بوراوي عجينة - دم القنفذ

أرادت أن تبدّل لون بشرتها.

أمنيتها في الحياة أن تتحوّل سمرتها إلى بياض.

تقف صباح كلّ يوم أمام المرآة وتقلّب وجهها وتلعن حظّها متسائلة:

لماذا منح القدر والدتها وبعض إخوتها ذاك اللّون النّاصع وحرمها منه؟

لقد قاربت الثّلاثين وما زال هذا اللّون العنيد يرافقها ملتصقا بها ويكدّر عيشها.

تزوّجت أغلب بنات الحي لنصاعة في وجوههنّ وظلّت هي عانسا.

هي تكره السّائحات ذوات البشرة الورديّة وصورهنّ في المجلاّت، والممثّلات اللاّتي تراهنّ كل مساء في المسلسلات التّلفزيّة وتمقت ألوانهنّ النّاصعة.

وتنفر من كلّ الفتيات البيضاوات اللاّتي يعملن معها في المصنع وتعاديهنّ.

جرّبت عدّة وصفات حدّثوها عنها وظلّت تنتظر:




لطّخت وجهها بمساحيق ملوّنة. وضعت عليه أقنعة من الباروق والمسحوق الورديّ وبعض أحمر الشّفاه. لكنّها حين تنهض صباحا استعدادا للعمل تصفعها المرآة بصورتها القبيحة ووجهها الدميم وألوانه الدّاكنة.

قالوا لها جرّبي اللّبن والزّبدة فطلت بهما وجهها وانتظرت الفرج دون جدوى

نصحوها بمياه الزّعتر والزّهر والعطرشاء والورد فضمّخت بها بشرتها وأطالت مسحها دون طائل.

اشترت علبة مرهم مليّن مشهور ومرّرت ما فيه على خدّيها وجبينها وذقنها ومضت الأيّام لكنّ لونها ظلّ على حاله.

قصّت الخيار أقراصا صغيرة ورصّفتها على وجهها وعنقها وعينيها وظلّت قابعة في الظّلام تنظر إلى السّقف ساعات وساعات وهي تنتظر.

أعلمتها حلاّقة الحيّ أنّ صنفا جديدا مستوردا من مرهم البشرة قد غزا الأسواق وحقّق نجاحا في البلاد وأنحاء العالم وأنّ مطربا أمريكيّا زنجيّا تحوّل إلى رجل وسيم أبيض البشرة، فصدّقتها وطافت الدّكاكين وقلّبت بضائع العربات المتنقّلة وتاهت في أجنحة المغازات وزارت الأسواق الأسبوعيّة إلى أن عثرت على ضالّتها في شكل علبة معجون أسنان صغيرة، فاقتنتها بثمن باهظ. وأدمنت على طلاء وجهها كلّ يوم حتّى انطفأت حدّة سمرتها قليلا ولانت بشرتها فابتهجت أوّل الأمر واعتقدت أنّ الحظّ قد ابتسم لها.

حدّثتها المرآة أنّ حياة سعيدة تلوح لها في الأفق. وأنّ زوجا غنيّا في انتظارها. فزادت من مقادير المعجون متعجّلة تحقّق البشائر. وتوقّفت عن استعمال المرهم مدّة، لكن لاح لها ذات صباح وجهها أسمر كسابق عهدها به بل محتقنا يميل إلى حمرة فاقعة تلطّخه بقع سوداء وبثور صغيرة. فأسرعت إلى ماء الورد تنظّف به بشرتها فلم يفلح في نزع البقع والبثور التي تورّمت وازداد عددها ونمت نموّا متزايدا سريعا.

رمت جميع المراهم والدّهون وقبعت في البيت مغتاظة.

قالت لها امرأة عجوز: لماذا لا تجرّبي دم القنفد. اسألي مجرّبا ولا تسألي طبيبا. فأسرعت إلى أحد أبناء الحيّ ونفحته ورقة ماليّة وأسرّت له بطلبها فجلب لها من السّوق الأسبوعيّة قنفذا كبيرا ذبحه أمام نظرات أهل الحيّ وكشط جلده الذي غزته الأشواك واحتفظ بلحمه وقدّم لها إناء فيه دماء حارّة فتسلّمته وهي متوتّرة تسبّ المازحين وتلعن الشّامتين. ودلفت إلى بيتها وقفلت بابه المائل وغمست يدها في السّائل الأرجوانيّ ولطّخت به وجهها ومرّرت أصابعها بقوّة حتّى تنفذ الدّماء إلى الأعماق. وهي تسبّ الحظّ والأقدار ووالدتها.

وقبعت في البيت تنتظر الخلاص لكنّها لاحظت أنّ بشرة وجهها والبثور ازدادت حجما وأنّ القيح بدأ يظهر بداخلها.

ثمّ زارتها إحدى رفيقاتها وأسرّت أنّ المنيّ يزيل بثور الشّباب فلماذا لا تجرّبه؟ تردّدت طويلا ثمّ أقرّت العزم على مواصلة المسار إلى النّهاية. ونفحت ابن الحي نفسه ورقة ماليّة أخرى فجلب لها سائلا متخثّرا لم يخبرها بمصدره. وطلت به وجهها ممتعظة، ولم يُجد ذلك نفعا.

جرّبت مراهم أخرى وأخلاطا من الحشائش وأنواعا من العقاقير والطّلاء المحلّي والمستورد وأشياء أخرى وضعتها على وجهها، وفرّطت في قطع من جهازها، لكنّ بشرتها السّمراء ما فتئت تحتقن وتتعفّن وتزداد قتامة.

لم تيأس. وعادت إلى ماء الورد الذي خفّف بعض حرائق وجهها.

وقفت أمام المرآة وأخبرتها أنّها ستزور عرّافا فلعلّ التّابعة تلبّست بها أو طبيبا لعلّه يبدل لها بشرتها أو تهرب مع أوّل رجل يعترضها...



* المنستير في 8 جويلية 2005
- من مجموعة قصص بوراوي عجينة "لمسات متوحّشة". منشورات سعيدان سوسة- تونس 2007. الصّفحات 13 و14 و15

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى