عبدالرحمن بسيسو - فَيَا أَنْتِ يَا الْوَاعِدَةْ!..

فَيَا أَنْتِ، يَا أنْتِ؛ يَا أَنتِ؛
يَا أَنْتِ يَا الْوَاعِدِةْ!
يَا أَنتِ يَا الرَّائِيَةُ، بِصَفَاءِ إِبْصَارٍ وَثَرَاءِ تَأَملٍ، مَا لَمْ يُبْصَرْ أَوْ يُتَأَمَّلْ، فَيُرَى!
يَا أَنتِ يَا الْمُدْرِكَةُ، بِسَنَاءِ رَوِيَّةٍ، ونَقَاءِ تَبَصُّرٍ، نَوَامِيْسَ مَا قَدْ يَبْدُوَ، لِغَيْركِ، غَيْرَ مُهِمٍّ، أَو لَا يُفْهَمُ، فَلا يُسْتَوْعَبُ، وَلَا يُدْرَكْ!
ويَا أَنتِ، يَا أنْتِ يَا الْمُعَبِّرَةُ، بِلَا أَدْنَى مُوَارَبَةٍ أَوْ لُبْسٍ، عَمَّا ظَلَّ مُحْتَجَزاً، أَوْ مَسْتُوراً، أَوْ عَصِيَّاً عَلَى التَّعْبِيرِ، فَلَمْ يُعَبَّرْ، بِصَرِيحِ أَفْعَالٍ وسُفُورِ عِبَاراتٍ، أَبَدَاً، عَنَّهُ!
***
يَا أَنْتِ يَا الْهَادِفَةُ إلى جَعْلِ دَيَامِيْسِ الْكَونِ الْكَهْفِيِّ الْكِلْسِيِّ الْعَتِم رِحَابَ حَيَاةٍ عَارِمَةٍ، وَقِبَابَ حَضَارَاتٍ نَيِّرَةٍ، وَمَنَارَاتِ شُهُودٍ حَيَويٍّ، وَفَضَاءَاتِ وُجُودٍ حُرٍّ وَضَّاءْ!
يَا أَنْتِ يَا الْكَابِحَةُ أَعِنَّةَ دَوَرَانِ الْعُنْفِ الْبَشَىرِيِّ الْوَحْشيِّ المُنْفَلِتِ عَلَى مِحْوَرِ وَتَرٍ عَدَمِيٍّ مَشْدُودٍ بَينَ هَلَاكَينْ: جَشَعٌ مُسْتَعِرٌ وَاسْتِعْمَارٌ شَرِسٌ؛ وَاسْتِبْدَادٌ فَتَّاكٌ، ونُزُوعٌ عِرْقيٌّ يُغْلِقُ أَفْوَاهَ النَّاسِ بِسَطْوةِ عُنْفٍ بَشَريٍّ مُنْفَلِتٍ ذِي فَكَّينْ!
يَا أَنْتِ يَا الْمُمْسِكَةُ زِمَامَ أُمورِ الْأَزْمِنَةِ الْآتِيَةِ، وَأنْوَاطَ الْمَعْرِفَةِ الْبَانِيَةِ، وَيَا الْعَاقِدةُ الْعَزْمِ عَلَى تَعْزِيزِ وُجُودِكِ ذَاتَاً جَامِعَةً فَاعِلَةً يُوْقِدُ شُعْلَتَها عَقْلٌ جَمْعيٌّ يَصْهَرُ، فِي بُوْتَقَةِ لَهِيبِ الْحُرِّيَّة، وَمَنَاراتِ صَفَاءِ الرُّؤْيَةِ، وَدُروبِ الْفِعْلِ الثَّوريِّ الْمُبْدِعِ، أَفْئِدةَ عُقُولِ ذَوَاتِ جَمِيْعِ الأَفْرادِ الْهَدَّامِينَ الْبَنَّائِينَ الْأحْرَارْ!
وَيَا أَنْتِ، يَا أنْتِ يَا الرَّافِعَةُ الرَّايَاتِ عَلَى ذُرْوَاتِ سَوَامِقَ أَعْلَى الأَنْجُمِ وَالْهَامَاتِ؛ وَيَا الْحَافِظَةُ حُقُوقَ الْعَلَمِ الشَّاخِصِ شَمْسَاً تَسْطَعُ بَينَ شُمُوسٍ مِنْ رَايَاتٍ تَنْظُمُهَا، فِي شَمْسَةِ عِقْدٍ كَوْنيٍّ، قِيَمُ الْإِنْسَانِ الْإِنْسَانْ؛ تِلْكَ الْمَكْفُولَةُ، بِتَسَاوٍّ مَكْفُولٍ، لِجَمِيْعِ الْإنْسَانِيينَ مِنَ النَّاسِ، وَكُلِّ الأَوْطَانِ الْأَوْطَانِ، وَشَتَّى أَحْيَازِ الأَرْضِ، وَأَرْجَاءِ الْبِيْئَاتِ، وأَنْحَاءِ سَمَاواتِ الْأجْرَامِ، وهَالاتِ الأقْمَارِ، وعَنَاقِيدِ الأَنْجُمِ، والسُّدُمِ، وَالْمَجَرَّاتِ، والْكَواكبِ، وَالْأَكْوانْ!
***
وَيَا أَنْتِ؛ يَا أنْتِ؛ يَا أَنتِ؛
يَا أَنْتِ يَا الْمُسْتَخْرِجَةُ مِنَ السُّمِّ التِّرْيَاقَ، ويَا المًسُتَأْصِلَةُ زُعُافَ السُّمِّ، وَعُقْرَ الْعُقْمِ، وَجَذْرَ السُّقْمِ، بِجَسَارةِ إِقْدَامِكِ، وَبِبَلْسَمِ رُؤيَتِكِ الثَّاقِبَةِ الْفَعَّالِ الشَّافِي؛
يَا أَنْتِ يَا النَّازِعَةُ عَنْ رِحَابِ أَرْضِكْ، وَعَنْ رُبُوعِ وطَنِكْ، وَعنْ شَعْبِكِ وأهْلِكْ، وعَنِ الإنْسَانِيينَ مِنَ النَّاسِ، وعَنْكِ، بِصَهَدِ بَسَالَةِ عَزْمِكِ الْجَسُور، وَلَهِيبِ هُوِيَّتِكِ السَّائِرَةِ الصَّائِرةِ كَمَا الشَّمْسِ الدَّوَارةْ بِيْنَ شُرُوقَينِ، فُكُوكَ الْوَحْشِ الْبَشَريِّ الاسْتِعْمَاريِّ الاسْتِغْلَاليِّ الاسْتِبْدَاديِّ الضَّاريْ، وَضُرُوسَ صَنَائِعِهِ مِنْ صُنَّاعِ الْمَوتِ، وَحُرَّاسِ الْحُلْكَةِ، ودُعَاةِ الْعَتَمِ، وَحُمَاةِ خَيَاشِيْمِ الْجَشَعِ الذِّئبيِّ، وذُؤبَانِ الأَرضِ مِنَ الْحُكَّامِ الْمأْجُورينَ الْفَسَدةِ، والسَّاسَةِ، ورُعَاةِ بُنُوكِ الاسْتِثَمَارِ الشَّرِهِ الشَّرِّيْرِ مُزْهِقِي الأَرْواحِ المُتَلَهِّفَة إلى الْخَيْرِ، وجَامِعِي جُثَثِ الْكائنَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الْمُسْغَبَةِ، ومُكَدِّسِي رُؤُوسَ الأَمْوالِ، وشَارِبيْ دِمَاءَ النَّاسْ!
يَا أَنْتِ يَا الْبَانِيَةُ بُيُوتَ حَيَاةٍ تَزْخَرُ بِوُجودٍ خَلَّاقٍ يَنْفِي وُجُودَ الْعَدَمِ وغِيَابَ الوُجُودِ ؛ وَيَا أَنْتِ يَا المُفْعِمَةُ الْوُجُودَ بِثَراءِ حَيَاةٍ يُبْدِعُهَا إنْسَانٌ بَنَّاءٌ يُعْلِيَ مِنْ شَأْنِ وُجُودِ الْإِنْسَانِ الإنْسَانِ، ويَعْلُوَ بِمبادئِهِ الْعَاليَة، وَيَسْمُو بِبَسَالَةِ وِقْفَتِهِ الْمُتَمَرِّدةِ عَلَى الشَّرِّ الْبَشَريِّ، وَيَصْدَحُ بِحَقِيقَتهِ الْحقَّةِ، وَنَبَاَلةِ غَايَاتهْ؛
ويَا أَنتِ، يَا أنْتِ يَا الْحَائِزَةُ بَرَاءةَ إِحْيَاءِ الْأَرْوَاحِ الْحَائِرَةِ، الْفَاحِمَةِ، الْمُتَلَبِّدَةِ عَذّابَاً وَسَوَادَ وُجُودٍ، وَيَا الْمَانِحَةُ لِمنْ شَاءَ مِنَ النَّاسِ الْأَحْرَارِ سَنَاءَ الْحَقِّ وَإِعْمَالَ الْعَقْلِ، شَهَادَةَ بَعْثِ الْمَخْدُوعِينَ مِنَ الْأَحْيَاءِ الْمَوَتِي.
***
يَا أَنْتِ يَا الْمَائِجَةُ بَجَمْرِ الْوَعيِّ الإِنْسَانِيِّ الْحَقِّ، ويَا الْمُسْتَأْثِرَةُ بِإلهَابِ وَقِيْدِ رُؤَاهُ المُتَوَهَّجَةِ، وَإثْرَاءِ خُلَاصَاتِ خُلَاصَاتِهْ؛
يَا أَنْتِ يَا الدَّافِعَةُ الْخَطْوَ الْجَمعِيَّ الْوَاثِقَ صَوبَ بُلُوغِ نِهَايَاتِ الْغَايَاتِ الْوَامِضَةِ بِبَدْءِ بِدَايَاتٍ وَاعِدَةٍ لَا تَنْعَدِمُ، فَلَا تَنْفَدُ، أَوْ تَتَقَلَّصُ، أَوْ تَنْكَمِشُ، فَتَتَنَاهَى، أَوْ تُخْمَدُ، أَو تَتَلَاشَى.
***
فَيَا أَنْتِ، يَا أَنْتِ؛ يَا أَنْتِ؛
يَا أَنْتِ يَا الْوَاعِدَةْ؛
يَا أَنْتِ يَا الرَّافِعَةُ عِمَادَ وُجُودٍ حَيَوِيٍّ مَوَّارَ فِي قَلْبِ وُجُودٍ حَيَوِيٍّ مَوَّارٍ؛
وَيَا أَنْتِ يَا الْبَانِيَةَ بُيُوتَ حَيَاةٍ فِي قَلْبِ بُيُوتِ حَيَاةْ:
لَا تَقْسِي، أَوْ تَتَوَاني، أَوْ تَتَخَلِّي، أَوْ تَنْحَرِفي؛
لَا تِتَوَارِي خَلْفَ دُخَانِ الْعُنْفِ الْمُنْفَلِتِ، الْفَاتِكْ؛
لَا تَبْتَعِدِي عَنْكِ؛
ومِنْ بينِ أَصَابعِ كَفِّيْكِ الضَّافِرتَينِ لَا تُفْلِتي ضَفَائِرَ مُعْتَنِقيكِ؛
وَعُشَّاقِكِ؛
وَأَصَابِعَ صُنَّاعِكِ؛
وَسَوَاعدَ كُلِّ الْمُتَمَاهِينَ بِذَاتِك؛
وَالْمُنْهَمِكِينَ بِغَزْلِ خُيُوطٍ عَبَاءَتِكِ الشَّاسِعَةِ،
وَنَسْجِ لِوَائِكِ؛
حَتَّى تَحْرِقَ أَطْرافُ أَصَابِعَكِ "كَتَابَ الْجَهْلِ"،
وَتَسْتَأْصِلَ آخِرَ دُجْنَاتِ الْوَعْيِّ الْكِلْسِيِّ الزَّائِفِ، وضُرُوبِ الْعَجْزْ!
لَا تَبْتَعِدِي عَنْكِ؛
وَلَا تَرْكِنُ عَيْنَاكِ لِبُرْهَةِ إِغْفَالٍ، أَوْ غَفْوٍّ، أَوْ نِسيَانَ؛
ولَا يَأَخُذُكِ تَقَاعُسُ عَنْ غَايَاتِكِ؛
أَوْ يُبْعِدْكِ رُكُونٌ عَنْ جَوْهَرِ مَاهِيَّتكِ؛
وَلُبِّ هُوِيَّتكِ؛
وَكَيْنُونَةِ ذَاتِكِ؛
حَتَّى تَجْتَثِّي مِنْ جَسَدِ الْكَونِ البَشَريِّ الجَشَعَِ الْمَأْفُونَ خَبِيثَ الْجَمَرَاتِ، وَأَدْرَانَ الأرْوَاحِ الدَّامِسَةِ الدَّجْنَاءِ؛ وَحَتَّى تُلْهِبَ نَارُ حُضُورُكِ سَعْيَ الْبَشَرِ التَّوَّاقِينَ إِلَى بِدْءِ السَّعْيِ لإدْراكِ لُبَابِ الذَّاتِ الإنْسَانِ؛ وَإِعْتَاقِ الإنْسَانِ الذَّاتِ الْوَطنِ الْمَسْكُونِ بِوَطنٍ ذَاتٍ إِنْسَانٍ يُلُهِبُهُ الشَّوْقُ لِسُكْنَاهُ، وَإشْعَالِ مَنَاراتِ تَحَرُّرِهِ وسَعَادَةِ نَاسِهْ!

عبد الرَّحمن بسيسو
براتسلافا، 17 كانون الأوَّل (ديسمبر) 2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى