ميسلون هادي - يدان.. قصة قصيرة

كل يوم يحير بهما … لا يعرف أين يضعهما وهو ينام .. أيشبكهما على بطنه كمن يصلي، أم يضعهما تحت رأسه، من الخلف، أم يعقدهما على جبهته ………. أتحت اللحاف أم فوقه .. أيسبلهما على جنبيه ؟ أيكتفهما فوق صدره ؟ يضايقه هذان الوجودان الأفعوانيان اللذان يلتفان عليه في الليل، ولا يعرف أين أو كيف يتخلص منهما ……… ويظل هكذا حتى ينام .
قال لنفسه:
– سأشلعهما وأنام . وفي الصباح أرتديهما ثانية .
وراقت له الفكرة كثيراً .. وبدت له أيدٍ مثل أيدي الدمى، تُخلع وتُلبس متى شاء الإنسان ، فكرة عملية جداً واقتصادية أكثر في صناعة أسرّة وملابس النوم وربما علمية وعبقرية لتنظيم النسل في المستقبل والحد من الانفجار السكاني الذي يتهدد العالم، فهاتان اليدان تنموان في الليل وتتحركان وتشاكسان الأماكن الخفية، وتتحولان إلى أغرب المخلوقات وأكثرها إزعاجاً .. ولو لم يكن الأمر كذلك لما قضى ليلته مؤرقاً يفكر بأن كل أيدي الكائنات الأخرى هي أطراف للمشي أو الجري أو التقاط الثمار أو اقتناص الفرائس إلا أيدي الإنسان فهي : تصافح وتلوح وتكتب وتأكل وتغسل وترسم وتنحت وتزرع وتصبغ وتكوي وترمي وتكنس وتمسح وتطبخ وتدفع وتسحب وتسرق وتضرب وتلكم وتربّت وتلعب وتحمل وتبني وتهدم وتصفق وتعد النقود، وليس أقل من ألف عمل يمكن لليدين البشريتين أن تقوما به فهل هناك أكثر حاجة منهما إلى فترة راحة تكفان فيها عن العمل ؟
أنقلب الرجل مرة أخرى، ووضع يده تحت رأسه من الخلف، وقال لنفسه :
– نعم تحتاج.
ثم تخيّل مشجباً مديداً للأيدي في ثكنة ينام فيها الرجال بالعشرات .. هنا يستوجب الأمر ، فكر الرجل الذي جافاه النوم ، أن توضع الأيدي تحت أسماء أصحابها لئلا ينهض أحدهم في الصباح فيرتدي يدين غير يديه .. فيأخذ الرّسام مثلاً يد الصباغ …والجرّاح يد القصّاب .. والنحات يد النجار .. والتاجر يد الحرامي .. والشاعر يد العرضحالجي .. والعازف يد الحداد .. والقاضي يد القاتل ..والخزاّف يد الخياط .. وطبيب الأسنان يد الحلاق .. والمعلم يد الشرطي … أو ، ربما ، تعلّم كل واحده منها بوشم خاص يصعب تزويره لكي لا تتخابط الأيدي فيختلط الحابل بالنابل.
– إذن نخلعها وننام.
قال الرجل لنفسه ثم مد يديه إلى أمام وخلع اليسرى باليمنى .. أيقظ زوجته وطلب منها أن تخلع له اليد الأخرى بعد أن لم يعد بمقدوره أن يفعل ذلك .. نهضت زوجته من النومن فوجدته بيد واحدة ولم تبد استغرابها أو خوفها من الأمر بل ظنت أن ذلك عمل من أعمال الماكيير باعتبار أن زوجها يعمل في فرقة مسرحية ولا يعود إلى البيت كل يوم إلا وهو في مثل هذه الحالة الغريبة ، أو في حالة أمر منها وأشد غرابة. عادت إلى النوم وهي تقول:
– كم الساعة الآن؟
ثم غطت في النوم قبل أن تسمع الجواب .. حاول أن يخلع يده الثانية بقدميه غير أنه لم يفلح .. وضع يده اليسرى جانباً ونام .. وأثناء نومه حلم مرة أخرى بأن مدير الفرقة التي يعمل فيها قد جاء في الليل وسرق يده اليسرى .. ثم أخذها إلى غرفة أمين الصندوق وفتح بها الخزنة وسرق ما فيها من أموال تاركاً بصمات تلك اليد على الخزنة.
نظر له القاضي يوجه شائخ ومتورد يشبه وجوه القضاة المسنين في المسلسلات الإنجليزية.. قال له :
– ماذا تقول ؟
قال الرجل :
– كنت نائماً عندما سُرقت يدي.
جوبه بقهقهات عالية من أفواه الجالسين في قاعة المحكمة، بينما وجه المدعي العام كان يبتعد ويقترب منه أثناء الضحك، فيبدو وكأنه يفعل ذلك من خلال حركة زوووووووم تصويرية تشفط الوجه ثم ترميه بشكل خاطف ومتناوب، ولكي يهرب من ذلك الوجه المتقدم والمتقهقر، فقد أصبح يدور مذعوراً بين زوايا قفص الاتهام دون أن يتمكن من الانزواء إلى ركن آمن في مكان أصبحت قضبانه تتعوج أو تتفوه أو تتجوف أو تتجعد أو تتموج أو تتحول فجأة إلى قفص معلق في فضاء موحش ورهيب .
قال القاضي بتهكم :
– هه.. سرقوا يده عندما كان نائماً.
فقال له المدعي العام، وفمه لا زال يبتعد ويقترب :
– لا تخلعها بعد اليوم. أسمعت ياطايح الحظ؟
أنقلب إلى زوجته وأيقظها وطالبها أن تساعده بالبحث عن يده اليسرى التي خلعها قبل قليل . أطلقت الزوجة آهة كل يوم ثم زمجرت بصوت مكتوم، فصاح بها بعصبية :
– قومي .. ابحثي عن يدي .. لقد قلت للقاضي بأني لن أخلعها بعد اليوم.
تمتمت الزوجة وهي تنقلب إلى الاتجاه الأخر وتواجهه بظهرها :
– العرق بلاش…………………… عقلك هم بلاش؟

من مجموعة لا تنظر الى الساعة 1999



  • Like
التفاعلات: عبد الرحيم سليلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى