على بُعدِ ميلٍ

ولا يمشيانِ على ساحلِ اليأسِ

لا يسهرانِ على نجمةٍ مُطفأةْ

هنالكَ قلبانِ لا يتعبانِ لكلِّ امرأةْ

*

===============================
سيرةٌ شعريَّة
=================

نمر أحمد سعدي من بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا في جليل فلسطين، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها، ومناظرها الطبيعية الخلابة.

بدأ بنشر بواكير أشعاره، بعد اختمار التجربة ونضوجها، جنبًا إلى جنب الموهبة والثقافة، في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وكذلك في صحيفتي "كل العرب" و"الأخبار" الناصريتين منذ عام 1999. يتميَّز شعر نمر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة. يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة: موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة: عربية وشرقية، ومنها العامة: أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي. ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره: فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا. تنصتُ أشعارُهُ لهموم التجربة الحياتية وتزخمُ بالموسيقى الهادئة.

يُعدُّ الشاعر نمر سعدي واحداً من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية الفلسطينية، لما يمتاز شعره به من: طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة. وهو يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية. وقصيدةَ النثر. كما أنه ناشط في الحراك الأدبي، ومتابع لنشاطات الحركة الأدبية المحلية. كرَّمته مؤسَّسة الأسوار في عكا عام 2007.

صدرَت له الدواوين الشعرية التالية:

عذابات وضَّاح آخر 2005 مطبعة فينوس/ الناصرة

موسيقى مرئية 2008 منشورات مجلة مواقف/ الناصرة

كأني سواي 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا

يوتوبيا أنثى 2010 منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله

ماء معذَّب 2011 منشورات مجلة مواقف / الناصرة

وقتٌ لأنسنةِ الذئب 2014 دار النسيم للنشر والتوزيع/ القاهرة

تشبكُ شَعرها بيمامةٍ عطشى 2014 دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة

وصايا العاشق 2014 دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة

موسيقى مرئيَّة 2015 (طبعة ثانية) دار سؤال للنشر / بيروت

لن أُعوِّلَ بعدَكِ إلا على جسَدِ الرائحة / مختارات شعرية الكترونية / دار أدب فن / هولندا

رمادُ الغواية 2017 نادي الباحة الأدبي ومؤسَّسة الانتشار العربي / السعودية / لبنان

استعارات جسديَّة / 2018 / دار العماد للنشر والتوزيع ومركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية / مصر

تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية، ونشر قصائده ومقالاته في الكثير من المواقع الأدبية والثقافية على الشبكة العنكبوتية مثل كيكا والندوة العربيَّة والحوار المتمدِّن والمثقَّف وديوان العرب وجماليا ومركز النور، وفي المجلات والصحف المحلية مثل الشرق ومواقف والإتحاد وكل العرب والأخبار وفصل المقال والحياة الجديدة بالإضافة إلى نشرهِ في مجلات وصحف العالم العربي المرموقة مثل الدوحة القطرية والنهضة السورية والأهرام المصرية والقدس العربي وعكاظ السعودية والخليج الاماراتية والعرب اللندنية والعربي الجديد والنهار اللبنانية وغيرها.

كما أنَّ لمجلة الكلمة الالكترونية التي تصدر في لندن ويحرِّرها الناقد المصري الكبير الدكتور صبري حافظ دوراً هاماً في التعريف بتجربة نمر سعدي الشعريَّة من خلال نشرها لقصائدهِ ونصوصه النثرية ودواوينه.

بريد الشاعر الالكتروني

[email protected]

صفحة الشاعر على الفيسبوك

www.facebook.com/nemer.saady



file:///C:/Users/SPIA/AppData/Local/Temp/%D8%AF%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%AA%D9%85%D9%88%D8%B2-2-1.pdf

لقراءة الديوان انقل الرابط

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى