أبو بكر العيادي - أحلام الغواني

مشاهدة المرفق 968
1 - حلم على الرصيف
على رصيف مقهى دوفيل بشارع الشنزيليزي والوقت صيف، والشمس حامية، والظلال متخفية، والناس زحام لا يعرف الفتور، جلس يسترخي في ظل شمسية يرشف كأسا من عصير مثلّج.
راوده حلم وهو يرى الحسان حاسرات الصدور عاريات الأفخاذ يخطرن على الرصيف الواسع جيئة وذهابا، ما بين قوس النصر وساحة الكنكورد. حلم من أحلام اليقظة، أن ينعم في تلك اللحظة بصحبة امرأة تبادله حتى نظرة، وإذا نسوة شابات في هيئة توقد في النفس ما خبا من رغائب يجلسن قريبا منه، حتى ليكدن يلامسنه.

2 - حلم أول
قالت الأولى، هيفاء دعجاء ذات شعر أسود كث متين ينحدر على كتفيها العاريتين، وفخذين ممتلئين يلمع فيهما زغب مذهّب يفيضان على تنورة الكتّان القصيرة :
- أحلم برجل وسيم قويّ شابّ لا يتجاوز عمره الأربعين، لا أعرفه ولا يعرفني، يأخذني إلى شاطئ خالٍ مقفر، ويضاجعني بلا هوادة، ويزرع في رحمي بذرته ويمضي، ليهبني ولدا بهيّ الطلعة، يكون لي وحدي.

3 - حلم ثانٍ
قالت الثانية، ربعة ممتلئة متينة الأساس زيتية البشرة، تصرّ جسدها الرشيق في فستان صيفي خفيف يكاد لا يستر أيّ شيء، وعلى وجهها المسفوع تنحدر خصل في شكل غدائر بلون الحناء، وتبض عيناها الصغيرتان السوداوان ببريق لا يهدأ :
- أنا أحلم برجل لا يهمني سنّه ولا شكله ولا جنسه، يجري عليّ الرزق كما أهوى، يلبّي لي كل رغبة نزقة، ويأخذني إلى حيث أريد، وليفعل بجسدي بعد ذلك ما يشاء.

4 - حلم ثالث
ردّت الثالثة في زمّة من فمها الواسع ذي الشفاه الغليظة، ونترة من يدها ذات الأظفار الطويلة المصبوغة :
- وماذا نفعل في عصرنا هذا بالرجال ؟
طويلة القامة، بيضاء البشرة، على وجهها المثلث وصدرها العاري حتّى مَنبتِ النهدين نَمَش كالرذاذ، تفرد رجليها الممشوقتين كالمغازل، وهي مسترخية لا يكاد ظهرها يلامس مسند المقعد، فينحسر ثوبها الأصفر القصير عن وركين صقيلين في وضع مُغرٍ.
- اليوم، أضافت، لا يمكن أن نحلم إلا بالوصول إلى سدّة الحكم. أنا لست بحاجة إلى الرجال. أستطيع، متى شئت، أن أنجب وحدي، وأن أربّي طفلي وحدي ، دون أن أحتاج إلى رجل، بل أستطيع حتى أن أمارس الجنس وحدي إذا أردت.
صدّقنني، سيجيء يوم ينقرض فيه الرجال، ولا بقاء حينئذ إلا للنساء.

5 - حلم رابع
قالت الرابعة، وهي تلهو بنظارتها الشمسية الداكنة، تعضّها بأسنان بيضٍ متناسقة :
- وهل تستطيعين أن تقبّلي نفسَك بنفسك ؟
اتسعت الدهشة في الأحداق وهن يتطلعن إلى صديقتهن ذات السمرة المطفأة والعينين الدعجاوين. في مثل سنّهن تقريبا، في مطلع العقد الرابع حسب تقديره، يشفّ قميصها الأبيض عن صدر رائق الفتنة وخصر ضامر يعتلي حوضا خصيبا يكاد يطفر.
- تستطيعين أن تفعلي كل شيء بمفردك، إلا التقبيل، قالت. ولكي تكون هناك قبلة، لا بدّ من رجل.
ثم تنهدت بعمق وأردفت :
- أنا أحلم برجل يمنحني قبلة لم أتذوقها حتى الآن. ولكي تكون قبلة كما أشتهي، لا بدّ أن أعثر على رجل يحبّني وأحبّه بجنون.
6 - حلم خائب
عندما انتهين من شرب كؤوسهن وانصرفن، ظل يتابعهن بنظرات نهمة يستطلع مؤخرات مقببة تهتزّ وتميل بشكل مثير، ثم أغمض عينيه يطاول حلما مستجدا لا يعرف كيف يمسك بطرَفه.
وغشيته غاشية من حمو دافق وهو يستعيد بتلذذ عجيب أقوالهن وأصواتهن ذات الجرس الجميل، ويرتاد أفقا خاصا به وحده، يختلي فيه بهنّ جميعا.
ثم فتح عينيه على صوت تحريك كرسيّ جنبه، فإذا رجل أمرد أملط مورّد الخدين يصوّب نحوه نظرات ذات مغزى، ويهز رأسه بنَتر شعره كما تفعل النساء حين يدفعن قُصّة متمردة، والبسمة العريضة لا تفارق فمه ذا الشفاه القرمزية الندية.
وضع على النضد بضعة فرنكات، ومضى دون التفات، وهو يلعن الحظ العاثر.


____________
(*) من مجموعة " حقائب الترحال" الصادرة هذه الأيام عن دار ورقة للنشر، تونس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى