أمل الكردفاني/ الصمت.. قصة قصيرة

وعبرنا .. كنا جمعا كثيرا وطويلا.. وراء بعضنا... طابور بطيء..
الجبل شاهق... جدا.. السحاب عبر من بين أقدامنا..
أيها الوحوش... صاح قائدنا.... الجبل تآكل من أسفله خلال رحلتنا التي امتدت ثلاثة عشر عاما.... نجونا... ولكن لا سبيل لنا إلى الهبوط مرة أخرى...
قالت امرأة: لقد تدمرت الأرض تماما..
وبكت..
السحاب لا زال يجري ويتلوى تحت أقدامنا...
جثا الآلاف على ركبهم...
(ارتموا .. مددوا أجسادكم بلا خجل.. سيبدأ تاريخ البشرية من عندنا هنا)...
قال القائد...
(صحيح كنت من خبراء تسلق الجبال لكنني لم أتخيل أن أبلغ هذا الارتفاع لولاكم... غدا صباحا سنبدأ في التخطيط لضبط عالمنا الجديد)...
نهض رجل ومشى مترنحا ثم فاجأ الجميع حينما سدد ضربة قوية بصخرة قاسية على رأس القائد...
صحت: كان عليك أن تنتظر قليلا...
نظر لي بسخط..
صحت...
(هل تعلمون.. قبل خمسمائة عام كان هناك شيء يسمى الدين... هل تعرفون... نحتاج للصلاة جميعنا)...
ظلوا صامتين..
(كان هناك إله قبل خمسمائة سنة فقط)...
لكنهم ظلوا صامتين....
كان البشر يتضرعون لآلهتهم... ألا تفهمون..حاولوا تخيل الأمر...
قال صبي نصف عار: هل نحتاج لفعل ما قلت؟
قلت: لا أعرف..لكن إذا كان تاريخ البشىرية سيبدأ من عندنا فليبدأ إذن كما بدأ في السابق....
قال عجوز:
هنا لا تمطر...فالسحاب أسفلنا...
قالت امرأة: هناك ينابيع بالتأكيد...
(ثلاثة عشر عاما ونحن نصعد لأعلى هاربين من أسفل)...
قال العجوز...
تقدمت بخطوات مرتعشة نحو حافة الجبل..ألقيت نظرة لأسفل...لم يكن سوى السحاب وتحته الظلام...
صرخت أم عندما رأت الدماء تنساب من أذني وعيني طفلها...
(الضغط عال جدا هنا...والأوكسجين قليل)..
قال كهل يبدو كما لو كان طبيبا في حياته السابقة...لكنه أضاف: كنت جنديا وأعرف...
ولم يسأله أحد عن علاقة معرفته بالجندية...
لا أحد يتحمل الجدل...
وكانت السماء بلا سحب...بلا طيور...
ستنمو أشجار هنا يوما ما...
قال مراهق برومانسية: وزهور وفراشات...
لم يكن من أحد متفائل بقدره...كانوا يائسين رغم النجاة...
هل هذه نجاة؟!!!...نعم إنها كذلك وإلا فلماذا لا تلقي بنفسك من الهاوية...إنها أفضل من الموت على أي حال...
(الآن..
اضربوا الصخور واشعلوا نارا)....
وما أن أطبق الظلام حتى كانت آلاف من مشاعل النار تضيء سفح الجبل....حملت شعلتي ومضيت نحو عمق السفح...حيث لا أحد...
لن تعيش حيوانات هنا...لا مفترسة ولا غير مفترسة...
لا شيء سوى الصمت والظلام...جثوت على الأرض...وأخذت أتذكر ما كنت اقرؤه في كتب التاريخ عما كانوا يسمونها آلهة...سأتضرع.. ولكن ماذا يعني هذا؟.. ماذا كانوا يفعلون؟.. بدا لي أنهم لم يكونوا يفعلون شيئا سوى الصمت...فشبكت أصابعي أمام وجهي كما رأيت في الرسومات الأثرية..وظلتت صامتا...
كان كل شيء صامت..السماء والنجوم والسحاب تحت ركبتي....حينها شعرت بسهم بارد يخترق قلبي...ما أجمل هذا الشعور...
رفرفت حمامات من حولي...نبتت أغصان خضراء ثم انبثقت منها زهور...فراشات...أسماك ملونة تطير في الهواء....دجاجات حمراء سارت خطوة خطوة ورأسها يتحرك للأمام والخلف بشكل مضحك...فضحكت...
وحينما عدت نظروا نحوي بفضول...
سألني العجوز: أين كنت...
قلت: أصلي..
لوى شفتيه: حقا؟!!!
قلت: حقا...
قال: وكيف كانت النتيجة...
قلت: رائعة...عليك أن تجرب بنفسك....حين تعبد الصمت..يضج كل عالمك بالغناء...
قال: مدهش...الآن...سأنام..لقد ألقينا جثة القائد من الهاوية...
لففت ذراعي حول جسدي ونمت...
وحلمت بصوت أجراس..أجراس وأجراس وأجراس....

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى